Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: كتاب ذم الغضب والحقد والحسد السبت يوليو 06, 2013 6:35 pm | |
|
كتاب ذم الغضب والحقد والحسد وهو الكتاب الخامس من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له يتكل على عفوه ورحمته إلا الراجون ولا يحذر سوء غضبه وسطوته إلا الخائفون الذي استدرج عباده من حديث لا يعلمون وسلط عليهم الشهوات وأمرهم بترك ما يشتهون وابتلاهم بالغضب وكلفهم كظم الغيظ فيما يغضبون ثم حفهم بالمكاره واللذات وأملى لهم لينظر كيف يعملون وامتحن بهم حبهم ليعلم صدقهم فيما يدعون وعرفهم أنه لا يخفى عليه شيء مما يسرون وما يعلنون وحذرهم أن يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون فقال ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون والصلاة والسلام على محمد رسوله الذي يسير تحت لوائه النبيون وعلى آله وأصحابه الأئمة المهديين والسادة المرضيين صلاة يوازي عددها عدد ما كان من خلق الله وما سيكون ويحظى ببركتها الأولون والآخرون وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فإن الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة وإنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد ويستخرجه الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كاستخراج الحجر النار من الحديد وقد انكشف للناظرين بنور اليقين أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين فمن استفزته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث قال خلقتني من نار وخلقته من طين فإن شأن الطين السكون والوقار وشأن النار التلظي والاستعار والحركة والاضطراب ومن نتائج الغضب الحقد والحسد وبهما هلك من هلك وفسد من فسد ومفيضهما مضغة إذا صلحت صلح معها سائر الجسد وإذا كان الحقد والحسد والغضب مما يسوق العبد إلى مواطن العطب فما أحوجه إلى معرفة معاطبه ومساويه ليحذر ذلك ويتقيه ويميطه عن القلب إن كان وينفيه ويعالجه إن رسخ في قلبه ويداويه فإن من لا يعرف الشر يقع فيه ومن عرفه فالمعرفة لا تكفيه ما لم يعرف الطريق الذي به يدفع الشر ويقصيه ونحن نذكر ذم الغضب وآفات الحقد والحسد في هذا الكتاب ويجمعها. بيان ذم الغضب ثم بيان حقيقة الغضب ثم بيان أن الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا ثم بيان الأسباب المهيجة للغضب ثم بيان علاج الغضب بعد هيجانه ثم بيان فضيلة كظم الغيظ ثم بيان فضيلة الحلم ثم بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به من الكلام ثم القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق ثم القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته ثم بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه ثم بيان الدواء الذي به ينفي مرض الحسد عن القلب ثم بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب وبالله التوفيق بيان ذم الغضب قال الله تعالى إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين الآية ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ومدح المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة وروى أبو هريرة أن رجلا قال يا رسول الله مرني بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب حديث أبي هريرة إن رجلا قال يا رسول الله مرني بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب رواه البخاري وقال ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا وأقلله لعلي أعقله فقال لا تغضب فأعدت عليه مرتين كل ذلك يرجع إلى لا تغضب حديث ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا وأقلل الحديث أخرج نحوه أبو يعلى بإسناد حسن وعن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينقذني من غضب الله قال لا تغضب حديث عبد الله بن عمرو سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن وهو عند أحمد وأن عبد الله بن عمرو هو السائل وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم ما تعدون الصرعة فيكم قلنا الذي لا تصرعه الرجال قال ليس ذلك ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب حديث ابن مسعود ما تعدون الصرعة الحديث رواه مسلم وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب حديث أبي هريرة ليس الشديد بالصرعة الحديث متفق عليه وقال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم من كف غضبه ستر الله عورته حديث ابن عمر من كف غضبه ستر الله عورته أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو وذم الغضب وفي الصمت وتقدم في آفات اللسان وقال سليمان ابن داود عليهما السلام يا بني إياك وكثرة الغضب فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم وعن عكرمة في قوله تعالى وسيدا وحصورا قال السيد الذي لا يغلبه الغضب وقال أبو الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب حديث أبي الدرداء دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن وقال يحيى لعيسى عليهما السلام لا تغضب قال لا أستطيع أن لا أغضب إنما