[size=18]إخوتاه
ما هي الأسباب وراء ضعف الالتزام ؟ السبب الأول: عدم الجدية في أخذ الدين .
فإننا لم نأخذ هذا الدين في الأصل بجد ، بل دخلنا فيه هوى وهواية ، وكثيرًا جدًا ما أطالبكم بأن يراجع كل منا نفسه ، فيبدأ بسبب التزامه الأول ، تدري عندما أصرخ فيمن لا يصلي لماذا لا تصلي ؟ أحتاج ـ أيضًا ـ أن أوجه صرخة أخرى لمعاشر المصلين وأنتم لماذا تصلون ؟
نعم لماذا تصلي ؟! نعم يا من أعفيت لحيتك لماذا أعفيتها ؟ لماذا ـ أخي ـ قصرت ثوبك ؟! لماذا تركت أشرطة الأغاني وأقبلت على سماع القرآن ؟! لماذا خلا بيتك من الدش والفيديو والتليفزيون ؟ لماذا ؟!!
لماذا اقتنيت مصحفًا ؟ لماذا بدأت تقرأ القرآن ؟ لماذا تحفظ القرآن ؟ لماذا تحضر دروس العلم ؟ لماذا لا تصاحب إلا مؤمنًا ؟ ….لماذا .. لماذا ؟
[ltr]إن لم يكن كل هذا لله فإنه مردود عليك ، فيضمحل ويتلاشى ويتواري ويعود كأن لم يكن .[/ltr]
[ltr]قال تعالى : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا " [ الفرقان / 23 ][/ltr]
لابد أن نمحص نياتنا على جمرات الإخلاص ، ارجع إلى البدايات الأولى ، اتهم نيتك ، فكثير منا التزم الدين في ظروف غير طبيعية قد تكون دفعته أو اضطرته إلى الالتزام ، وبعضنا ـ ولله الحمد ـ التزم لله مخلصًا ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم ، لكن ارجع وصحح نيتك فهذه هو الأصل .
السبب الثاني : الترف
والترف مفسد أي مفسد ، إذ يتعلق قلب صاحبه بالدنيا ، وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفًا غريبًا عجيبًا دخيلاً علينا .
فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف ، ولو في بعض الأشياء ، تجده لا يجد إلا قوته الضروري ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول ، ويشتري أفخر الأثاث ، ويشتري أحدث الأجهزة ، ليشتري الدش فيدخل الفساد على أهله ويقره في بيته دياثة ، وهذا يقتطع من قوت أطفاله لكي يصيّف هنا أو هناك ، والقائمة طويلة تعرفونها جيدًا ، وإلى الله المشتكى .
ترف وللأسف الشديد أمر يخجل ، فلأجل الله يشح ويبخل ، ويقدم لك الاعتذارات لضيق الوقت وضيق ذات اليد و … و… الخ لكن للدنيا وللشهوات يحارب ويدبر ويفكر .
إنه التنافس على الدنيا ، وكأنه لو لم يحصل هذه الأمور سيعيش في الضنك ، وسيبلغ به الحرج المدى ، ولا والله فما الزيادة في الدنيا إلا زيادة في الخسران .
فالغني يصاب بالبطر والكبر ، ويصبح ماله نقمة عليه في الآخرة فيصرخ يوم القيامة : " مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ " [ الحاقة /28-37]
والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد ، ناهيك عمَّن يتكبر وهو معوز فيدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر " [url=#_ftn1][1][/url].
فرجل كبير السن يزني ، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك فإذا كذب غش ، فهنا ـ كما يقول العلماء ـ ضعف الداعي ، وتم الفعل ، فعظم الوزر.
إنها عقوبة تروع قلب أي مسلم ألا يكلمه الله ، انظر لكعب بن مالك لما خاصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كادت روحه تزهق ، تفكر في حالك ولو أتيت من تحب فوجدته معرضًا عنك أو خاصمك كيف تكون حينها ؟! ألا تشعر أنَّ الدنيا اسودت في وجهك ، ويحل بك من الضيق والحزن ما يقطع قلبك ، فما بالك أن يقاطعك الله ، لا يكلمك ، لا ينظر إليك ، يعرض عنك ، لا يزكيك ، هذا أشد من عذاب جهنم عند الموقنين المحبين الموحدين .
