الاستراتيجيات الجديدة في السياسة الخارجية الأمريكية
مع اقتراب العالم من القرن الحادي والعشريين دأب عدد من المفكرين على البحث و استكشاف صورة العالم و التحديات التي قد تواجه البشرية في السنوات المقبلة.
و لم تكد الحرب الباردة تضع أوزارها, حتى بادر المنظرون الى وضع تصورات جديدة حول اسس السياسة الدولية لما بعد الحرب الباردة, و حول الضوابط التي يمكن ان تقوم عليها الاستراتجيات الدولية المستقبلية, و في هذا الاطار كان الدور الامريكي بارزا في تحديد مسار التوجهات العالمية الجديدة, وهو ماتبلور من خلال تفعيل الامم المتحدة التي عانت زهاء نصف قرن من الشلل, وذلك بمنطق امريكي, حيث اصبح مجلس الأمن يتوسع في تفسير بنود الميثاق الى حد التعسف في استخدام سلطاته عند مباشرة التدخل في حالات دولية معينة بفعل الهيمنة الامريكية’ وهكذا أضحى يتدخل تحت ذرائع مختلفة, فتارة باسم الديمقراطية ( هايتي، تيمور الشرقية ) و تارة بذريعة حماية الإنسانية ( الصومال، شمال العراق) و تارة أخرى باسم محاربة أوكار الإرهاب ( السودان، ليبيا، أفغانستان ) بالأضافة الى الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل( كوريا الشمالية، إيران)
هذا و يتم الركون الى القوة من ظرف الولايات المتحدة الامريكية في استغلال سافر لقواعد الشرعية الدولية بما فيها ميثاق الامم المتحدة ذاته، و تحديدا للاستثناء الذي يرد على قاعدة حظر اللجوء الى القوة و المتعلق بحق الدفاع الشرعي عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة، وذلك عبر اعطائه تأويلا ذاتيا مغلوطا و منحرفا بغرض اضفاء طابع الشرعية على سلوكياتها و سياستها غير المشروعة، لدرجة أصبح معها كل استخدام للقوة يتم البحث عن له ذريعة دفاعية، و كل عدوان يقدم في شكل ممارسة مشروعة لحق الدفاع الشرعي.
وهكذا فالاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تتوخى المصلحة الضيقة و ان على حساب مبادئ المشروعة الدولية أو مصالح الشعوب و مصالح الجماعة الدولية اقلقت و افزعت الأصدقاء قبل الاعداء، وبذلك أثارت جدلا فكريا و سياسيا وهو ما يحيلنا على اشكاليتين أساسيتين:
- ما طبيعة الاستراتجيات الجديدة في السياسة الخارجية الامريكية ؟
- إلى أي حد تنطبق سياسة الولايات المتحدة الامريكية في الدعوة للحفاط على السلم و الأمن الدوليين مع واقع الممارسة الدولية ؟
للإجابة على هذه الاشكاليات سنتبع التصميم التالي:
المبحث الأول: استراتيجية فرض سياسة احترام حقوق الإنسان و نشر الديمقراطية في السياسة الخارجية الأمريكية.
الفقرة الأولى: فرض سياسة احترام حقوق الإنسان
الفقرة الثانية: نشر الديمقراطية
المبحث الثاني: استراتيجية مكافحة الإرهاب و الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في السياسة الخارجية الأمريكية.
الفقرة الأولى: مكافحة الإرهاب
الفقرة الثانية: الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل
المبحث الأول: استراتيجية فرض سياسة احترام حقوق الإنسان و نسر الديمقراطية في السياسة الخارجية الأمريكية.
الفقرة الأولى: فرض سياسة احترام حقوق الإنسان
كان الاتجاه السائد في السياسة الخارجية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة، هو التأكيد على أهمية الأخلاق و الحقوق، مما جعل هذا البلد يتدخل بذريعة حماية حقوق الإنسان و القيم الأخلاقية و الديمقراطية في العديد من مناطق العالم كالعراق و الصومال و هايتي...... من هنا فان عمل الولايات المتحدة الأمريكية على تشجيع حماية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي يقوم على تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية لأمريكا نقتصر هنا على ذكر هدفين رئيسين، أولهما يتجلى في كون أن معظم الشعوب تنظر للولايات المتحدة الأمريكية كمثال للحرية و لاحترام كرامة الإنسان فهذا التشجيع هو بمثابة تكريس لهذه النظرة، و بالتالي فالتزام بفرض احترام هذه القيم سيعزز من قوة و مصداقية أمريكا.
