Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: الحب في حياة الانسان الأربعاء مايو 29, 2013 8:34 pm | |
|
الحب في حياة الانسان
عندما نتحدث عن الحب كمظهر من مظاهر العاطفة في الشخصية، نتحدث عن المفهوم الذي طالما اختلف عليه المنظـّرون في علم الاجتماع,
كل ذهب إلى وجهة في تحديد الحب والعاطفة، ومحلها في الشخصية..
والملاحـَظ في القرآن الكريم انطلاقاً من الآية القرآنية الكريمة:
(( ولكن الله حَبـَّبَ إليكم الإيمان وزيـَّنهُ في قلوبكم وكـَرَّهَ إليكم الكفرَ والفسوقَ والعصيان)).
حيث نقل الإيمان من حيـّز العقل إلى حيـّز القلب، ووصفه بأنه حبِّب إليكم الإيمان، و(الإيمان)، مـُعتـقـَد، ولكنه تناوله من زاوية مشاعرية، ومن زاوية قلبية، قال تعالى: ((... حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان)).
فتناول مفهوم المقابلة, فلم يجعل الكفر عقلياً فقط، بل العقل السليم يرفضه، بل ان القلب السليم الذي يخزن عاطفة يكرهه، وأروع شيء بالمبادئ عندما تنتقل إلى حيّز القلب.. قد يتحرك الإنسان لأداء واجب معين يعتقد بصحته، ولكن نفسه لا تطاوعه ومشاعره ليست معه، وأحياناً يؤديه وهو يحبه كما كان يعبـّر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (حبِّب لي من دنياكم ثلاث, الطيب والنساء وقـُرة عيني الصلاة). حيث كان النبي يحب الصلاة وليس يؤديها فقط. المُلاحَظ في القرآن الكريم، تكرار آيات قرآنية حول مفهوم الحب، فبعد أن يحرره القرآن الكريم, يوشـّحه بإكليل العاطفة.. فعلى سبيل المثال: عندما يـَطرح مفهوم الأخوّة: ((إنما المؤمنون إخوة))
هذا المفهوم من المفاهيم الفكرية، لكن له مفهوم عاطفي, فأين مكانه في الشخصية؟ إنك تشعر أن الذي ترتبط معه بفكرة كفكرتك، ومـُعتقد كمـُعتقدك إنكما أخوان إذن، هذا مفهوم فكري، لكن هل هذا بعيد عن الحيـّز العاطفي؟... طبعاً "لا"، ففي الآية القرآنية الكريمة: ((محمدٌ رسولُ الله والذينَ معَهُ أشداء على الكـُفـّار رحـَماء بَينهم)). أدخـل العاطفة، وجاء في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (مـَثـَلُ المؤمنين في تـَوادِّهم وتراحـُمِهم وتعاطفِهم كـَمثـَل الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَهرِ والـُحمّى). إذن علاقتك بالمؤمن ليست مفصولة عن الجانب العاطفي، وهي مسألة في غاية الأهمية. وهناك آيات قرآنية كثيرة تربط مجرد الإيمان بذِكـر الله (تبارك وتعالى) وبالتلقيات العاطفية داخل السريرة مثلاً: ((أ لـَمْ يأن ِللذينَ آمنوا أنْ تخشعَ قلوبهم لذِكـْرِ الله)). (لذكر الله)، مفهوم عقيدي، أنك حينما تذكر الله (تبارك وتعالى)، فانظر إلى الاهتزازات والتلقيات بداخلك (تخشع قلوبهم لذكر الله), وقوله تعالى: ((إنـّما المؤمنون الذين إذا ذكِرَ الله وَجـِلـَتْ قلوبهم)). لمجرد الذكر، تصيب القلب حالة وَجَل. وكذا في العلاقة الزوجية, وهي مفهوم: ((ومن آياته أن خلقَ لكم من أنفسِكم أزواجاً). القرآن جعل هذا المفهوم، ولم يتركه بلا عاطفة؛ فقال: ((لتسكنوا إليها وجَعلَ بينكم مودة ً ورحمة)). وإلا ّ فلا قيمة لهذه المفاهيم ما لم تتحرك في حيّز العاطفة، بل إن القرآن الكريم يأخذ أبعد من هذا؛ الله (تبارك وتعالى) والذي هو الغيب المطلق نتحدث معه بلغة الحب: ((والذين آمنوا أشد حباً لله)). ((يحبهم و يحبونه)). الحب بين العبد المؤمن، وبين الله (تبارك وتعالى)، والله (سبحانه عزَّ وجل) يخاطب مجاميع من المؤمنين لعلـَّها عشرة مجاميع, يخاطبهم بلغة الحب: ((إن الله يحب المتوكلين)). ((يحب المحسنين)). ((يحب المتقين)). ((يحب الذين يقاتلونَ في صَفهِ كأنـَهم بـُنيان ٌمرصوص)). كذلك يحب التوابين، والمتطهرين وغيرهم, هذه هي لغة الحب التي يتعاطى الله بها مع الناس؛ إذن فطبيعة العلاقة التي تربط الإنسان بالله (تبارك وتعالى)، هي علاقة حب، وهذا الحب يبعث الإنسان إلى جادة الطاعة، ويُبرم علاقة مع الهع بأنه أحبه. الدوافع التي تتحرك في داخل الإنسان ثلاثة، لا رابعَ لها بالحصر العقلي, إما دافع الخوف, قد يخاف الإنسان فيفعل شيئاً أو لا يفعله، لوجود رقابة تقرّعه، وتؤذيه، وحتى يتخلص منها يخاف فيطيع القانون, ويوجد دافع آخر هو دافع الرجاء، وهو الأمل بتحصيل المكافأة فيؤدي عمله حتى يُكافأ، وإذا لم يؤدِ عمله لا يـُكافأ، لذلك يؤديه وإن كان غير مقتنع به لأجل أن يحصل على المكافأة. هناك دافع ثالث، وهو الحب، وهذا الدافع يجعل الإنسان حتى إذا دهمه خطر، أو لم حصل على شيء يرجوه، يتحرك إليه. خلـْق الجنة والنار مثلاً، فالجنة وما فيها من نـِعـَم أكثر شيء يرجوه الإنسان, والنار وهي أشد ما يخاف منه، وهناك ما هو أرفع، وهو جعْل الإيمان بالله، والعلاقة مع الله، والحب المتبادل بين الله (تبارك وتعالى) وبين العبد، وفي ذلك يقول الإمام "علي" عليه السلام: (اللهم إني ما عبدتـك خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك ولكن وَجَدتــُكَ أهلا ً للعبادة فعبدتـُك). هذه التي يعبّر عنها الإمام الحسين (عليه السلام)، بعبادة الأحرار، وهي علاقة الحب والقناعة؛ إذن الدافع الثالث الذي هو دافع الحب، الذي يضع الإنسان في حالة، فعندما ينطلق في التعامل مع الآخرين ينطلق بحب؛ لذلك يجب أن تتحرك مشاعر الحب الدافئ في كل العلاقات التي يُبرمها الإنسان مع الآخرين ليس فقط يجلس بجانبه, جلسة متحاجرة، وتجريدية ومفهوم بمفهوم. لذلك ظلت الفلسفة في خبايا التاريخ؛ لأنها بعيدة عن عواطف الناس، ولم تتحوّل إلى تيار، بل بقيت قابعة في أروقة الحوارات الفلسفية، ولم تتحول إلى تيارات اجتماعية، بينما حركة الأنبياء تحوّلت إلى تيارات اجتماعية، لماذا؟ لأنها امتزجت بعواطف الناس بمختلف أصنافهم من راعي الغنم، والمُزارِع، والتاجر الكاسب، والعامل، والفلاّح وإلى أي أحد يأخذ حصة من المحبة والمشاعر المرتبطة بالمعتقد والفكرة, لذلك تحوّلت إلى مشاعر، وعندما تتحول الفكرة إلى مشاعر, تجد الإنسان يلوذ بها، ويدافع عنها حتى يُقتـَـل مضحياً من أجلها. بينما تجد حركة الأنبياء، وحركة المصلحين الناجحين في كل مجتمع سُرعان ما تتحول، بعد أن تأخذ حيزاً فكرياً في الإقناع، إلى حيّز العاطفة فتحرك المشاعر الكامنة، وتفجِّر هذه العواطف على شكل محبة، وعلى شكل منظومة للتعامل مع الآخرين، وعلى شكل طاقة للتضحية والاستبسال، والذود عن الفكرة. لا نستطيع أن نفصل في حياة الإنسان بين من لديه حب وعاطفة، وبين من ليس لديه حب وعاطفة، هذا كلام هراء. نعم، قد ترِد في بعض الأحيان كلمة عاطفي، لكن ليس على الإنسان؛ لأن عنده حباً وعاطفة، بل على الإنسان الذي تغلب العاطفة على عقله، أو تتقدم العاطفة فيه على عقله. أما الإنسان المفكر، والمتعقل فلا يعني أنه لا يملك عاطفة؛ غاية ما في الأمر أن عقله يسبق عاطفته، وصوت العقل عنده يعلو على صوت العاطفة. إذا