والثالث : عائل أي فقير وهو مع هذا مستكبر ، فأن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف قال تعالى : " إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى " [ العلق /6-7 ] لكن فقير يتكبر فلماذا ـ يا عبد الله ـ ؟ !! وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله تعالى .
إخوتاه ..
ولا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا ، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول : أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته .
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده ، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا ، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهمومًا بهذه الرغبات من الأولاد والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم ، والحقيقة أنَّ هذا ليس من التربية في شيء ، فأنت بذلك تفسد الولد ، إننا نفتقد الحكمة في التربية ، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا .
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله ، فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له : هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما ، فإنَّ الله هو الرزاق ، وهو ربنا المدبر لأمورنا ، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد ، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيدًا لنا الآن ؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا .
فتعلمه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله "[url=#_ftn2][2][/url] ، وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي .
إن لابنك حقًا أعظم من الدنيا ، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار ، اللهم نجنا وأولادنا من النار . قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون " [التحريم / 6 ]إخوتاه ..
نحتاج إلى صفات " الرجولة " ، والرجل الحق لا يعرف الترف .
قال عمر : اخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم .
وقالت العرب قديما : وعند الصباح يحمد القوم السُّري [url=#_ftn3][3][/url].
قال الشاعر :
[rtl] ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله إِنَّما الأمـرُ سهـولٌ وحزونْ[/rtl]
[rtl] ربما قـرَّتْ عيونٌ بشجى مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ[/rtl]
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ
أيها الأحبة في الله ..
موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين ، فقد اجتمع يومًا ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة 440 من الهجرة ، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم : تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس .
فأبو الوليد الباجي كان فقيرًا لا يجد مالاً ، لا يجد مصباحًا في بيته ، فاعتذر لابن حزم لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس ، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص ، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب ، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس .
سبحان الله العظيم !! وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند ، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، الشاهد قال لتلاميذه يومًا : أنتم تطلبون العلم !!
إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها ، وأتعشى بها ، حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقًا أكتب بها ، وجلست بلا سراويل .
قال ياقوت الحموى : فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر .
وقال بعض المحققين : كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس ، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالبًا ، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه ، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة ، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب ، وتعمي البصيرة ، وتذهب بنعمة الإدراك ، أما الفقير وإن شغله طلب القوت ، فقد سدت عنه أبواب اللهو ، فأشرقت النفس ، وانبثق نور الهداية والله الموفق والمستعان .
إخوتاه ..
هذه هي القضية أن الترف مفسد ، وكثرة المال تلهى ، فاللهم أعطنا ما يكفينا ، وعافنا مما يطغينا .
وللأسف الشديد الناس في هذا الزمان لا يطلبون ما يكفيهم ، بل يطلبون ما يطغيهم ، لا يكتفون بما يرضيهم بل يطلبون ما يعليهم .
انظر لطلبة العلم الآن ، فأكثرهم لم يختم القرآن حفظًا ، والحفاظ أصبحوا ندرة ، فإذا سئلت لماذا لم تحفظ القرآن ؟!! فالجواب عادة : لأنني لا أجد الوقت .
لماذا ـ أخي ـ لا وقت عندك ، لأنك تضيعه في طلب الدنيا أو طلب شهوات النفس ، أليس لله حق في وقتك ، فاتقِِ الله . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
السبب الثالث : رواسب الجاهلية
من أسباب ضعف الالتزام رواسب الجاهلية ، فإن أكثرنا يدخل طريق الالتزام وفي داخلة نفسه رواسب من رواسب الجاهلية مثل : حب الدنيا ، والاعتزاز بالنفس ، والآمال الدنيوية العريضة ، وعدم قبول النصيحة ، وكثرة الأكل ، وكثرة النوم ، وكثرة الكلام ، و.. و…الخ .