و الهدف الثاني يتمثل في استعمال خطاب حقوق الإنسان بنمطين، فمن جهة تستغل أي خرق قد تقوم به أية دولة معادية لها لتلصق بها التهم في حين تغض الطرف على ما تقوم بها الدولة الموالية لها من خرقها لحقوق الإنسان.
كما نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل خطاب حقوق الإنسان لتحقيق أعراض تساند سياستها الخارجية في العالم من قبيل الضغط على أنظمة معينة قصد تدجينها، من هنا فان الولايات المتحدة الأمريكية ظلت متحمسة للتدخل خارجيا لفرض احترام حقوق الإنسان وفق تصورها لهذه الحقوق وهو ما عملت على تجسيده من خلال تدخلها في أفغانستان و العراق، فالواقع الدولي أظهر تعارض الإجراءات الأمريكية المرتبطة بتعزيز حماية حقوق الإنسان مع مقتضيات الإعلان العالمي للحقوق الإنسان و الاتفاقيات و المواثيق الدولية المرتبطة بالشأن الإنساني.[1]
ومن العجيب المفارقات، أنه في أعقاب 11 شتنبر، لم تتردد الولايات المتحدة في استعمال الخيار العسكري ضد الشعبين الأفغاني و العراقي تحت ادعاء افتقار هما إلى أنظمة سياسية تضمن حماية حقوق الإنسان، و هو ما يقتضي التصدي و القضاء عليها لمحاربة الظلم و تخليص الشعوب من جبرتها.[2]
لقد استغلت الولايات المتحدة التعاطف الدولي الذي أبدته الجماعة الدولية بإدانة شديدة القوة للهجمات الإرهابية التي تعرض لها الشعب الأمريكي في 11 شتنبر من أجل القيام بحرب شاملة على أفغانستان و بعدها العراق و ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني ذات الصلة و خصوصا الاتفاقيتين الثالثة و الرابعة لجنيف 1949.
إذ أعدمت القوات الأمريكية العديد من الأسرى من تنظيم طالبان في سجن مزار الشريف و نقلت العديد منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمحاكمتهم كارهابين بمقتضى القانون الجنائي الأمريكي عوض تمتيعهم بالضمانات الإنسانية المنصوص عليها في الاتفاقية الثالثة المتعلقة بحماية أسرى الحرب في فترة النزاعات المسلحة، كما أنها أخلت بالتزاماتها الدولية بحماية حقوق أفراد الشعب الأفغاني في الحياة و الوجود، حيث تحولت الحرب الأمريكية ضد الإرهاب إلى حرب حقيقية ضد حقوق الإنسان في أفغانستان لإزهاق أرواح المدنيين مما يشكل خرقا جسيما للاتفاقية الرابعة لجنيف 1949.
كما إن التعريف الأمريكي للإرهاب يشوه مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير من خلال إدراج المقاومة الفلسطينية في خانة السلوك الإرهابي على خلاف ما نصت عليه مواد الإعلان 1514 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في14 ديسمبر 1960 الخاص بمنح الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة.3
ليتصاعد هذا الخرق مع ما عرفته الولايات المتحدة الأمريكية أثناء 11 شتنبر2001 من أعمال إرهابية حولت معه إستراتجيتها من تعزيز حماية حقوق الإنسان إلى مكافحة الإرهاب وهنا تحولت من راعية الديمقراطية و حقوق الإنسان إلى أول خارق لهذه الحقوق بل إن خرقها لهذه الحقوق لم يقتصر فقط على الدول التي اتهمتها بالإرهاب أو المعادية لها بل طالت حتى أفراد الشعب الأمريكي، بحيث استغلت الحرب على الإرهاب للإجهاز على حقوق و الحريات الأساسية للمواطنين من قبيل التضييق على حرية التحرك و السفر على متن الطائرات خاصة المواطنين الأمريكيين من أصول عربية و إسلامية بالإضافة إلى توقيف المشتبه فيهم و احتجازهم لمدة طويلة بدون تهم ولا محاكمات مع منعهم من اللقاء بمحاميهم، بالإضافة إلى خلق الفرصة للمجموعة من الأنظمة لتصفية حساباتها مع معارضيها الراديكاليين والتضييق على نشاط حركات التحرر الوطني في العالم.