جئنا الآن إلى التعامل مع كثير من الأشياء، فمرة نعقلن مشاعرنا، أي: أن تحب شخصية عالـِم, أو تحب شخصاً كريماً, أو شجاعاً, ومرة تحب شخصاً يرفضه عقلك، لكنه أسـَرَكَ عاطفياً، هذه عاطفة غير طبيعية. العاطفة التي تصطدم مع العقل، هي عاطفة لا محتوى فيها، وليس لها قيمة؛ إذ إن الحالة العاطفية يجب أن تتحرك في إطار العقل، وان تكون هادفة، أي: أن تتحرك المشاعر بطريقة انطلقت من فكرة، وتحركت، واستهدفت الوصول إلى نتيجة محددة, هذه هي العاطفة المطلوبة، وهي صفة أساسية في الشخصية، ولا يمكن للإنسان أن يتجرد عنها. عندما يتجرد عن العاطفة، يتحول إلى جماد، وكذا الحال بالنسبة للحيوان؛ فهو يملك عاطفة أيضاً!! وبطريقة أو أخرى أيضاً عنده عاطفة باتجاه مفرداته، وما يـُنجب من حيوانات أخرى له عاطفة, فالإنسان عندما يتجرد من عاطفته يتجرد من إنسانيته، فلا نستطيع أن نتصور إنساناً بلا عاطفة. يـُنسَب إلى (كونفوشيوس)، حكيم الصين المشهور المعروف (551) قبل الميلاد، أنه انكفأ على العلم، وكان يتنقل في الصين من بلد إلى آخر، ومن منطقة إلى منطقة أخرى، يبحث عن فرص، ويبحث عن سلطات محلية تؤمن بأفكاره، وتعاليمه من أجل إشاعتها في ذلك الوقت، ولكنه مات غريباً. لكن نحو ربع العالـَم الآن قد يكون مؤمناً بالكونفوشيوسية, الكونفوشيوسية الصينية، والكونفوشيوسية اليابانية, والكونفوشيوسية الكورية، وكونفوشيوسيات متعددة. الكونفوشيوسية، على ما لها من شأن، ووزن نوعي ثقيل تغمر العالم، و(كونفوشيوس)، الرجل في ذلك الوقت، كان يـُعتقـَد أنه خال ٍ من العاطفة؛ لأنه عندما مات ابنه لم يبك ِعليه، لكني أرى أن هذا الرجل عندما مات أحد طلابه بكى عليه بكاءً مـُراً، حتى إنه قال كلمة غريبة, قال بهذه الطريقة: لقد تآمرتْ علي َّ السماء. قالها مرتين، فلا يمكن أن تتصور إنساناً بلا عاطفة، لاحظ الآن الزاد العاطفي في البيوت..... الناس لو اعتادت أن تعوّض النقص، حتى إذا كانت في حالة فقر مادي، ويجب أن يتغلب على فقرها بالتكسّب الإمام علي (عليه السلام) يقول: (لو كان الفقر رجلا لقتلته). و(كاد الفقر أن يكون كفراً). لكن من هنا، إلى أن تنتقل إلى إنسان متمكن وغني، عوِّض هذا الفقر المادي بالغنى العاطفي، وبالعطاء العاطفي, بالكلمة الطيبة, فالإنسان حين ينطلق إلى الآخرين بكلمة طيبة، يستطيع أن يعوِّض حالة الشحة التي يعيشها، سواء كانت بالدخل، أو بالأسرة، وحتى بالتعامل مع الآخرين، فالكلمة الطيبة تـُنسيهم الحالة التي هم فيها؛ ولذلك أوصى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن قول الرجل لزوجته إني أحبك لن تفارق قلبها أبداً). هذا القول لا يطلقه النبي اعتباطاً، وكان يقول على لسان الرواية الشريفة: (أحسنكم, أحسنكم لأهله وأنا أحسنكم). أحسن بأي شيء؟ فهو كان يقدِّم هذه المشاعر لاهله، مثلما يقدِّم الحقوق الأخرى. هذا الحب، ليس حباً تجريدياً يقوم على فكرة، وينتهي بتحقيق هدف ما، فعندما نضع الإنسان على جادة العاطفة الصحيحة التي (عـُقـلـِنـَتْ)، أي: أن العقل يسبق العاطفة, فالبنت عندما تختار لنفسها خطيباً، فإن عقلها سيقول لها هذا غير صحيح, وعاطفتها تكبّلها، هذه شخصية عاطفية مرفوضة. لكن البنت، عندما تعطي العقل حصة كافية من التفكير، وتـُحـَكـِّم العقل على العاطفة، وتختار بمقاسات عقلية صحيحة، في ذلك الوقت تأتي العاطفة منساقة وراء العقل السليم. العقل