أنا بشر قال لا تقتن مالا قال هذا عسى وقال صلى الله عليه وسلم الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل حديث الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب ومن رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم حديث ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم أخرجه البزار وابن عدي من حديث ابن عباس للنار باب لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله وإسناده ضعيف وتقدم في آفات اللسان وقال له رجل أي شيء أشد على الله قال غضب الله قال فما يبعدني عن غضب الله قال لا تغضب حديث قال رجل أي شيء أشد علي قال غضب الله قال فما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بالشطر الأخير منه وقد تقدم قبله بست أحاديث الآثار قال الحسن يا ابن آدم كلما غضبت وثبت ويوشك أن تثب وثبة فتقع في النار وعن ذي القرنين أنه لقي ملكا من الملائكة فقال علمني علما ازداد به إيمانا ويقينا قال لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب فرد الغضب بالكظم وسكنه بالتؤدة وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حظك وكن سهلا لينا للقريب والبعيد ولا تكن جبارا عنيدا وعن وهب بن منبه أن راهبا كان في صومعته فأراد الشيطان أن يضله فلم يستطع فجاءه حتى ناداه فقال له افتح فلم يجبه فقال افتح فإني إن ذهبت ندمت فلم يلتفت إليه فقال إني أنا المسيح قال الراهب وإن كنت المسيح فما أصنع بك أليس قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد ووعدتنا القيامة فلو جئتنا اليوم بغيره لم نقبله منك فقال إني الشيطان وقد أردت أن أضلك فلم أستطع فجئتك لتسألني عما شئت فأخبرك فقال ما أريد أن أسألك عن شيء قال فولى مدبرا فقال الراهب ألا تسمع قال بلى قال أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة وقال خيثمة الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه وقال جعفر بن محمد الغضب مفتاح كل شر وقال بعض الأنصار رأس الحمق الحدة وقائده الغضب ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم والحلم زين ومنفعة والجهل شين ومضرة والسكوت عن جواب الأحمق جوابه وقال مجاهد قال إبليس ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه وقيل لحكيم ما أملك فلانا لنفسه قال إذا لا تذله الشهوة ولا يصرعه الهوى ولا يغلبه الغضب وقال بعضهم إياك والغضب فإنه يصيرك إلى ذلة الاعتذار وقيل اتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل وقال عبد الله بن مسعود انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه وأمانته عند طمعه وما علمك بحلمه إذا لم يغضب وما علمك بأمانته إذا لم يطمع وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك وإذا غضبت على رجل فأحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا وقال علي بن زيد أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر زمانا طويلا ثم قال أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا وقال بعضهم لابنه يا بني لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة فأقل الناس غضبا أعقلهم فإن كان للدنيا كان دهاء ومكرا وإن كان للآخرة كان حلما وعلما فقد قيل الغضب عدو العقل والغضب غول العقل وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته أفلح منكم من حفظ من الطمع والهوى والغضب وقال بعضهم من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار وقال الحسن من علامات المسلم قوة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وعلم في حلم وكيس في رفق وإعطاء في حق وقصد في غنى وتجمل في فاقة وإحسان في قدرة وتحمل في رفاقة وصبر في شدة لا يغلبه الغضب ولا تجمح به الحمية ولا تغلبه شهوة ولا تفضحه بطنه ولا يستخفه حرصه ولا تقصر به نيته فينصر المظلوم ويرحم الضعيف ولا يبخل ولا يبذر ولا يسرف ولا يقتر يغفر إذا ظلم ويعفو عن الجاهل نفسه منه في عناء والناس منه في رخاء وقيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة فقال اترك الغضب وقال نبي من الأنبياء لمن تبعه من يتكفل لي أن لا يغضب فيكون معي في درجتي ويكون بعدي خليفتي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب أنا أوفي به فلما مات كان في منزلته بعده وهو ذو الكفل سمي به لأنه تكفل بالغضب ووفي به وقال وهب بن منبه للكفر أربعة أركان الغضب والشهوة والخرق والطمع. بيان حقيقة الغضب اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معرضا للفساد والموتان بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجة عنه أنعم عليه بما يحميه عن الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه أما السبب الداخلي فهو أنه ركبه من الحرارة والرطوبة وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة ومضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى تصير أجزاؤها بخارا يتصاعد منها فلو لم يصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق في الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد ما انثلم ليكون ذلك حافظا له من الهلاك بهذا السبب وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه فتدفع المهلكات عنه فخلق الله طبيعة الغضب من النار وغرزها في الإنسان وعجنها بطينته فمهما صد عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانا يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين والبشرة لصفائها تحكى لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإن صدر الغضب على من فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفر اللون وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها ولا تسكن إلا به ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة من التفريط والإفراط والاعتدال أما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها وذلك مذموم وهو الذي يقال فيه إنه لا حمية له ولذلك قال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلا فهو ناقص جدا وقد وصف الله سبحانه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة والحمية فقال أشداء على الكفار رحماء بينهم وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم الآية وإنما الغلظة والشدة من آثار قوة الحمية وهو الغضب وأما الإفراط فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار بل يصير في صورة المضطر وسبب غلبته أمور غريزية وأمور اعتيادية فرب إنسان هو بالفطرة مستعد لسرعة الغضب حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان ويعين على ذلك حرارة مزاج القلب لأن الغضب من النار حديث الغضب من النار أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بسند ضعيف الغضب جمرة في قلب ابن آدم ولأبي داود من حديث عطية السعدي إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار كما قال صلى الله عليه وسلم وإنما برودة المزاج تطفئه وتكسر سورته وأما الأسباب الاعتيادية فهو أن يخالط قوما يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيقول الواحد منهم أنا الذي لا أصبر على المكر والمحال ولا أحتمل من أحد أمرا ومعناه لا عقل في ولا حلم ثم يذكره في معرض الفخر بجهله فمن سمعه رسخ في نفسه حسن الغضب وحب التشبه بالقوم فيقوى به الغضب ومهما اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل زاده ذلك غضبا وإذا استضاء بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر إذ ينطفيء نور العقل وينمحي في الحال بدخان الغضب فإن معدن الفكر الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان مظلم إلى الدماغ يستولي على معادن الفكر وربما يتعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه وتسود عليه الدنيا بأسرها ويكون دماغه على مثال كهف اضطرمت فيه نار فاسود جوه وحمى مستقره وامتلأ بالدخان جوانيه وكان فيه سراج ضعيف فانمحى أو انطفأ نوره فلا تثبت فيه قدم ولا يسمع فيه كلام ولا ترى فيه صورة ولا يقدر على إطفائه لا من داخل ولا من خارج بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا كما تقوى النار في الكهف فينشق وتنهد أعاليه على أسفله وذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكذا حال القلب عند الغضب وبالحقيقة فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسن حالا وأرجى سلامة من النفس المضطربه غيظا إذ في السفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وينظر لها ويسوسها وأما القلب فهو صاحب السفينة وقد سقطت حيلته إذا أعماه الغضب وأصمه ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر الزبد على الأشداق وتحمر الأحداق وتنقلب المناخر وتستحيل الخلقة ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره فإن الظاهر عنوان الباطن وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا فتغير الظاهر ثمرة تغير الباطن فقس الثمرة بالمثمرة فهذا أثره في الجسد وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند فتور الغضب وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ أما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوب نفسه ويلطم نفسه وقد يضرب بيده على الأرض ويعدو عدو الواله السكران والمدهوش المتحير وربما يسقط سريعا لا يطيق العدو والنهوض بسبب شدة الغضب ويعتر به مثل الغشية وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعة مثلا على الأرض وقد يكسر المائدة إذا غضب عليها ويتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجمادات ويخاطبها ويقول إلى متى منك هذا يا كيت وكيت كأنه يخاطب عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفس الدابة ويقابلها بذلك وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة بالمساءات والحزن بالسرور والعزم على إفشاء السر وهتك الستر والاستهزاء وغير ذلك من القبائح فهذه ثمرة الغضب المفرط وأما ثمرة الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة وهو أيضا مذموم إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرام وهو خنوثة قال صلى الله