قال الله جل جلاله عن قوم موسى الذين لم يستطيعوا أن يدخلوا معه الأرض المقدسة قال عنهم : " فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ " [يونس /83 ] .
هؤلاء الذين أسلموا لموسى بعد السحرة ، يخبرنا الله أنهم أسلموا على خوف ، إنهم ربُّوا على القهر والذل والاستعباد ، وسياقهم كالقطيع ، نشأوا على ذلك ، عاشوا على هذا ، فلما آمنوا ظلت فيهم رواسب من هذا فلم ينجحوا مع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة و السلام ، فاتعبوه ، وبدأت الجاهليات تظهر ، فتارةً قالوا : " لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً " [ البقرة /55 ] ، وتارة قالوا : " لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ " [ البقرة /61 ] ، وتارةً " قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " [المائدة /24 ] .
والشاهد أن سبب هذا أنهم آمنوا أصلاً على خوف من فرعون وملأهم ، فإذا اجتمع الالتزام مع رواسب الجاهلية ، تظل الرواسب تشدك للماضي .
كم من شباب التزم ثم نكص على عقبيه ، وأنت تعلمون أنِّي ـ والله ـ أحبكم في الله ، فلا تغضبوا مني ، فإني أحاول أن نصل معًا إلى حل ، إلى علاج لتلك الأمراض التي تفت في عضدنا ، وتطمس الجهود الدعوية المبذولة لإعلاء كلمة الله في الأرض ، فلكي نصل إلى الجنة لابد من تحمل مرارة الدواء، فهل يعز عليكم تحمل هذا في سبيل الوصول للجنة ؟ !!
لذلك تعالوا بنا إلى بعض السبل العلاجية لظاهرة ضعف الالتزام والفتور .
طرق العلاج من ضعف الالتزام
أولا: قف مع نفسك وقفة صادقة جادة .
لابد من وقفة جادة مع النفس ، اصدق مع نفسك ، ولا تبخل في بذل النصح لها .
قل لها : ثمَّ ماذا ؟ ما هي النهاية لكل ما أنت فيه من إعراض عن سبيل الله ؟
هذا أول سبيل للعلاج ، سل نفسك : ماذا تريدين ؟ هل تريدين الجنة أم النار ؟ فإن قلت : الجنة فبماذا تطمعين فيها وأنت في هذا البلاء، وأنت تعصين الله في السر والعلن ، في الليل والنهار ، حالك هذا والله لا يرضي الله ، إنَّ هذا لهو الغرور عينه .
سل نفسك : مالك تشتهين الدنيا وقد علمت حقيقتها ؟
أليس نعيمها منغصًا ؟ أليس كل فيها يزول ويفنى ؟ فمالك تريدين الدنيا وهي إلى رحيل ولا تعملين للجنة وهي دار الخلود ؟
اصدق مع نفسك في الجواب ، وإياك من التلون والخداع ، إياك أن تظفر بك نفسك في التسويف والقنوط .
بعضنا إذا سالته : هل تريد الدنيا أم الآخرة ؟ يقول : الآخرة قطعًا ، وحاله شاهد على كذبه .
وآخرون لا يدرون ماذا يريدون ؟ وبعضنا لا يريد أن يفوت الدنيا ولا الآخرة ، والجمع بين النقيضين محال .
كم من شاب يمني نفسه بالعروس الجميلة ذات المؤهل العالي والمركز الاجتماعي المرموق ، وبطبيعة الحال كل سلعة لها ثمن ، ففي المقابل ستجد التكاليف الباهظة من مهر وشقة ومستلزمات …لخ ، وهكذا تظل تعمل من أجل الدنيا ، فتتملكك ثمَّ تقول : أريد الدنيا والآخرة !!
إخوتاه ..
أهل الآخرة يكفي أحدهم أقل القليل من حطام الدنيا ، فمن كان همُّه الآخرة لم يبالِ بما حصَّل الناس من الدنيا ، إذا رأى الناس يتنافسون في الحصول على المرأة الجميلة تذكر هو قول الله في الحور العين : " إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ " [ الواقعة /35-38] ، فصرف رغبته إليهن ، وشمَّر عن ساعد الجد لنيلهن ، وهكذا تلمح دائمًا الفرق بين أهل الدنيا وأهل الآخرة فممن أنت ؟!
