Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: الباحث/ محمد محسن الحوثـي: ما حصل (أزمة تغيير سياسي) السبت سبتمبر 01, 2012 6:12 pm | |
|
شهدت بعض بلدان العالم العربي موجة تغيير سياسي هبت رياحه من أرض تونس .. كانت بلادنا جزءا من ذلك.. وقد تعاطت ومازالت تتعامل مع هذا التغيير وفقاً للخصوصية اليمنية التي طعمت بالعلاقات الإقليمية والدولية, وبالرغم من أن هذه الأحداث قد توقعها مراقبون وباحثون ومحللون سياسيون يمنيون إلا أنهم لم يتوقعوا الأسلوب والسرعة التي وقعت على أرض خصبة من القضايا الشائكة بأوضاعها الاقتصادية والإنسانية والأمنية.. وللاقتراب أكثر التقينا بالباحث السياسي محمد محسن الحوثـي الذي توقع برؤية سياسية فاحصة منذ العام 2007م كل ما حدث..
> باعتبارك باحثا سياسيا ومهتما بالشأن والقضايا اليمنية، هل لاحظت أو رصدت ظهور أي بوادر تغيير تنذر بحدوث أمر ما قبل اندلاع الأحداث في اليمن؟
ـ بحكم اهتمامنا المتواضع بالقضايا التي تمر بها اليمن, فنحن نتابع تلك القضايا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي ولو عدتم إلى بعض أبحاثنا ومقالاتنا العلمية المنشورة.. لوجدتم بعض الإجابات على مثل هذا التساؤل, وعلى سبيل المثال: مطلب التغيير حق مكفول ومشروع، وكنا بحاجة إليه, لأن التغيير إلى الأفضل من إرادة الإنسان المرتبطة بإرادة الله، بل هو واجب على الإنسان أن يغير نفسه إلى الأفضل والأحسن، استناداً إلى قول الله عزّ وجل”{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53”،وقوله تعالى “{إنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11”، وبتأمل الآيتين الكريمتين نجد أن مضمون التغيير قيمي بحت “الكلية تحديداً”، فعلى الإنسان أن يتمثل القيم الحميدة “قيم الخير” وأن يتخلى عن القيم السيئة “قيم الشرّ” أولاً، ثم يبذل قصارى جهده لتغيير البيئة المحيطة به ثانياً، ضمن أطرٍ ومسارات وقنوات جمعوية ومؤسساتية متعددة ومتنوعة، ونأتي إلى متابعاتنا وجهودنا المتواضعة، مع الاعتراف بالتقصير: قمنا بإعداد ونشر دراسة حول التغيير نهاية عام 1993م-أثناء أزمة وحرب1994م- مكونة من ثلاثة أجزاء نشرت في صحيفة الأمة في ثلاثة أعداد( الظلم السياسي، التغيير، وأساليب التغيير) ونشرت مرة ثانية في مجلة الثوابت لشعورنا بأن الأزمة متراكمة, ولم تحل جذرياً, وظلت ترحل من وقت إلى آخر, إضافة إلى العوامل الخارجية ممثلة في قوى وسياسات وأيديولوجيات وقيم النظام العالمي (الجديد) أحادي التوجه-الهيمنة- ممثلة بسياسات المحافظين الجدد(اليمين المتطرف) بالتعاون مع بعض الدول، ومنها الدول الصغيرة، التي تعمل موضوعيا، وبدون ثمن، في صالح هذه الهيمنة والسيطرة “وفرض سيطرتها الإقليمية، مضطرة في النهاية إلى أن تدرج انتصاراتها وقوتها في سياق القوى الكبرى كي تضمنها، وهي لا يمكن أن تحقق هذه الانتصارات إلا بإجراء سيول من الدماء، بسبب فقدانها إلى مشروع يبرر سيطرتها” حسب تعبير الباحث برهان غليون، كما هو الحال في العراق، الصومال، السودان، ليبيا، واليمن..، وسياسات تفجير الأوضاع في عدد من البلدان العربية تحديداً تأتي بالتعاون مع القوى التي تربطها مصالح حيوية بهذه الدول سواء كانت هذه المصالح سياسية أو اقتصادية أو حتى إيديولوجية.