عليه وسلم إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد وإن الله أغير مني حديث إن سعدا لغيور الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه من حديث المغيرة بنحوه وتقدم في النكاح وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب ولذلك قيل كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها ومن ضعف الغضب الخور والسكوت عند مشاهدة المنكرات وقد قال صلى الله عليه وسلم خير أمتي أحداؤها حديث خير أمتي أحداؤها أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث علي بسند ضعيف وزاد الذين إذا غضبوا رجعوا يعني في الدين وقال تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة ففقد الغضب مذموم وإنما المحمود غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية وينطفيء حيث يحسن الحلم وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال خير الأمور أوساطها حديث خير الأمور أوسطها أخرجه البيهقي في الشعب مرسلا وقد تقدم فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج نفسه لينقص من سورة الغضب ويقف على الوسط الحق بين الطرفين فهو الصراط المستقيم وهو أرق من الشعرة وأحد من السيف فإن عجز عنه فليطلب القرب منه قال تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة فليس كل من عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله ولكن بعض الشر أهون من بعض وبعض الخير أرفع من بعض فهذه حقيقة الغضب ودرجاته نسأله الله حسن التوفيق لما يرضيه إنه على ما يشاء قدير. بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا أعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية وزعموا أن الرياضة إليه تتوجه وإياه تقصد وظن أخرون أنه أصل لا يقبل العلاج وهذا رأي من يظن أن الخلق كالخلق وكلاهما لا يقبل التغيير وكلا الرأيين ضعيف بل الحق فيه ما نذكره وهو أنه ما بقي الإنسان يحب شيئا ويكره شيئا فلا يخلو من الغيظ والغضب وما دام يوافقه شيء ويخالفه آخر فلا بد من أن يحب ما يوافقه ويكره ما يخالفه والغضب يتبع ذلك فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة وإذا قصد بمكروه غضب لا محالة إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما هو ضرورة في حق الكافة كالقوت والمسكن والملبس وصحة البدن فمن قصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب وكذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يستر عورته وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنة أو أريق ماؤه الذي لعطشه فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها ومن غيظ على من يتعرض لها. القسم الثاني ما ليس ضروريا لأحد من الخلق كالجاه والمال الكثير والغلمان والدواب فإن هذه الأمور صارت محبوبة بالعادة والجهل بمقاصد الأمور حتى صار الذهب والفضة محبوبين في أنفسهما فيكنزان ويغضب على من يسرقهما وإن كان مستغنيا عنهما في القوت فهذا الجنس مما يتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ عليه فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه فهدمه ظالم فيجوز أن لا يغضب إذ يجوز أن يكون بصيرا بأمر الدنيا فيزهد في الزيادة على الحاجة فلا يغضب بأخذها فإنه لا يحب وجودها ولو أحب وجودها لغضب على الضرورة بأخذها وأكثر غضب الناس على ما هو غير ضروري كالجاه والصيت والتصدر في المجالس والمباهاة في العلم فمن غلب هذا الحب عليه فلا محالة يغضب إذا زاحمه مزاحم على التصدر في المحافل ومن لا يحب ذلك فلا يبالي ولو جلس في صف النعال فلا يغضب إذا جلس غيره فوقه وهذه العادات الرديئة هي التي أكثرت محاب الإنسان ومكارهه فأكثرت غضبه وكلما كانت الإرادات والشهوات أكثر كان صاحبها أحط رتبة وأنقص لأن الحاجة صفة نقص فمهما كثرة كثر النقص والجاهل أبدا جهده في أن يزيد في حاجاته وفي شهواته وهو لا يدري أنه مستكثر من أسباب الغم والحزم حتى ينتي بعض الجهال بالعادات الرديئة ومخالطة قرناء السوء إلى أن يغضب لو قيل له إنك لا تحسن اللعب بالطيور واللعب بالشطرنج ولا تقدر على شرب الخمر الكثير وتناول الطعام الكثير وما يجري مجراه من الرذائل فالغضب على هذا الجنس ليس بضروري لأن حبه ليس بضروري. القسم الثالث ما يكون ضروريا في حق بعض الناس دون البعض كالكتاب مثلا في حق العالم لأنه مضطر إليه فيحبه فيغضب على من يحرقه ويغرقه وكذلك أدوات الصناعات في حق المكتسب الذي لا يمكنه التوصل إلى القوت إلا بها فإنما هو وسيلة إلى الضروري والمحبوب يصير ضروريا ومحبوبا وهذا يختلف بالأشخاص وإنما الحب الضروري ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها حديث من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن محصن دون قوله بحذافيرها قال الترمذي حسن ومن كان بصيرا بحقائق الأمور وسلم له هذه الثلاثة يتصور أن لا يغضب في غيرها فهذه ثلاثة أقسام: فلنذكر غاية الرياضة في كل واحد منها أما: القسم الأول فليست الرياضة فيها لينعدم غيظ القلب ولكن لكي يقدر على أن لا يطيع الغضب ولا يستعمله في الظاهر إلا على