الشاهد أننا نريد موقفًا جديًا ، نمحص به نياتنا ، نعيد من خلاله ترتيب أهدافنا ، وابدأ بسؤال نفسك ماذا تريدين ؟ ثم الأمر يحتاج بعد ذلك إلى قرارات صارمة .
ثانيًا : مخالفة النفس طريق الهدى
انظر لربك وهو يعاتب موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في تربية قومه يقول الله عز وجل : " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا " لماذا ؟ " سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " [ الأعراف /145 ] ، فهذا أول السبيل تهذيب النفس بمخالفة الهوى ، فلا تتابع نفسك في كل ما تشتهي ، فلا تجبها في كل ما تطلب .
مثال ذلك : أن تعرف من نفسك أنها لا تصبر على طاعة ، فإذا قالت لك : هيا لنأكل أو لنذهب لزيارة فلان أو نحو ذلك من المباحات ، فقل لها : ليس قبل أن أقرأ وردي من القرآن . فستظل تلح عليك فإن خالفتها ولم تفعل ما تطلبه منك المرة بعد المرة فسوف تتحكم فيها ، ومن هنا تعلو همتك ، وتكون صاحب إرادة ، وهذه هي الرجولة الحقيقية فتأمل .
كذلك أنت ـ أيتها الأخت المسلمة ـ إذا حادثتك النفس في أن تكلمي فلانة أو فلانة ، فقولي لها : لا ليس قبل أن أنتهي من حفظ هذا الجزء من القرآن ، أو ليس قبل أن أنتهي من أذكار الصباح والمساء ، ليس قبل أن أقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، وهكذا خالفيها في المباحات فإنَّها لا تأمرك بفعل المكروهات ، ومن باب أولى المحرمات .
فمن تابع نفسه في كل ما تطلب أهلكته ، لذلك قال تعالى في عاقبة من يخالف نفسه في هواها " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى " [ النازعات /40-41] وقد بين لنا ربنا حقيقة النفس فقال : " إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [ يوسف/53] .
فالنفس قد تكون طاغوتًا يعبد من دون الله دون أن يدري الإنسان منا ، قال تعالى " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [ الجاثية /23 ]فاتباع الهوى سبب الضلال ، قال تعالى : " فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين " [ القصص/ 50 ]
فاللهم اهدنا بفضلك فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وقنا شر أنفسنا ، واجعلنا من المرحومين .
أخي الحبيب ..
هذب نفسك ، وأعلمْها حقيقتها ، فهي أمة لله الكبير المتعال ، فلابد أن تقيم حاكمية الله على النفس ، فالله هو الذي يحكم نفسك ، وليست الشهوات ، ولا الشيطان .
إنك تتعجب حين تطالع سير سلفنا الصالح ، كان الواحد يأكل في اليوم مرة ، ويشرب في اليوم مرتين فقط ، كما أثر هذا عن الإمام أحمد وغيره .
فأي رجال كان هؤلاء ، لكن من عاش ليأكل ويشرب ، فهذا قد يكون عبدًا لبطنه ، طالع سير السلف لتعرف قدرك جيدًا .
سئل بعض السلف : الرجل يأكل في اليوم أكلة ؟ قال : طعام المتقين .
قيل : فالرجل يأكل في اليوم مرتين . قال : طعام المؤمنين .
قيل : فالرجل يأكل في اليوم ثلاث مرات . قال : قل لأهله : ابنوا له معلفًا .
فالناس اليوم تعمل من أجل أن تأكل من أفخر الأطعمة ، إنه شره النفس ، فليس الأمر ما يسد الحاجة ، لا .. لا .. إنه يريد أن يحاكي هذا وذاك ، وأعداء الإسلام لا ينفكون في تزيين الباطل للناس ، حتى تتحطم عقيدة المسلمين في خضم الشهوات والملذات ، إنها كما قيل : صناعة الغفلة ، نسأل الله لنا ولكم العافية .