- في عام 2006، 2007م، تم إعداد ونشر عدد من الأبحاث والدراسات منها:
1ـ “الثقافة الثنائية بين التوفيقية الفلسفية والتوفيقية السياسية”، وأشرنا في هذا البحث إلى الصيغ التوفيقية، وضرورتها بالنسبة لليمن وغيره من الأنظمة المشابهة، والتي تمر بظروف غير مستقرة.
2ـ “ثقافة الفوضى والدولة الفاشلة” 27/6/2007م، وأشرنا فيه بعد طرح المقدمات إلى أنه سيتم الضغط على النظام من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وسيتم تعبئة الشعب والاشتغال على حاجاته وعواطفه، ويتم تحريكه ثم يخرج إلى الشارع فيطالب بإسقاط النظام، وأنه سيتم إشعال النار بين الإخوة فبقتل الأخ أخاه- مجازاً- وأنه سيتم الاشتغال على التناقضات والخلافات الداخلية وتغذيتها بدلاً من إرسال الجيوش إلا في حالات محددة.. الخ”، هذه المقالة العلمية تم شطبها من الموقع الإلكتروني لصحيفة الثورة بعد أسبوع من نشرها، إلا أنه سبق أن استخرجت نسخة منها، ووزعتها على الزملاء في حينه، ومعظم تلك الأبحاث والمقالات العلمية جُمعت في كتاب عنوانه “أوراق في الإصلاح السياسي: الدولة والديمقراطية”.. يوجد الكثير من الدراسات والأبحاث، ولكن الطابع التقليدي هو السائد وهذه إشكالية في حد ذاتها.
> كيف تسمون ما حدث في اليمن في بداية عام 2011م؟ وما أسباب ذلك؟
ـ بالنسبة للمسمّى فقد تعددت, هناك من سماها ( ثورة الربيع العربي، خريف الطغاة “حسب أردوغان”), وتيار آخر أطلق عليها (أزمة سياسية) وتيار ثالث (فوضى عبثية) وتيار رابع (إصلاح) وتيار خامس (تغيير) وهلم جرّا من المسميات, بالنسبة لي أو رأيي أنها “أزمة تغيير سياسي” وصراع بين القوى والتنظيمات السياسية التي اتخذت لها مبررات قد تكون على صواب ومنها ما هو تبريرات عاطفية لا ترقى إلى مستوى مطلب التغيير المنشود “الظاهر الرحمة والباطن من قِبَلِهِ العذاب” ربنا يستر.
أما عن الأسباب, فتوجد الأسباب السياسية في مقدمتها، لاسيما منذ الانتخابات الرئاسية عام 2006م التي حملت معها البذور الناضجة نسبياً, مثل عدم رضا بعض القوى المعارضة عن نتائج الانتخابات, واتهامها بتزويرها لصالح طرف معين, ثانياً :تراكمات أزمة وحرب صيف1994م، وحرب صعدة، ثالثاً: عدم الوفاء-أو التحايل- باتفاق فبراير 2009م الذي وقع بين الحزب الحاكم وحلفاؤه, واللقاء المشترك وشركاؤه , ثم الاتفاق مرّة أخرى في يوليو 2010م , ولكن الأحداث كانت تجري في مسار الصراع وليس التعاون, حتى شهر فبراير 2011م فاتضح المسار الصراعي، بل وشرعنته من قبل تلك القوى, واحتدّ عندما بدأ الحزب الحاكم بمحاولة تمرير التعديلات الدستورية من طرف واحد, مستغلا الأغلبية بمجلس النواب, علماً أنه يعرف أن أحزاب اللقاء المشترك قد حذرت من مثل هذا الإجراء, وكانت تنتظر الفرصة السانحة، فدعت في19أو20 / 1 / 2011م إلى هبة شعبية, واستفادت من الأحداث التي جرت في تونس ومصر, ومن وجهة نظر علم السياسة- باعتباره