الحوار.. قصة كفاح (افتتاحية الاصلاح نت)
الأحد 26 يناير 2014 الساعة
الإصلاح نت - كتب/ المحرر السياسي
لم يكن الحوار الوطني نزهة كما قال المبعوث الأممي إلى اليمن السيد جمال بن عمر، بل كان أخطر تحديات الثورة السلمية وأهم محطاتها على الإطلاق، وتجاوز تلك المحطة بمثل ذلك النجاح الكبير الذي شهد به العالم هو إنجاز ومفخرة لكل اليمنيين الذين عانوا الكثير وتحملوا الصعاب والمشاق ليس منذ بدء الحوار ولكن منذ بدء ثورتهم السلمية في 11 فبراير 2011.
الحوار الوطني بأشهره العشرة مثّل بالفعل قصة كفاح ونضال يستحق الإشادة ليس لأعضاء مؤتمر الحوار وحسب بل لكل اليمنيين الذين صبروا وصابروا حتى راءوا ثمرة نضالهم تنضج في توافق وطني سيعمل-بإذن الله تعالى- على النهوض بواقعهم إلى آفاق رحبة من التغيير والتطوير الذي ينشدونه. أما قوى الشر والظلام فهي وحدها المتألمة من وصول اليمنيين إلى مثل هذا اليوم التاريخي الذي تمكنوا فيه من صوغ مستقبلهم وتوحيد رؤاهم والتوافق على بدء مرحلة جديدة من الشراكة والبناء. قوى الثورة المضادة وتحالفاتها الانتهازية هي وحدها من ترى في مثل هذا اليوم التاريخي انتكاسة لها ولمشروعها التآمري القائم على الفوضى والتخريب وإعاقة التوافق ومحاولة جرّ اليمنيين إلى دائرة العنف والصراعات ليسهل عليها إحباط مشروعهم التغييري والالتفاف عليه.
انتهى مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في الثامن عشر من مارس 2013 ، وخرج المتحاورون بحزمة من الرؤى والحلول الجادة للقضايا المطروحة، كما اتفقوا ووقعوا على الوثيقة الأكثر أهمية المتمثلة بضمانات تنفيذ مخرجات الحوار والتي تعد بمثابة خارطة طريق للمرحلة المقبلة، واتفقوا كذلك على وثيقة الضمانات والحلول للقضية الجنوبية التي مثّلت أبرز تحديات الحوار، وبذلك يكون اليمنيون قد نجحوا في تخطي أهم العقبات التي تقف في طريق إعادة بناء دولتهم ومستقبلهم.
الانجاز الرائع الذي حققه اليمنيون يتشارك في صنعه كل القوى السياسية بدءا بالرئيس هادي الذي بذل جهودا كبيرة في الدفع بعجلة الحوار والحفاظ عليه من أية تصدعات، مرورا بأحزاب المشترك التي قدمت الكثير من التنازلات، إضافة إلى مكونات الحوار الأخرى من الأحزاب والشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني، الذين بذلوا جهودا مشكورة للخروج بنتائج إيجابية لصالح الوطن. كما لا ننس كذلك أن نشيد بالدور الإيجابي الذي لعبه كل من المبعوث الدولي جمال بن عمر وأمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، الذين آزروا الحوار وتصدوا لمحاولات إفشاله.
على أن التحدي الأبرز والأهم يتمثّل في الانتقال بمقررات الحوار ومخرجاته إلى ميدان الفعل والعمل، وتحويل تلك المخرجات إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع، وهو ما يستدعي بالتالي بذل المزيد من الجهود المخلصة، وأن يرتقي الجميع إلى مستوى الحدث العظيم الذي انجزناه، فواجب الوقت يتطلب أن نعمل سويا ونسير معا وندع خلافاتنا وراء ظهورنا كي نتمكن من انجاز ما نصبوا إليه.
لا شك أن مؤتمر الحوار الوطني مثّل تجربة سياسية فريدة من نوعها في التاريخ السياسي اليمني، أسهمت إلى حد بعيد في تخطي الكثير من خلافات اليمنيين وجمعتهم للمرة الأولى حول أهداف مشتركة سيتعين عليهم توحيد جهودهم لإنجازها على اعتبار أن ذلك غدا خيارهم الوحيد الذي لا مناص عنه.
من ناحية أخرى، ينبغي التأكيد هنا على أنه لم يعد ثمة ما يمكن التذرع به لاستمرار البطء في التغيير الذي ننشده جميعا، فالتوافق الذي خرج به مؤتمر الحوار الوطني يعد رافدا مهما للعملية السياسية وموجها لها لإفساح المجال أمام نقلة نوعية في عملية التغيير لصالح الشعب.
إن اليمنيين يترقبون خطوات جريئة على طريق التغيير تنتشل البلاد من حالة الركود المسيطر عليها ومن دائرة الأزمات المفتعلة من قبل المتربصين بها لتنقلها إلى مصاف الاستقرار والبناء، بما في ذلك استعادة هيبة الدولة وسيادتها وتوجهها نحو حل قضايا الناس وتحسين أوضاعهم المعيشية، فالتنمية هي معركتنا الحقيقية في المرحلة القادمة، لكن ذلك لن يتحقق ما لم تبسط الدولة ظلها على كامل ترابها الوطني وتأخذ على أيد المخربين وجماعات العنف والتطرف وتعيد الاستقرار لكل ربوع الوطن.