الفقرة الثانية: نشر الديمقراطية
ربط الكونجرس خلال فترة التسعينيات بين كل من توقيع اتفاقات للتجارة وتقديم المساعدات الخارجية وبين ما سمي الروابط الديمقراطية. وقد برز هذا الميكانيزم على وجه خاص في المؤتمر الوزاري الذي عقد في وارسو في يونيو 2000 والذي ربط بشكل مباشر بين هذين الجانبين، وهدد بعدم إبرام اتفاقات دولية مع دول لا تًحترم فيها الديمقراطية.
ويتضح ذلك على سبيل المثال بين ربط الكونجرس الأمريكي انضمام دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي الناتو وبين تحولها إلى الديمقراطية، كما حدث في عام 1999 لدى انضمام بولندا والمجر وجمهوية التشيك وسلوفينيا. وبالمثل فقد قدم أعضاء الكونجرس عددا من مشروعات القوانين والمبادرات المتعددة التي ربطت بين التحاق دول ما بكل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وبين إقامة هياكل ومؤسسات ديمقراطية، وكان آخرها قانون تقوية الحريات لأعضاء الناتو في عام 2007.
وقد أسس الكونجرس في عام 2006 صندوق الديمقراطية والذي توجه مخصصاته للعمليات الخارجية التي تهدف لنشر الديمقراطية. وقد تم تخصيص مبلغ 94.1 مليون دولار للسنة المالية 2006 للأنشطة المختلفة لدعم الديمقراطية، وخصص نفس هذا المبلغ في عام 2007. ووافق الكونجرس نهاية العام الماضي على تخصيص مبلغ 1.5 بليون دولار في عام 2008 لبرامج نشر الديمقراطية.
كما وافق الكونجرس على قانون تنفيذ مقررات لجنة 11/119/9 والذي يتضمن بندا حول التقدم في تعزيز القيم الديمقراطية وبرامج نشر الديمقراطية كطريق مباشر لمحاربة الإرهاب.[3]
و الأكيد أن الإدارة الأمريكية، التي طرحت المشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية بعد 11 سبتمبر، كانت تقدر أن أنظمة الاستبداد، والفساد، وأن الفقر والبطالة، تغذي نزعات التطرف والعنف، التي وصلت أقصاها في 11 شبتمبر، وأن هذه الأخطار تهدد مصالح الأمن القومي الأمريكي؛ وبعبارة لقد طرح المشروع كجزء من سياسة مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي. إن هذا لا يعني أن المشروع، لكونه أمريكيا وبدافع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، لم يكن يلتقي في الوقت نفسه مع طموح وأهداف القوى الديمقراطية الليبرالية، وسائر قوى الاعتدال والانفتاح، في المنطقة العربية.[4]
إذ تسيطر رؤية المحافظين الجدد على مشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي وهي ترتكز بصورة جوهرية على اعتقادهم بأن إرساء نظام ديمقراطي في هذه المنطقة المهمة إستراتيجياً والتي تطغى عليها الأنظمة السلطوية الاستبدادية كفيل بتسريع نشر الوعي الديمقراطي في الدول المحيطة.
ولا شك أن الصدمة المروعة التي أحدثتها هجمات 11 شبتمبر 2001 في نفوس صناع القرار السياسي الأمريكيين، ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين، أجبرتهم على إعادة النظر في تقييم السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والتي قامت على دعم وتثبيت الاستقرار السياسي كأولوية عليا لإستراتيجيتها في الشرق الأوسط، حتى ولو كان هذا على حساب القيم الديمقراطية وتطور المجتمعات العربية إنسانياً واقتصاديا. النخب السياسية الأمريكية وصلت إلى قناعة راسخة بأن تأييد الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي كونها من حلفاء واشنطن لم يعد يمثل درع وقاية لمصالح الولايات المتحدة الحيوية في المنطقة، بل أنه السبب الأساسي لنمو التطرف الذي بلغ أوجه في الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن. هذا الانقلاب في الإستراتيجية الأمريكية حوّل دعم مشروع الديمقراطية (الدمقرطة) من مجرد حلم مثالي إلى ضرورة واقعية تضمن أمن الولايات المتحدة على المدى البعيد.[5]
ولقد تذرعت الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا في عدوانهما و احتلالهما للعراق بتحرير العراقيين من النظام ديكتاتوري و بنشر الديمقراطية وفرض احترام حقوق الانسان الى جانب مبررات أخرى، لكن الممارسات الامريكية في هذا البلد و ماتلاها من انتشار للفوضى والعنف على امتداد التراب العراقي، و تسرب الصور المذلة و المهينة للأسرى العراقيين لدى قوات الاحتلال سواء الامريكية منها و البريطانية، و التي بتثها مختلف القنوات الاعلامية، اظهرت مدى زيف هذه الذرائع و ابرزت الوجه الحقيقي المخجل و المفزع للاحتلال.