تاج العلوم وأشرفها “حسب تعبير العلامة أبو حامد الغزالي- منهجياً, توجد نظريات ونماذج متعددة في تحليل مثل هذه الأحداث مثلا : (نظرية الدومينو, أثر الفراسة, أثر الانتشار، الثورات المضادة) كلها تفسر مثل هذه الأحداث, ولكل منها افتراضاتها ومقدماتها وأهميتها العلمية، وتناولها للحدث أو الظاهرة المدروسة، مثلاً نظرية الدومينو، تفترض وجود قوة خارجية قادرة على زعزعة حالة الاستقرار القائمة بين مجموعة متجاورة من الكيانات المنتظمة في ترتيب معين، مشكِّلة نظاما ما، وتفترض أنه بمجرد نجاح تلك القوة في زعزعة استقرار أي من تلك الكيانات تبدأ موجة من عدم الاستقرار تمس كل عنصر من عناصر النظام، الواحد تلو الآخر، وهكذا إذا سقط حجر الدومينو فإن الأحجار التالية تتأثر بسقوط الأحجار السابقة لها في الترتيب، ويتم إسقاطها على الأنظمة السياسية، المتشابهة، والمتجاورة خاصة, كما حدث في (تونس، مصر، ليبيا،..) أما أثر الفراشة, فيعتبر أحد المفاهيم الرئيسية المستخدمة في نظرية الفوضى، ويرجع هذا المفهوم إلى نظرية فيزيائية ابتكرها إدوارد لورينتز عام1963م لتفسير الظواهر الطبيعية والأحداث المتواترة التي تنتج عن حدث بسيط، لكنه يؤدي في النهاية إلى سلسلة من النتائج والتطورات التي يفوق حجمها الحدث البسيط الأول، ويتم استخدامه في دراسة بعض الظواهر السياسية والأمنية التي يصعب التنبؤ بشأنها، كما حدث في تونس البوعزيزي (أشعل النار في نفسه) فأدى إلى سقوط النظام, وأثر الانتشار يشير إلى انتقال عملية التكامل الوظيفي بين الدول من مجال إلى آخر، وقد استخدم في تحليل أثر التطورات التي تحدث داخل دولة ما على دولة أخرى تتشابه مع الدولة الأولى من حيث مكوناتها ومقدرات القوة الخاصة بها وأثرها على الإقليم الذي تنتمي إليه، وعلى النظام الدولي، كما جرى ويجري في بعض الأقطار العربية (العراق، الصومال، السودان،، تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا..).
> هل سبقت توقعاتكم كباحثين بوجود بوادر ثورات أو أحداث تغيير في الأنظمة السياسية العربية قبل اندلاع أحداث تونس وما تلاها؟
ـ أحد وظائف علم السياسية الأربع (الوصف، التحليل، التفسير، التوقع ( التنبؤ) الأخيرة أهمها) لأنها غير التنجيم وقراءة الكف والفنجان وضرب الودع، وليست ادعاء بعلم الغيب، ولا يصل إليها إلا من استطاع أن يحقق الوظائف الثلاث السابقة لها؛ لأنها مبنية على التراكم المعرفي عبر السنوات المتتالية، وامتلاك المصطلحات والمفاهيم من جانب، والمناهج والمداخل والنماذج والأدوات والأساليب من جانب ثان، مثل أي علم آخر، وما زلت طالب علم أتلمس المفاتيح عند أهله، وفي هذا الصدد أسهمنا بمحاولات وكتابات ومقالات علمية منها ما نُشر ومنها ما لم ينشر على سبيل المثال:
- “ ثقافة الفوضى والدولة الفاشلة “ هذه المقالة نشرت على موقع صحيفة الثورة, يوم الجمعة 27/6/ 2007م أي قبل هذه الأحداث بأربع سنوات ونصف تقريباً, وأشرنا فيها إلى عدد من القضايا مثل سياسات المحافظين الجدد حول الشرق الأوسط الجديد, وما هي معالم الجدّة فيه خصوصاً بعد حرب حزيران 2006م , وهزيمة القوات الإسرائيلية من جماعة حزب الله, وبعد تناول المعطيات والمقدمات أشرنا في المقالة إلى أنه سيتم استغلال الأوضاع الداخلية لبعض الدول والأقطار العربية والإسلامية, وتفاعل قوى النظام العالمي الجديد مع بعض القوى داخل هذه الدول لتلاقي مصالحها, ومن ثم الاشتغال على الشعوب, وتحريكها, وإثارة عواطفها، وتهيئة خروجها إلى الشارع, ومن ثم المطالبة بإسقاط النظام, كما أشرنا فيها إلى أنه سيتم الحرب بين الإخوة (مجازاً), فيقتل الأخ أخاه, ولتخفيف الضغط على إسرائيل وإعادة هيبتها ستقوم الدول الحامية لها بنقل الحروب والصراع إلى أماكن أخرى (دول أخرى) وهذا ما حدث.. وفي هذه المقالة بالذات كان في توقعاتنا كثير مما حدث، غير أن ما لم نتوقعه, هو الأسلوب والسرعة التي وقعت بها الأحداث في الدول الخمس ( تونس, مصر, ليبيا, اليمن, سوريا) وكانت الجزائر مطروحة, ولكنها تنبهت، أو أن السيناريو تأخر بسبب تجربتها عام 1992م مع جبهة الإنقاذ الإسلامية, أما السودان فقد قُسم ومشاريع تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ جاهزة, ويعود هذا إلى ما يسمى في علم السياسة بحالة (عدم اليقين، أو غير المعروف) نظراً لعدم توافر المعلومات الكافية عن هذه القضايا والمشكلات، ويمكن الاقتراب من حالة عدم اليقين وفقاً لعدد من المداخل والنماذج مثل “نموذج السير العشوائي، التفكير خارج الصندوق، نموذج كومة الرمل، فكرة الأجسام الثلاثة، نظرية الاحتمالات، نظرية الفوضى الخلاقة، نموذج البجعة السوداء) إضافة إلى بعض المناهج واقترابات المدرسة السلوكية التي تدرّس في أقسام العلوم السياسية؛ لأن تلك التي ذكرتها بين القوسين لم تستوعبها الجامعات في مناهجها أو أبحاثها، وهي حصيلة اهتمامي ومتابعاتي الشخصية، بحكم التخصص، وهي جديرة بالاقتراب من الحالات المعقدة والمتشابكة، كالحالات التي نمرّ بها، مثلاً نموذج “البجعة السوداء” تقوم فكرة المفهوم على أن كل البجع في العالم لونه أبيض، واحتمال وجود بجع لونه أسود أمر مستبعد، وبات هذا المفهوم يستخدم للإشارة إلى أحداث بها ثلاث مميزات هي(إنها تقع خارج حدود التوقعات الطبيعية لعدم وجود حالة مشابهة تاريخيا، الأمر الثاني أنه في حال وقوعها يكون لها أثر شديد التطرف، الأمر الثالث إن الطبيعة البشرية تجعلنا نقبل فكرة احتمال وقوع هذا الحدث، بعدما تصبح قابلة للتنبؤ ويمكن تفسيرها)، ونحتاج في هذه المرحلة إلى يقظة الضمير، وإعادة الروح إلى الجسد الواحد وهذه مهمة صعبة تتطلب التخلي عن السياسات الضيقة، والمماحكات، والمطالب التعجيزية، اليمن بحاجة إلى بناء دولة المواطنة والحقوق, والعدالة بمفهومها النسبي وليس المطلق لاستحالة تحقيقه.