إخوتاه ..
انظر لما أراد الله أن يربي يحيى ليحكم صبيًا قال ربنا جل جلاله : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا " [ مريم /12 ] ، وهو صبي يحكم لأنه تربى على الجدّ والرجولة ، لا على الترف ، ولا على الشهوات ، ولا على متابعة النفس ، ومطاوعة الرغبات ، ولا على توفير المطالب ، " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا " وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا {13} وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا " [ مريم /12 –14 ] فأين هذه الصفات في شبابنا الآن ؟!!
أيها الأحبة في الله ..
الله أمرنا بالجدية في الإسلام فقال : " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ " [ الطارق /13-14] فالأمر ليس هزلًا ، اليوم نرى سمات الصالحين في الظاهر ، ولكن على قلوب فارغة ، على عقول فارغة ، وأنا آسف إن قلت هذا ، ولكن هذا واقع للأمة لابد من تصحيحه ؛ لأنه عار علينا ، ووصمة للدعوة ، وقد بدأت تظهر أمور لا تمت بصلة للإسلام ، في المعاملات وأكل أموال الناس بالباطل ، والمشاكل الأسرية والطلاق ، والأولاد الذين كنَّا نعقد عليهم آمالنا ، أولاد الملتزمين الذين لم يعرفوا الجاهلية التي مرَّ بها آباؤهم ، فوجدنا من كبر منهم ـ وللأسف ـ بعضهم أسوأ من أبيه .
فلابد من وقفة للتصحيح ، لابد من ضبط مواقع الأقدام ، قبل أن تذل بنا في جهنم ، قال تعالى : " فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ " [ النحل/94 ][ltr]أيها الأحبة في الله .. [/ltr]
من طرق العلاج :
ثالثًا : التخلص من مظاهر عدم الجدية
ومن أخطر تلك المظاهر : الرضا بالظواهر والشكليات ، ونسيان القلب والأعمال .
فليس جل الدين في اللحية والقميص القصير والنقاب ، إنها من شعائر الإسلام ، وينبغي علينا أن نلتزم بها، لكن لأنَّ هذه السنن صارت شعارًا لأهل الإيمان ومعشر الملتزمين في هذا الزمان ، فلا شك تسرب بينهم من ليس منهم ، واكتفى بهذه الأمور ، ومن هنا عدنا نقول : الملتزم هو الصوَّام القوَّام ، الملتزم هو القائم بالقسط ، الملتزم هو من خلا بيته من المنكرات ، من يتفقه في دينه ، من يفهم عن ربه ، من يعمل في تزكية نفسه ، هذه هي المعايير الآن ، ومن ابتعد عن هذا فليس من الملتزمين ، فقف لتحاسب نفسك .
إخوتاه ..
أسألكم بالله عليكم : منذ أن التزم الواحد منكم ماذا حصَّل من العلم الشرعي الذي زاده قربًا إلى ربه ؟
ماذا حصَّلت من العقيدة ؟ ماذا درست في الفقه ؟ كم كتاب قرأت ؟ وعلى من تعلمت ؟
هل تجيد قراءة القرآن الذي هو فرض عين عليك ؟
كم حفظت منذ أن التزمت من القرآن ؟
ما أخبار قيام الليل وصيام النهار والمحافظة على الأذكار ؟!!
أيها الأخ الحبيب ..
ينبغي أن يكون الفرق بينك الآن وبين أيام الجاهلية شاسعًا ، لابد أن تتغير جذريًا ، فاللسان يلهج بالذكر ، والعين تبكي خشية لله ، القدم تورم من القيام ، قلبك لا تجده إلا في دروس العلم، أذنك تعودت على سماع القرآن وهجرت الموسيقى والغناء .
لابد من هذا ، فإنك لا تعدم أن ترى الأطفال يدندنون بالإعلانات والأغاني وتحزن أنك لا ترى أبناء الملتزمين وهم يدندنون بالقرآن .
أين ابنك الذي حفظ القرآن ، ثمَّ حفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم)، والذي فيه أصح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرها قوة .