كما كشفت حجم الهوة الفاصلة بين الخطابات و الشعارات التي ترفعها ( رائدة وحامية الديمقراطية في
العالم) الولايات المتحدة، بصدد الحرص على نشر الديمقراطية و حقوق الانسان بمختلف ارجاء العالم. لقد تبين أن هذا الخطاب الذي رفعته الولايات المتحدة في العديد من المناسبات يحمل بين طياته العديد من الخلفيات السياسة، فهذه الدول التي تذرعت بتحرير العراقيين من غطرسة نظام البعث، هي نفسها الان التي اغرقت العراق في جحيم من الفوضى والاضطراب.[6]
و كامتداد لهذه الاستراتيجية الجديدة ومن خلال الدورة الأولى للكونجرس الحالي، قدم العديد من الأعضاء مشروعات قوانين خاصة بدعم الديمقراطية على المستوى الجمعي للدول وعلى المستوى الفردي أيضا. فقد أقر الكونجرس مشروع قرار تقدم به السيناتور توم لانتوس (ديمقراطي ـ كاليفورنيا) تحت اسم قانون التقدم الديمقراطي في فبراير 2007 بهدف مراجعة درجة التقدم في البرامج المختلفة وتقديم تقارير وافية حول البلدان غير الديمقراطية بهدف تقوية برنامج جديد أطلق عليه مجتمع الديمقراطيات ، وتوفير المخصصات المالية لهذا البرنامج في العامين 2008 و 2009. وقدم نواب آخرون مبادرات خاصة بدول بعينها مثل: أوكرانيا وفنزويلا وأفغانستان وفيتنام وصربيا.
ولدى الكونجرس برنامجه الخاص لتعزيز التشريعات في الديمقراطيات الجديدة، ممثلا في لجنة مجلس النواب للمساعدة الديمقراطية والتي تأسست في مارس 2005، كامتداد لبرامج الكونجرس السابقة لتعزيز الديمقراطية في التسعينيات وخاصة في دول شرق أوروبا.[7]
إلا أن واقع هذه الاستراتجيات، الممارسات التي لا يشك احد في انتمائها لجرائم حرب ضد الإنسانية تشكل خرقا لمبادئ القانون الدولي الإنساني وخاصة لاتفاقيات جنيف، ولا تتطلب فقط عزل المسؤولين المباشرين عنها وإبداء الاعتذار و الأسف و الإدانة بشأنها، بقدر ماتلزم تعريضهم لمحكمات صارمة رفقة المسؤولين الامريكين السياسيين منهم و العسكريين الذين دفعوا بهم للتواجد في بلد ضدا على كل القوانين و الاتفاقيات الدولية.[8]
وبالتالي فان الإستراتجية الجديدة تعد تلاعبا بأسواق الشعوب التواقة إلى التحرر من الأنظمة المستبدة، كما أنها تتلاعب بمبادئ القانون الدولي الإنساني و خاصة اتفاقيات جنيف.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تكرس أن الديمقراطية مسموح بها، إنما فقط حينما تكون في ّ شكل ديمقراطية من الأعلى للأسفل ّ حيث النخب التي تتواطأ مع مصالح قطاع الأعمال الأمريكي و مصالح الدولة الأمريكية تحكم بالسيطرة*.
المبحث الثاني: استراتيجية مكافحة الإرهاب و الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في السياسة الخارجية الأمريكية.