> لماذا اختلف الباحثون السياسيون حول التعاطي مع أحداث اليمن؟
ـ الاختلاف سنة الله في خلقه، أقصد الاختلاف الخلاّق البنّاء، وليس الاختلاف المبني على الأهواء والمطامع الذي يقودنا إلى الفرقة والضغينة والتنافر والتناحر, واختلاف الباحثين له صور متعددة.. اختلاف يرجع إلى التفاوت العلمي ـ المعرفي, وينطلق من المناهج والأساليب التي يستخدمها الباحث وأهمها التراكم المعرفي, وأهم من ذلك الموضوعية في تناول القضايا والأحداث وتحليلها وتفسيرها-ويدخل ضمنهم أهل الخبرة العقلانيين والتنويريين- مثلاً: حول” شكل الدولة اليمنية “ لدينا ثلاثة اتجاهات على الأقل، الاتجاه الأول: وهو الغالب يرى أن تظل الدولة موحدة مع إعطاء صلاحيات للوحدات المحلية (حكم محلي واسع الصلاحيات)،
الاتجاه الثاني: يرى أن تظل الدولة موحدة وتمنح الوحدات المحلية صلاحيات واسعة (لامركزية إدارية ومالية كاملة)، والاتجاه الثالث: يرى أن تتحول الدولة اليمنية الموحدة إلى اتحادية (في نموذجها الفيدرالي), بالنسبة لي كباحث أميل إلى أنصار الرأي الأول باعتباره النموذج الأقرب الذي يحقق المطالب والأهداف للدولة اليمنية الحديثة, مع الأخذ بأقاليم متعددة، وليس على أساس شطري.
التحفظ على الذين يقولون بالتحول إلى دولة اتحادية لعدة أسباب، أولاً: أنه ينقلنا من شكل للدولة إلى شكل آخر, ثانياً: اتحادية بين من, هل على أساس شطري فهذا يقودنا إلى الانفصال بين الشمال والجنوب والعودة إلى ما قبل عشرين عاماً, ولا سمح الله وحدث وسيمهد لتجزؤات وتقسيمات أخرى ونشوء دويلات جديدة، وسيناريوهاتها حاضرة (الحوثيون في بعض المحافظات الشمالية, حضرموت دويلة, تهامة ربما تشهد ولادة دويلة، دويلة في البيضاء وشبوة وجزء من أبين.. الخ )، وسيتم انبعاث القوميات المحلية من جديد، يقول البعض وبكل بساطة وبجاحة:”خلونا نجرّب الدولة الاتحادية أو الفيدرالية، الولايات المتحدة الأمريكية فيدرالية، وسويسرا وغيرها”، وبحكم معلوماتنا المتواضعة كطلاب علم، نوضح لهم أن مثل هذا القياس خاطئ جداً بل فاسد- مع احترامنا وتقديرنا لكل رأي- أولا: من حيث العدد الدول الاتحادية في العالم لا تتجاوز ثلاثين دولة، بينما الدول الموحدة تتجاوز162دولة، ثانيا: الولايات المتحدة الأمريكية لا تعتبر النموذج الأمثل، وفي نفس اللحظة تستطيع المؤسسات الفيدرالية فرض نفسها على كامل أرضها، أي إنها لا تعاني من أزمة عدم التغلغل/السيطرة، بل تستطيع أن تتجاوز ذلك إلى أكثر من مكان في العالم، وهي من الناحية العملية دولة موحدة، فلا يستطيع أحد المطالبة بالانفصال، وفي اليمن عملت العديد من القوى وما زالت على إضعاف الدولة ومؤسساتها وتدميرها وتخريبها، من أجل أن تظل تلك القوى مسيطرة على مفاصل الدولة، لهذا لم تستطع أن تمنع أو تضبط عشرين فرداً يقومون بقطع خطوط الكهرباء وأنابيب النفط والغاز، وغيرها من الأعمال البدائية، والدراسات العلمية تؤكد أن القبائل والجماعات اليمنية تنزع إلى الاستقلال عن الدولة في الظروف الطبيعية فكيف إذا تحولنا إلى دولة اتحادية!؟ أعتقد أن كل زعيم جماعة سيطالب بدولة مستقلة، ثالثا: الدول الفيدرالية تتسم بعدم تجانس السكان الإثني العرقي، الثقافي، الديني، أو أحدها، وتتميز اليمن بتنوعها الثقافي في إطار واحد، ولهذا نصت اتفاقية الوحدة على النموذج الاندماجي، أي ذوبان النظامين وميلاد دولة جديدة، رابعاً: مثل هذا الموضوع لا يخضع لتجربة الصواب والخطأ؛ لأنه من الناحية العلمية لدينا تجارب تاريخية وحديثة، أن التحول من دولة موحدة إلى دولة اتحادية نادرة الحدوث، وإذا حدثت تؤدي إلى التفكك، والسودان والعراق أقرب الأمثلة، علميا وعمليا، وبذلك لم تعد تخضع لتجربة الصواب والخطأ، والنتيجة معروفة سلفاً، حتى باستخدام المناهج والنماذج التي تقترب من معرفة غير المعروف.