يقول هذا رجل سيء، وكذلك الرجل يتعلق بامرأة وهي ليست بالمستوى المطلوب، لاحظ أنه سيعيش صراعاً بداخله فعقله غير مقتنع، لكنه بالقوة يخدع نفسه، وعاطفته تشلّ حركته فهناك فرق بين (عقلنة العاطفة، وشهونة العقل، أي: أن الشهوة والعاطفة تتحكمان بالعقل). الدين كله حب، وقد جاء في الحديث الشريف عن أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام): (وهل الدين إلا ّ الحب). فهو الحب، لذلك عندما نحب، يجب أن نخبر الآخرين بأننا نحبهم... قيل في رواية: إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في المسجد، ودخل أحد الأشخاص، وكان أحد الصحابة إلى جانبه قال له: يا رسول الله جاء فلان، وأنا أحبه. قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أخبره، أني أحبك), وبالفعل أخبره، وهذا ما يبعث السرور عند الآخر، فعندما تقول له: يا فلان أنا أحبك بصدق، فإن هذا سيترك أثراً طيباً. فالدين والعلاقة بالله (تبارك وتعالى)، علاقة حب. لذلك مرة أخرى، أرجع إلى هذه الظواهر الشاذة التي انتشرت الآن في المجتمع، حيث ظهر الحقد، والكراهية إلى حد القتل!! أنت تمارسها باسم الدين، مـَن يحب الله (تبارك وتعالى) يحب شيئين: يحب الذين يحبهم الله، ويحب الأعمال التي يحبها الله، لذلك جاء على لسان الإمام زين العابدين (عليه السلام)، في الصحيفة السجادية: (اللهم أسالك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصلني إلى قربك). فكيف تسوّغ لك نفسك أن تـُردي أحداً قتيلاً وهو صائم في شهر رمضان، أو وهو مـُصل ٍ؟ فقط، لانه ينتسب إلى مذهب آخر!! لماذا؟. كيف تسوّغ لك نفسك أيها (الإرهابي)، أن تقتل طفلاً بريئاً، وامرأة عفيفة، ورجلاً يكد ّ من أجل عياله، شخص عامل (فرّاش) في دائرة, حارس لحماية البلد، لماذا؟ هذا معناه أن الدين فــُهـِم بشكل بعيد كل البعد عن الإنسانية، وليس فيه أي مضامين للإنسانية. سـُئل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، مرة كما جاء في الرواية الشريفة: (أيّ عـُرى الإيمان أوثق)؟. فسأل النبي الاكرم الصحابة، كل واحد أجابه بشكل، ثم قالوا: (الله ورسوله أعلم يا رسول الله) قال: أنا أسألكم؛ واحد منهم قال: الصوم، وآخر قال: الصلاة. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (لكل واحدة من هذه له مرتبة (أو له درجة) ولكن ليس هو، إن أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ). عندما يحب الإنسان في الله، فهذا أوثق عـُرى الإيمان، هذا الحب مرتبط بفكرة كما قلت، وينطلق لتحقيق هدف معين، وليس أن تحب ولا تعلم لماذا تحب, وتبكي ولا تعلم لماذا تبكي, وتفرح ولا تعلم لماذا تفرح. سـُئل أحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قيل له: كيف أعرف... يا ابن رسول الله، أن في َّ خيراً، وأن الله يحبني؟ قال (عليه السلام): (انظر إلى قلبك إذا كنتَ تحب أهل طاعة الله، وتبغض أهل معصيته ففيكَ خير والله يحبك، وإذا كنتَ تحب أهل معصية الله، وتكره أهل طاعته ففيكَ شر والله يبغضك والمرء وما يحب). هذا الارتباط العضوي بين مخزون العاطفة في القلب، والحب المسؤول هو الذي يجعل الإنسان في حالة يتفجر قلبه حـِمـَماً من العاطفة، والطاقة اللاّ محدودة، والتي تنطلق من فكرة، وتتحول إلى مسارات عمل مع الآخرين، وتـُحـَدِد لهم طريقة التعامل مع القريب، والبعيد وهذه ثروة طائلة، ورائعة.