الفقرة الأولى: مكافحة الإرهاب
إن مواجهة العنف بكل مظاهره في العلاقات الدولية و جهود التضييق على استخدام القوة في المجتمع الدولي تعود إلى عام 1907 عندما تمت المصادقة على اتفاقية لاهاي الثانية ( دراكو بورتر ) التي أكدت على ضرورة الحد من استعمال الدول للقوة في سبيل استرداد الديون المستحقة، وكذا عهد عصبة الأمم المرفق بمعاهدة باريس لسنة 1919 إلي يقيد استخدام هذا الحق و يؤجله.[9]
لقد تم طرح مفهوم الإرهاب في المؤتمرات و الاتفاقيات الدولية، فقد انعقد أول مؤتمر قانوني حول هذا الموضوع في بروكسيل عام 1926 تحت شعار ّ اعتماد إجراءات تشريعية مشتركة ّ تلاه مؤتمر وارسو سنة 1927 الذي و إن لم يستعمل فيه مصطلحّ الإرهاب إلا أن ما درسه المؤتمر يدخل في إطاره، ثم مؤتمر بروكسيل لسنة 1930، و تلاه مؤتمر كوبنهاكن لسنة 1936، لكن هذه المؤتمرات رغم اهتمامها بظاهرة العنف و الإرهاب على الصعيد الدولي، لم تتوصل إلى تحديد مفهوم الإرهاب.11 [10]
إلا إن الولايات المتحدة بمساندة الكتلة الغربية تحاول تعريف الإرهاب الدولي على نحو يشمل الكفاح المسلح لحركات التحرير الوطني، في حين ترى الكتلة الشرقية إن الإرهاب الحقيقي هو إرهاب الدولة.
لذلك فالعنف هو الصورة الطاغية وسط المشهد العالمي بعد الحريق الأمريكي و ما تلاه من تداعيات، انه الحدث الذي مازلنا نعيش تحت وطأته و نتلقى مفاعيله، خاصة في العالم العربي، حيث يحمل أو حمل مسؤولية ما جرى، لان حفنة منهم لم تحسن سوى هذا الصنيع الإرهابي، بعد قرن و نصف من الدعوة إلى النهوض و التقدم و التحديث.[11]
شكلت أحداث 11 شتنبر فرصة للولايات المتحدة للترتيب استراتيجيتها في منطقة دولية تعد من أهم المناطق حساسية و أهمية خاصة بغد تزعمها لحلف دولي لمواجهة ّ الإرهاب.
إن سقوط نظام طالبان و تعزيز التواجد الأمريكي في المنطقة أتاح لها بلورة استراتيجية طالما هدفت إليها، ذلك أنها أصبحت تعتمد على الحليف الهندي لمواجهة الخطرالاصولي المتنامي في المنطقة و الحد من أي دور استراتيجي قد تسعى الصين إلى بلورته في المنطقة، وكذا الضغط على باكستان و تعزيز الرقابة على ترسانتها النووية مخافة سقوطها قي يد الإرهابيين، ثم التموضع في منطقة حساسة تمكنها من محاصرة إيران، العراق و الصين ذلك القطب الغامض، و التموقع أيضا قرب روسيا و إيجاد موطئ قدم قرب اكبر مخزون للنفط لم يستغل بعد في بحر قزوين.13
لذلك جعلت الولايات المتحدة الأمريكية من مكافحة الإرهاب هدفا محددا لسياستها الخارجية فاندفعت بقوة لرد عسكري على العمليات الإرهابية التي تعرضت لها، و إجبار دولا عديدة من خلال ضغوط دبلوماسية و سياسية و اقتصادية قوبة للرضوخ للسياسة الأمريكية الجديدة في الحرب على الإرهاب، و إلا ستواجه عقوبات و تهديدات حقيقية و بالفعل تم تحديد أسماء دول و منظمات التي تعتبرها إرهابية أو متعاونة مع الإرهابيين، معتبرة أن الهدف من هذه الحملة العسكرية يكمن في محاربة الإرهابيين و من يحتضنهم أو يساعدهم، معتمدة في نفس الوقت قرارات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة و تحديدا قراري مجلس الأمن 1368 و 1373 بالتدخل في أفغانستان تحت مبرر الدفاع الشرعي، لتتوجه أنظار الولايات المتحدة صوب العراق و دول أخرى بدعوى علاقتهم بأحداث 11 شتنبر و تمويل القاعدة.