حد يستحبه الشرع ويستحسنه العقل وذلك ممكن بالمجاهدة وتكلف الحلم والاحتمال مدة حتى يصير الحلم والاحتمال خلقا راسخا فأما قمع أصل الغيظ من القلب فذلك ليس مقتضى الطبع وهو غير ممكن نعم يمكن كسر سورته وتضعيفه حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن وينتهي ضعفه إلى أن لا يظهر أثره في الوجه ولكن ذلك شديد جدا وهذا حكم القسم الثالث أيضا لأن ما صار ضروريا في حق شخص فلا يمنعه من الغيظ استغناء غيره عنه فالرياضة فيه تمنع العمل به وتضعف هيجانه في الباطن حتى لا يشتد التألم بالصبر عليه. وأما القسم الثاني فيمكن التوصل بالرياضة إلى الانفكاك عن الغضب عليه إذ يمكن إخراج حبه من القلب وذلك بأن يعلم الإنسان أن وطنه القبر مستقره الآخرة وأن الدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك عليه وبال في وطنه ومستقره فيزهد في الدنيا ويمحو حبها عن قلبه ولو كان للإنسان كلب لا يحبه لا يغضب إذا ضربه غيره فالغضب تبع للحب فالرياضة في هذا تنتهي إلى قمع أصل الغضب وهو نادر جدا وقد تنتهي إلى المنع من استعمال الغضب والعمل بموجبه وهو أهون فإن قلت الضروري من القسم الأول التألم بفوات المحتاج إليه دون الغضب فمن له شاة مثلا وهي قوته فماتت لا يغضب على أحد وإن كان يحصل فيه كراهة وليس من ضرورة كل كراهة غضب فإن الإنسان يتألم بالفصد والحجامة ولا يغضب على الفصاد والحجام فمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها بيد الله ومنه فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يراهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع ملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم فلا يغضب على من يذبح شاته التي هي قوته كما لا يغضب على موتها إذ يرى الذبح والموت من الله عز وجل فيندفع الغضب بغلبة التوحيد ويندفع أيضا بحسن الظن بالله وهو أن يرى أن الكل من الله تعالى وأن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخيرة وربما تكون الخيرة في مرضه وجوعه وجرحه وقتله فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد والحجام لأنه يرى أن الخيرة فيه فيقول هذا على هذا الوجه غير محال ولكن غلبة التوحيد إلى هذا الحد إنما تكون كالبرق الخاطف تغلب في أحوال مختلفة ولا تدوم ويرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا لا يندفع عنه ولو تصور ذلك على الدوام لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يغضب حتى تحمر وجنتاه حديث كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه أخرجه مسلم من حديث جابر كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه وللحاكم كان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه واشتد غضبه وقد تقدم في أخلاق النبوة حتى قال اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة حديث اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل ضربته وفي رواية اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وتقدم ولمسلم من حديث أنس إنما أنا بشرا أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد أو ضربته وقال عبد الله بن عمرو بن العاص يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا فقال اكتب فوالذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه حديث عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا قال اكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه أخرجه أبو داود بنحوه فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل بموجب الغضب وغضبت عائشة رضي الله تعالى عنها مرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك فقالت ومالك شيطان قال بلى ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بالخير حديث غضبت عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ولم يقل لا شيطان لي وأراد شيطان الغضب لكن قال لا يحملني على الشر وقال علي رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له حديث علي كان لا يغضب للدنيا الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وقد تقدم فكان يغضب على الحق وإن كان غضبه لله فهو التفات إلى الوسائط على الجملة بل كل من يغضب على من يأخذ ضرورة قوته وحاجته التي لا بد له في دينه منها فإنما غضب لله فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغضب فيما هو ضروري إذا كان القلب مشغولا بضروري أهم منه فلا يكون في القلب متسع للغضب لاشتغاله بغيره فإن استغراق القلب ببعض المهمات يمنع الإحساس بما عداه وهذا كما أن سلمان لما شتم قال إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول فقد كان همه مصروفا إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول وسب رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال ما ستر الله عنك أكثر فكأنه كان مشغولا بالنظر في تقصير نفسه عن أن يتقي الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم يغضبه نسبة غيره إياه إلى نقصان إذ كان ينظر إلى نفسه بعين النقصان