إذن الحب ليس عملية غزل في شعر تجريدي، ولا مسألة توصيف لأمور لا واقِعَ لها, من يحب حقيقة يحب عن وعي وإدراك، وعندما تسأله: لماذا تحب؟ يجبيك بكل صراحة أحب بناءً على هذه الحيثيات، وعندما تسأله: لماذا تكره؟ يقول لك: أكره بناءً على هذه الحيثيات. من هنا عندما يقول الحديث الشريف: (وهل الدين إلا ّالحب). أنا أعجب من إنسان متدين، وفي نفسه حـَنـَق من الآخرين!! لا أفهم ذلك, ولا أفهم أنه يسوّغ لنفسه أن تستبدّ به هذه الحالة، ويحقد، ويقتل، ولو تأمل للحظات، وانقطع من الحالة العُقدية الموجودة بداخله، سيجد أن الشيء الذي يُقدِم عليه لا يرضى به الله (تبارك وتعالى), فليسأل نفسه هذا السؤال البسيط: هل تحب هذا الشيء لنفسك؟ لا تحبه لنفسك طبعاً، فكيف تـُمليه على الآخرين!؟ تجذير الحب في القلب، هو تأصيل لمفهوم حياتي أساسي بالشخصية، فالإنسان يحب، ويستحي أن يقول، إنه يحب، بل العيب أنك لا تحب، ولكن حتى لا تكون حياتك حياة عاطفية تجريدية، لا تجعل من الحب يعصف بك بموارد يـُفترَض فيك أن تحكِّم العقل، وتتخذ من العقل منطلقاً، وأساساً بضبط العاطفة، ويكبح جماحها. قد ترتفع العاطفة في بعض الأحيان، وقد تنخفض عند الإنسان الاعتيادي، وهذا ما يسمى في علم النفس الحديث ((advance psychology نسميه (diurnal changes) تغييرات يومية, طبعاً الإنسان عندما يأتيه خبر مفاده: أن أباه توفي، فمن المؤكد أنه سيحزن، وبطريقة معقولة، أي: إن منحنى العاطفة ينخفض قليلاً، وعندما تقول لمن فقد عزيزاً عليه: الحمد لله وجدناه سيفرح، ويرتفع الصوت، لكن عندما تأخذ القضية حالة عاطفية أكثر من الاعتيادية، فالعاطفة ترتفع بشكل غير مبرر، أو تنخفض بشكل غير مبرر، وهذه حالة مَرضيّة. من هنا نقول بضرورة عقلنة المشاعر، وضبط زمام الحب، بالشكل الذي يمشي بطريقة مفاهيمية صحيحة، حتى يكون أساساً إلى جانب العقل في تصميم حياة الإنسان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اثر الدعاء في بناء الفرد
قال الله (تبارك وتعالى)، في كتابه العزيز: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)). هذه الآية القرآنية الكريمة تتحدث عن الدعاء، وجاءت أيضاً هذه الآية في سياق الآيات التي تقدمتها، وتحدثت عن شهر رمضان، وعن الصوم، ما يشير بشكل صريح إلى التصاق الدعاء بشهر العبادة، بشهر الصوم، وإن كان الدعاء مطلوباً في كل الأوقات، وفي كل الأماكن، وفي كل الأزمان. الدعاء في حياة الإنسان يشكل عامل إثراء روحي، ونفسي، وتربوي, وبالتالي فالمجتمع الذي يسود فيه الدعاء تسود فيه الفضيلة كما عبـَّرَ عن ذلك, (الكسيس كاريل، في كتابه (الدعاء) وهو من كبار المفكرين, حيث يشير إلى أن المجتمعات التي يسود فيها الدعاء، هي مجتمعات تسود فيها الفضيلة، والمجتمعات التي يغيب فيها الدعاء تنتشر فيها الرذائل، وتطغى