لتتحول استراتيجيتها اتجاه العراق من مكافحة الإرهاب إلى ذريعة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل و انقاد الشعب العراقي من الديكتاتورية العتيقة للرئيس صدام حسين، لتبدأ الولايات المتحدة الأمريكية في إطلاق التهديدات و التحذيرات ضد سوريا، فالتعامل السلبي مع سوريا كان سببه الدوافع الأمريكية إلى إحياء و تحريك التسوية الإقليمية الشاملة الذي كانت أحد دوافع التعامل الأمريكي بلهجة شديدة مع سوريا غداة احتلال العراق، فالتهديدات و الاتهامات المتوالية ضد دمشق إزاء تشجيع حزب الله و مساندته، ثم استضافة الفصائل الفلسطينية المعارضة للتسوية الفلسطينية الاسرائلية، و إمكانية تحريك قانون معاقبة سوريا في الكونغرس الأمريكي، وذلك قصد الحد من تأثير سوريا في منظمة الشرق الأوسط الذي يعرقل تنامي المصالح الأمريكية، و كذلك أمن و استقرار إسرائيل، إن استراتيجية مكافحة الإرهاب الدولي دفع بالولايات المتحدة إلى وضع الضحية مكان الجلاد و اتهام الشعوب العربية و خصوصا الفلسطينيين بممارسة الإرهاب في حق المحتل الاسرائلي، كما شرعن استخدام القوة و الانتهاكات الجسيمة للمدنيين و للحقوق الإنسان تحت غطاء الحرب ضد الإرهاب وفقا لما تمليه مصالحا الضيقة.
إن مكافحة الإرهاب في طل غياب تعريف دقيق له تشارك في صياغته كافة أعضاء الجماعة الدولية بشمالها و جنوبها يؤدي إلى خلق صورة غامضة و مشوشة في التفرقة بين الإرهاب و العنف، و الإرهاب و التحرر الوطني، و الإرهاب و الجريمة السياسة.
الفقرة الثانية: الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل
إن الاستراتيجية الأمنية القومية الامريكية الجديدة تنهض على ضرورة توفير جعل اقتصادي، سياسي و ثقافي يمهد إلى الهيمنة المعينة وفق المنطق الإمبراطوري، وفي هذا السياق تمارس الإدارة الامريكية في الخليج الدبلوماسية الناجعة، عندما نجح وزير الخارجية الأسبق جون فوستر دالاس في ممارسة سياسة حافة الهاويةٌ ضد السوفيات و هي السياسة التي تصل بالأمور تدريجيا إلى حافة الحرب المرعبة و أمام هذه المشهد المروع من الآثار التدميرية المحتملة أصبح العراق بفعل التفتيش الاستخباري التي يتعرض لعملية انتهاك واسعة النطاق أفضت إلى انكشاف أمني منقطع النظير، فالعراق بدا عاريا على ناحية الخليج.[12]
إذ منذ تأسيس لجنة الطاقة الذرية العراقية عام 1956، شهد البرنامج النووي العراقي تطوير يهدف إلى إيجاد أسس تصميم لسلاح نووي و إنتاجه، لكنه تعرض لأنواع من الدمار أثناء عاصفة الصحراء.
و من أهم مزايا معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، كونها تضمن للدول الموقعة( و التي لا تمتلك أسلحة نووية ) الحصول على ما تحتاجه من التقنيات النووية للاستخدامات السلمية تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، غير أن الجريمة الاسرائلية في 7 يونيو 1981 اتبتث بما لا يقبل الشك أن هذه المعاهدة كانت عديمة الفائدة بالنسبة إلى العراق، إذ لم تضمن له أي شئ، كما إن مجلس الأمن التابع إلى الأمم المتحدة لم يقدم للعراق أي سند قانوني للتعويض عما خسره نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم.