وذلك لجلالة قدره وقالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال ما عرفني غيرك فكأنه كان مشغولا بأن ينفي عن نفسه آفة الرياء ومنكرا على نفسه ما يلقيه الشيطان إليه فلم يغضب لما نسب إليه وسب رجل الشعبي فقال إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك فهذه الأقاويل دالة في الظاهر على أنهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات دينهم ويحتمل أن يكون ذلك قد أثر في قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا بما كان هو الأغلب على قلوبهم فإذا اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد أن يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فإذا يتصور فقد الغيظ إما باشتغال القلب بمهم أو بغلبة نظر التوحيد أو بسبب ثالث وهو أن يعلم أن الله يحب منه أن لا يغتاظ فيطفئ شدة حبه لله غيظه وذلك غير محال في أحوال نادرة وقد عرفت بهذا أن الطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتي في كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا عن القلب تخلص من أكثر أسباب الغضب وما لا يمكن محوه يمكن كسره وتضعيفه فيضعف الغضب بسببه ويهون دفعه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه إنه على كل شيء قدير والحمد لله وحده. بيان الأسباب المهيجة للغضب قد عرفت أن علاج كل علة حسم مادتها وإزالة أسبابها فلا بد من معرفة أسباب الغضب وقد قال يحيى لعيسى عليهما السلام أي شيء أشد قال غضب الله قال فما يقرب من غضب الله قال أن تغضب قال فما بيدي الغضب وما ينبته قال عيسى الكبر والفخر والتعزز والحمية والأسباب المهيجة للغضب هي الزهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع وتميت العجب بمعرفتك بنفسك كما سيأتي بيانه في كتاب الكبر والعجب وتزيل الفخر بأنك من جنس عبدك إذ الناس يجمعهم في الانتساب أب واحد وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتا فبنو آدم جنس واحد وإنما الفخر بالفضائل والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها فإذا لم تخل عنها فلا فضل لك على غيرك فلم تفتخر وأنت من جنس عبدك من حيث البنية والنسب والأعضاء الظاهرة والباطنة وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر وتفضل عنه إذا عرفت ذلك وأما الهزل فتزيله بالجد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة والعلوم الدينية التي تبلغك إلى سعادة الآخرة وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس وبصيانة النفس عن أن يستهزأ بك وأما التعيير فالحذر عن القول القبيح وصيانة النفس عن مر الجواب وأما شدة الحرص على مزايا العيش فتزال بالقناعة بقدر الضرورة طلبا لعز الاستغناء وترفعا عن ذل الحاجة وكل خلق من هذه الأخلاق وصفه من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها وتنفر عن قبحها ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على النفس فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل وتخلصت أيضا عن الغضب الذي يتولد منها ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكبر همة وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس إليه وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح والمرأة أسرع غضبا من الرجل والصبي أسرع غضبا من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل وذو الخلق السيء والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى أنه يغضب على أهله وولده وأصحابه بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب حديث ليس الشديد بالصرعة تقدم قبله بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل بأن تتلي عليه حكايات أهل الحلم والعفو وما استحسن منهم من كظم الغيظ فإن ذلك منقول عن الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء وأكابر الملوك الفضلاء وضد ذلك منقول عن الأكراد والأتراك والجهلة والأغبياء الذين لا عقول لهم ولا فضل فيهم. بيان علاج الغضب بعد هيجانه ما ذكرناه هو حسم لمواد الغضب وقطع لأسبابه حتى لا يهيج فإذا جرى سبب هيجه فعنده يجب التثبت حتى لا يضطر صاحبه إلى العمل به على الوجه المذموم وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل أما العلم فهو ستة أمور الأول أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال فيرغب في ثوابه فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام وينطفيء عنه غيظه قال مالك بن أوس ابن الحدثان غضب عمر على رجل وأمر بضربه فقلت يا أمير المؤمنين خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فكان عمر يقول خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فكان يتأمل في الآية وكان وقافا عند كتاب الله مهما تلي عليه كثير التدبر فيه فتدبر فيه وخلى الرجل وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى والكاظمين الغيظ فقال لغلامه خل عنه الثاني أن يخوف نفسه بعقاب الله وهو أن يقول قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علي يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفا إلى حاجة فأبطأ عليه فلما جاء قال لولا القصاص لأوجعتك حديث لولا القصاص لأوجعتك أخرجه أبو يعلى من حديث أم سلمة بسند ضعيف أي القصاص في القيامة وقيل ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم إذا غضب أعطاه صحيفة فيها ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة فكان يقرؤها حتى يسكن غضبه الثالث أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمر العدو لمقابلته والسعي في هدم أغراضه والشماتة بمصائبه وهو لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة وهذا يرجع إلى تسليط شهوة على غضب وليس هذا من أعمال الآخرة ولا ثواب عليه لأنه متردد على حظوظه العاجلة يقدم بعضها على بعض إلا أن يكون محذوره أن تتشوش عليه في الدنيا فراغته للعلم والعمل وما يعينه على الآخرة فيكون مثابا عليه الرابع أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع العادي ومشابهة الحليم الهادي التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأراذل الناس وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مسكة من عقل الخامس أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام ويمنعه من كظم الغيظ ولا بد وأن يكون له سبب مثل قول الشيطان له إن هذا يحمل منك على العجز وصغر النفس والذلة والمهانة وتصير حقيرا في أعين الناس فيقول لنفسه ما أعجبك تأنفين من الاحتمال الآن ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين فمهما كظم الغيظ فينبغي أن يكظمه لله وذلك يعظمه عند الله فما له وللناس وذل من ظلمه يوم القيامة أشد من ذله لو انتقم الآن أفلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا فهذا وأمثاله من معارف الإيمان ينبغي أن يكرره على قلبه السادس أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله لا على وفق مراده فكيف يقول مرادي أولى من مراد الله ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه وأما العمل فأن تقول بلسانك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال عند الغيظ حديث الأمر بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الغيظ متفق عليه من حديث سليمان بن صرد قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت أوداجه الحديث وفيه لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم الحديث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن حديث كان إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي الحديث أخرجه ابن السني في اليوم والليلة من حديثها وتقدم في الأذكار والدعوات فيستحب أن تقول ذلك فإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما واضجع إن كنت جالسا وأقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك واطلب بالجلوس والاضجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة وسبب الحرارة الحركة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغضب جمرة توقد في القلب حديث إن الغضب جمرة توقد فيالقلب الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد دون قوله توقد في وقد تقدم ورواه بهذا اللفظ البيهقي في الشعب ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فلينم فإن لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد أو يغتسل فإن النار لا يطفئها إلا الماء فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء فإنما الغضب من النار حديث إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء البارد الحديث أخرجه أبو داود من حديث عطية السعدي دون قوله بالماء البارد وهو بلفظ الرواية الثانية التي ذكرها المصنف وقد تقدم وفي رواية إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا غضبت فاسكت حديث ابن عباس إذا غضبت فاسكت أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ لهما والبيهقي في شعب الإيمان وفيه ليث بن أبي سليم وقال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه حديث أبي هريرة كان إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه أخرجه ابن أبي الدنيا وفيه من لم يسم ولأحمد بإسناد جيد في أثناء حديث فيه وكان أبو ذر قائما فجلس ثم اضطجع فقيل له لم جلست ثم اضطجعت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع والمرفوع عند أبي داود وفيه عنده انقطاع سقط منه أبو الأسود وقال أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم حديث أبي سعيد ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض وكأن هذا إشارة إلى السجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع وهو التراب لتستشعر به النفس الذل وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب وروي أن عمر غضب يوما فدعا بماء فاستنشق وقال إن الغضب من الشيطان وهذا يذهب الغضب وقال عروة ابن محمد لما استعملت على اليمن قال لي أبي أوليت قلت نعم قال فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض تحتك ثم عظم خالقهما وروي