هل رأيت مثل هؤلاء ؟ اللهم إلا النادر القليل ، والنادر لا حكم له .
لماذا يحدث هذا ؟ لماذا لأهل الباطل الغلبة والتأثير ؟ أهم أكثر منكم إخلاصًا ؟!!
ما نحن فيه الآن يجعلنا جميعًا في قفص الاتهام ، وعليك أن تثبت لي عكس هذا .
قال الحسن البصري ـ وقد صح عنه موقوفًا وهو ضعيف مرفوعًا ـ : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ، وإن قومًا خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ، قالوا : نحسن الظن بالله . وكذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .
إخوتاه ..
أين الإخلاص ؟! أين حملة الدين ؟ أما رأيتم الرويبضة وهم يمرقون من الدين ، إن هؤلاء ما تجرأوا على الدين إلا بسبب تقصيرنا ؟ تقصير في طاعة الله ، تقصير في الدعوة إلى الله ، والواحد منَّا جل ما يصنع أن يقول : أنا مقصِّر ، ادعُ الله لي !! . مقصر!! فلابد من علاج ، فليس الأمر أن تتهم نفسك في العلن ، ثمَّ لا يتبع ذلك ندم وتوبة .
إخوتاه ..
نحن لا نيأس من رحمة الله ، والله وعدنا إنْ أصلحنا من أنفسنا أن يغير ما نحن فيه من غربة، فالأمل سيظل معقودًا أبدًا ، والمستقبل للإسلام ، وإن كره الملحدون والكافرون ، والتمكين للدين آتٍ بإذن الله ، نسأل الله أن يمكن لدينه في الأرض .
إخوتاه .
من طرق العلاج :
رابعًا : زيادة الطاعات وعدم الاغترار بالعمل اليسير .
معتقد أهل السنة والجماعة أنَّ الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فإن لم يكن يزيد فإنه ينقص .
أريد أن يزيد إيمانك كل يوم ، تقرب إلى الله بما تستطيع ، ولا تغتر بالعمل اليسير ، ولا تكثر التشدق بالإنجازات ، لأنَّ هذا قد يورث العجب والفرح بالعمل والاشتغال بالنعمة عن المنعم ،
مثال ذلك :
تجد أن الأخ إذا وجد نفسه مقيمًا للصلوات في الجماعة ، وقام ليلة أو ليلتين ، ظن نفسه من أولياء الله الصالحين ، وهذا قد يبتلى بترك العمل ، لأنه لم يشكر النعمة وإنما نسب الفضل لنفسه ، ولذلك كان المؤمنون هم أكثر الناس وجلًا ، فليس الشأن في العمل وإنما في قبوله ، قال تعالى : " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ " [ المؤمنون / 60 ]
فالاغترار بالعمل القليل اليسير ، وكثرة الكلام عن الأعمال التي يقوم بها ، هذا دليل أنه لن يكمل ، ولن يتم فاستر نفسك .
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين : " ولله در أبي مدين حيث يقول : ومتى رضيت نفسك وعملك لله، فاعلم أن الله عنك غير راضٍ ، ومن عرف نفسه وعرف ربه علم أن ما معه من البضاعة لا ينجيه من النار ، ولو أتى بمثل عمل الثقلين " .
نعم الذي يرى نفسه مؤمنًا خالصًا فهذا معجب مغتر بنفسه ، لابد أن ترى دائمًا نفسك بعين النقص والعيب ، لابد أن تنكس رأسك وتذل لله .
ولله المثل الأعلى : فأنت تعرف أنَّ الولد إذا رضي عن نفسه في علم من العلوم يبدأ يهجر مدارسته ، ثمَّ بعد هذا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، وقد يرسب في هذه العلم ، بسبب تهاونه وعجبه .
وهذه قضية الأمن على الإيمان ، وقد قال الله : " أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ " [ الأعراف/97-99] فلا تأمن ، فإنَّ إبراهيم الخليل عليه السلام لم يأمن على توحيده ، بل ابتهل إلى ربه وقال : " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام " [ إبراهيم/35 ]
إخوتاه ..من طرق العلاج :
خامسًا : عدم التسويف .