ـ واختلاف سببه سطحية المعرفة بمثل هذه القضايا والأحداث: ويرجع إلى الثقافة السياسية العامة، والجهل بالأسباب، والمتسببين، وأين يكمن الخطر، وما هي النتائج المترتبة على كل ذلك، ويختلفون لهذه الأسباب، ولكنهم لا يماحكون ولا يعاندون، وربما يلتمسون ما يحيط بالظاهرة من جوانب متعددة، وعندما يقتربون من المتخصصين يستطيعون التمييز بين الصواب والخطأ.. واختلاف تسببه المصالح, وهذا هو الأعم, ويمثله الباحثون الذين ينتمون إلى أحزاب وتنظيمات سياسية فيغلبون المصلحة على المعرفة، وبدلاً من أن يكونوا قادة الفكر والتنوير، يصبحون أدواةً تحركهم أصابع أصحاب النفوذ والتسلط، وأصحاب المال والجاه، ووظيفتهم تبرير الأفعال والرؤى، وإن كانت مجانبة للصّواب، أو على حساب المصالح العامة والخاصة، مثلا: واحد تخصصه تسويق، تجده منظراً في الفكر السياسي، أو النظرية السياسية، واسمه وصورته يتصدران واجهات وسائل الإعلام الجماهيرية والأهلية والخاصة كتابة، وخطابة، وتحدثاً، وهو لا يمتلك من مفاهيم ومصطلحات ومناهج ما يتبناه ويتحدث فيه إلا ما يمتلكه طالب في المرحلة الأساسية، أو رجل الشارع الأمي، ومثله من تخصصه اقتصاد فتجده سنةً منظراً سياسيا، وسنة أخرى مفسراً للقرآن الكريم، وسنة ثالثة محاضراً في الاتصال والإعلام، وهكذا دواليك، وينسبون كل شيء إلى الثقافة، وهؤلاء هم العقبة الكؤود أمام تقدم الأمة ورقيها، تركوا تخصصاتهم، والبعض تخلى عن تخصصه، وطلبوا الله واشتغلوا على حساب هذا الشعب الطيب، وأسهموا بشكل كبير في الوصول إلى ما وصلنا إليه، ولا يزالون في غيّهم يعمهون.. وإذا كان من السهل الاقتراب من الفئتين الأولى والثانية، فإن الفئة الثالثة تظل مشكلة العصور.
> كيف تستشرفون المستقبل من خلال المرحلة القادمة ونحن على أعتاب عقد مؤتمر وطني قد يحدد نجاح أو فشل عملية التسوية السياسية في اليمن؟
- العملية السياسية مستمرة سواء نجحت أو فشلت، مع تمنياتنا بنجاح ما يدور في الساحة من حوارات حول القضايا السياسية المصيرية وحتى الثانوية، يأتي في مقدمتها توفر الإرادة السياسية، وإن وجدت بعض قيادات القوى التي لا ترغب في التوصل إلى حلول تسير باليمن نحو المناطق الآمنة.. لنتفاءل ولكن بشيء من الواقعية وليس الأمنيات والأحلام التي تصل إلى مرحلة الأوهام, ولا أخفي سرّاً، يتمثل في ألمي الكبير وأنا أتابع المفكرين والسياسيين في الدول الأخرى وهم يطرحون التصورات والسيناريوهات المستقبلية لدولهم، بحدودها الموحدة كـ “تونس، مصر،..” ونحن نطرح تصوراتنا لمستقبل دولتنا وهاجس التشطير والتجزئة يتمثل أمامنا كالشيطان الرجيم الذي ما منه بدّ، وتسوّق له بعض القوى من معارضة الخارج التي لها ارتباط بالداخل وفي أماكن محددة من المحافظات الجنوبية والشرقية، التي ترفع سقف مطلبها إلى الانفصال، وهذا شبه محال.
just_f
| |
|