أن أبا ذر قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر بلغني أنك اليوم عيرت أخاك بأمه فقال نعم فانطلق أبو ذر ليرضي صاحبه فسبقه الرجل فسلم عليه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر ثم اعلم أنك لست بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل ثم قال إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد وإن كنت قاعدا فاتكيء وإن كنت متكئا فاضطجع حديث أبي ذر أنه قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر الحديث وفيه ثم قال إذا غضبت إلى آخره أخرجه ابن أبي الدنيا في العفو وذم الغضب بإسناد صحيح وفي الصحيحين من حديثه قال كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشاكني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية ولأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال له انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى ورجاله ثقات وقال المعتمر بن سليمان كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه فكتب صحائف وأعطى كل صحيفة رجلا وقال للأول إذا غضبت فأعطني هذه وقال للثاني إذا سكن بعض غضبي فأعطني هذه وقال للثالث إذا ذهب غضبي فأعطني هذه فاشتد غضبه يوما فأعطي الصحيفة الأولى فإذا فيها ما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا فسكن بعض غضبه فأعطي الثانية فإذا فيها ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء فأعطي الثالثة فإذا فيها خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلهم إلا ذلك أي لا تعطل الحدود وغضب المهدي على رجل فقال شبيب لا تغضب لله بأشد من غضبه لنفسه فقال خلوا سبيله فضيلة كظم الغيظ قال الله تعالى والكاظمين الغيظ وذكر ذلك في معرض المدح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن اعتذر إلى ربه قبل الله عذره ومن خزن لسانه ستر الله عورته حديث من كف غضبه كفي الله عنه عذابه الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له من حديث أنس بإسناد ضعيف ولابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر من ملك غضبه وقاه الله عذابه الحديث وقد تقدم في آفات اللسان وقال صلى الله عليه وسلم أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة حديث أشدكم من ملك نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث علي بسند ضعيف والبيهقي في الشعب بالشطر الأول من رواية عبد الرحمن بن عجلان مرسلا بإسناد جيد وللبزار والطبراني في مكارم الأخلاق واللفظ له من حديث أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب وفيه عمران القطان مختلف فيه وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا حديث من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية أمنا وإيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا بالرواية الأولى من حديث ابن عمر وفيه سكين بن أبي سراج تكلم فيه ابن حبان وأبو داود بالرواية الثانية من حديث رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه ورواها ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وفيه من لم يسم وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى حديث ابن عمر ما جرع رجل جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله أخرجه ابن ماجه وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى حديث ابن عباس إن لجهنم بابا لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تقدم في آفات اللسان وقال صلى الله عليه وسلم ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا حديث ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس وفيه ضعف وبتلفق من حديث ابن عمر وحديث الصحابي الذي لم يسم وقد تقدما وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق ويخيره من أي الحور شاء حديث من كظم غيضا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء تقدم في آفات اللسان الآثار قال عمر رضي الله عنه من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون وقال لقمان لابنه يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك وأعرف قدرك تنفعك معيشتك وقال أيوب حلم ساعة يدفع شرا كثيرا واجتمع سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض فتذاكروا الزهد فأجمعوا على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الجزع وقال رجل لعمر رضي الله عنه والله ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل فغضب عمر حتى عرف ذلك في وجهه فقال له رجل يا أمير المؤمنين ألا تسمع إلى الله تعالى يقول خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فهذا من الجاهلين فقال عمر صدقت فكأنما كانت نارا فأطفئت وقال محمد بن كعب ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا قدر لم يتناول ما ليس له وجاء رجل إلى سلمان فقال يا عبد الله أوصني قال لا تغضب قال لا أقدر قال فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك. بيان فضيلة الحلم
| |
|