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام كثرة الوعود والأماني مع التسويف ، فتجد المرء منَّا يمني نفسه ، تقول له : احفظ القرآن . فيقول : سأحفظ إن شاء الله عندما أجد الوقت . وبطبيعة الحال لا يجد الوقت فهو مهموم دائمًا ، يقول : عندما أنتهي من الدراسة سأتعلم العلم الشرعي ، وأتفرغ للدعوة إلى الله ، ثمَّ يدخل الجيش فيقول : عندما أنتهي من هذه الفترة الشاقة سأصنع ما أريد بإذن الله ، ثمَّ تنتهي مدة الجيش فيبدأ في البحث عن العمل ، ثمَّ يقول : لابد أن أتزوج ، فيظل مهمومًا بأمر الزوجة والبحث عنها ، ثمَّ يجدها فيهتم بأمر الشقة وتجهيز المنزل ، ثمَّ يتزوج فيبدأ في السعي لتحسين وضعه الاجتماعي ، ثمَّ يرزق بالأولاد فيظل مهمومًا بأمورهم هكذا دواليك .
والعجيب أنّك قد تجد رجلًا من هؤلاء في النهاية قد رضي بهذا الضنك ، ويقول : هذه سنة الحياة !!
سنة الحياة أن تعبد الدنيا وتنسى أمر الآخرة !! سنة الحياة أن تهجر الطاعات من أجل الهوى والشهوات !!
إخوتاه ..
بسيف التسويف قُتل أناس كثيرون ، فالتسويف رأس كل فساد ، فمن أجَّل الطاعات لغد وبعد غد لا يلبث أن يتركها بالكلية ، فالشيطان يسول له ، ويمنيه ، ويغريه بطول الامل ، والموت يأتي بغتة ، والقبر صندوق العمل .
في قصة الثلاثة الذين خلفوا ، كان كعب لديه المال ، يقول كعب بن مالك : " فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ، ولم أقض شيئا ، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه . فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ، ثم رجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل بي حتى أسرعوا ، وتفارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أنِّي لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء .[url=#_ftn4][4][/url]
وهكذا في نهاية المطاف وجد نفسه في وسط المنافقين ، وهذا من جراء التسويف .
إخوتاه ..
الحذر الحذر من التسويف ، وطول الأمل ، قبل فجأة الموت ، وحسرة الفوت .
يا من تعمل في أعمال محرمة ، إياك أن تسوِّف ، فقد تموت قبل أن تتخلص منه ، هيا الآن ، لا تؤجل ، لا تعطل ، واتخذ هذا القرار الحاسم في حياتك فهذا دليل توبتك حقًا ، لا أن تتشدق بالأوهام .
يا من يريد حفظ القرآن قل : سأبدأ حفظ القرآن اليوم ، كل يوم ربع أو ربعين ، وتلزم نفسك بذلك إلزامًا صارمًا ، ولا تتهاون في عقاب نفسك إن قصرت ، وإلا فستصبح من أصحاب المظهرية الجوفاء الذين يكثرون من الوعود والأماني .
إخوتاه ..
من طرق العلاج :
سادسًا : أخذ الدين بشموليته .
فمن مظاهر عدم الجدية في الالتزام الاكتفاء ببعض الجوانب في الدين دون الشمولية ، وقد قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّة " [ البقرة /208 ] ، فكثير من الملتزمين يدخل في الدين ، ويلتزم ببعض الجزئيات التي أحبها في الدين ، وقد يكون ذلك هوى ، فليس الهوى في فعل المحرمات ، بل وفي فعل الطاعات أيضًا ، قال الله تعالى لنبيه داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّه " [ ص /26] وقد كان هواه في العبادة .
فملاحظة الشمولية في الدين أمر ضروري ، فإنني أريدك متكاملاً في جانب العبادة صوام قوام ذكار لله تتلو القرآن فتصبح ذا شخصية متألهة متنسكة ، وعلى الجانب العلمي فأنت طالب علم مجتهد ، حافظ للقرآن ، ذو عقل وفكر نير واستيعاب شامل ، وفي الجانب الدع