و في سنة 1991 أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 687 و بموجبه استمر الحصار على العراق إلى حين تحقق الأمم المتحدة من أن العراق قد دمر كل ما يمتلكه من أسلحته النووية، كما شكلت ماسمي باللجنة الخاصة( )للتحقق من تدمير جميع أنواع الأسلحة المحظورة الأخرى.[13]
من خلاله فان أول مبرر تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لتبرير حربها ضد العراق هو حقها الطبيعي في الدفاع عن نفسها ضد التهديد العراقي الوشيك الوقوع التي يستهدف أمنها و الذي تمثله ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها، و هذا المبرر المقدم من طرف هذه الدولة كأحد تبعات التأويل الواسع و المنحرف لحق الدفاع عن النفس يوجد مدعوما بتيار فقهي غربي يزعم بصحة و مشروعية ممارسة الدفاع عن النفس ليس فقط للرد على عدوان مسلح وقع فعلا بل أيضا للرد على أي عدوان وشيك الوقوع أو تهديد بالعدوان، أي حتى لو لم يكن هذا العدوان قد وقع أو في طريقه نحو التحقيق، و سندهم في ذلك المادة 51 من م.م.م.
الواقع أن الادعاء بمشروعية الدفاع الوقائي عن النفس للرد على خطر وشيك الوقوع أو على تهديد بالعدوان، و الذي تدعي الولايات المتحدة الأمريكية بأن برامج و أنشطة العراق التسليحية تجسده هو طرح غير مقنع و يفتقر إلى أي أساس قانوني سليم، كما أن التيار الغالب في الفقه المعاصر يرفضه.[14]
و في نفس السياق الباحث عن غطاء شرعي لحربها ضد العراق تدعي الولايات المتحدة الأمريكية بأن الدافع إلى خوض هذه الحرب هو تقصير منظمة الأمم المتحدة في تحمل مسؤوليتها في الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين، أي عجزها عن إرغام العراق على تدمير ترسانته من أسلحة الدمار الشامل و التي تشكل تهديدا للسلم و الأمن الدوليين في الاعتقاد الأمريكي.
و الحقيقة أن هذه المبررات و الذرائع تظل واهية وتخفي داخل ثناياها خلفيات و أهداف أخرى، ذلك أن العراق أبدى تعاونه الكبير مع المفتشين الدوليين في إطار قرار مجلس الأمن 1441، ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية بعد إثبات امتلاك العراق لهذه الأسلحة، كما أنها لم تستطع قط إثبات تورطه في أحداث 11 شتنبر رغم سعيها الحثيث لذلك، مع العلم أن الولايات المتحدة طالما خرقت مبدأ احترام المشروعية الدولية.
إذ الهدف الرئيسي من وراء هذه السلوكيات هو تأكيد و تثبيت الزعامة الأمريكية في الساحة الدولية، و محاولة الثورة على النظام الدولي الذي تأسس مع نهاية الحرب العالمية الثانية و إنشاء الأمم المتحدة، و استفزاز الأقطاب الدولية الصاعدة و تجريب مدى قدرتها على المناورة و التحدي و محاولة دفعها نحو الكشف عن أوراقها و نوايها.[15]
و بالمقابل عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطوير وتأهيل قدرتها العسكرية لتتلاءم مع هذه المخاطر و مراقبة تحركات الدول الساعية لامتلاك هذه الأسلحة كآلية لإستراتجية الضربات الوقائية. أما على مستوى الملفات النووية لكل من كوريا الشمالية و إيران، فان واشنطن تدرك أن الملف النووي الكوري له تشعبات إقليمية و خصوصا الدعم الصيني، ز بالتالي فان هذه الملف مرتبط بمصالح قوى إقليمية تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية، ومن خلاله تفرض سياسة التفاوض في ظل مساومات و مقايضات.
أما الملف الإيراني فان الأمر على درجة من التعقيد و الصعوبة لكون إيران تملك عدد من عوامل القوة في وجه واشنطن أهمها:
1ـ سلاح النفط، وتهديدها بوقفه عن السوق العالمية مما يعني أزمة حادة للصناعات الأمريكية و الأوربية.
2ـ امتلاك إيران لصواريخ استراتيجية قادرة على الوصول إلى تل أبيب وقلب أوربا.
3ـ ارتباط العديد من الدول بمصالح اقتصادية كبيرة مع طهران كالصين و روسيا و بعض الدول الامريكية.
و بالتالي فان قدرة واشنطن على فتح ساحة حرب شاملة مع إيران في الوقت الذي تعاني من أزمة حادة في العراق، أمر في غاية التعقيد و الصعوبة لما قد تسفر عنه من نتائج وخيمة على المجتمع و من مخاطر كبيرة قد تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.
just_f