فيها الجوانب المادية، وربما تكون الكتب السماوية هي كلام الله للعبد، والدعاء هو كلام العبد لله (سبحانه عز وجل). التدقيق في مفهوم الدعاء، وأهميته يكشف لنا مجموعة حقائق: الحقيقة الأولى: إن الله (تبارك وتعالى)، يحب عبده الداعي، ويريد منه أن يدعو؛ لذلك جاءت الآيات القرآنية الكريمة تستحث العبد على أن يكون داعياً، وكذا أكدتها الأحاديث الشريفة بأن الله (تبارك وتعالى)، يريد من عبده أن يدعو، وعندما يدعو الله يكون قريباً منه، ويلتصق به والتدقيق في هذه الآية القرآنية الكريمة يُشعِر الإنسان بأن هناك التصاقاً معنوياً بين العبد والذات المقدسة. لعل هناك سبع إشارات لهذا الالتصاق المعنوي، قال الله تعالى: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي)). هذه الآية تــُجلي هذه الحقيقة، وهي الالتصاق المعنوي بين الذات المقدسة والعبد الداعي في حالة الدعاء. العبد عندما يدعو، فإنه يعبد الله سبحانه (عز وجل)، ويكون قريباً منه، ويلتصق به، وهو المعطى الأول.. أما المعطى الثاني، فهو أن العبد يشعر أنه في حالة الفقر... فماذا يعني أن يدعو العبد ربه؟ وماذا يعني أن يكون في حالة فقر وهو يعي واقعه بأنه يفتقر إلى الله (سبحانه عز وجل) وعنده وعي نسبي، ولا نقول وعي مطلق بأنَّ الله (تبارك وتعالى)، هو الغني المطلق قال تعالى: ((يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأتِ بخلق جديد)). إذن، الإنسان عندما يدعو، يـُدرك في داخله أنه فقير أمام الغني المطلق، لا نقول إنه سيعي وعياً مطلقاً، وكافياً بحدوده، فهذا لا يتأتى لبشر، لكن عنده وعي نسبي أن الله (سبحانه عز وجل)، يمثل جهة الغيب المطلق، وأنا كـداع ٍ فقير وبالتالي يبدأ يشعر بالبـَون الشاسع بين الثروة المتوافرة، والقدرة اللاّ محدودة عند الله (تبارك وتعالى)، والفقر فتنساب الاستجابة بما يُشبه الشلال وكلما ابتعد عن الأرض، كانت دفقات الماء أكثر. إن الإنسان الذي يشعر في داخله بأنه محتاج إلى الله، وأنه فقير إلى الله يبدأ قلبه يتفتح كأحسن ما يتفتح، وفي أي ّجو آخر (فالعامل الثاني) هو الإحساس بالفقر، والإحساس بالفقر ضعف في مقابل القوة المطلقة، وهو الله (سبحانه وتعالى) ولكنه قوة مع الآخرين، أي: إن الإنسان الداعي، في الوقت الذي يتأكد ضعفه وفقره، وذلته إلى الله، تتأكد قوته، وعزته، واستقلاليته عن الناس الآخرين، لذلك يربط الدعاء دائماً بين هاتين الحقيقتين: (من أراد عـِزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عـِزّ طاعته). فالإنسان بطاعة الله (تبارك وتعالى)، يشعر أنه ذليل،لكن هذه الذلة تمنحه عزاً وهو ما يؤكده الحديث الشريف: (..... فليخرج من معصية الله إلى عز طاعته). المعطى الثالث: للدعاء، فالإنسان بالدعاء في حالة استحضار، واستذكار مستمرتين، إلاّ أنه مرتبط بالله (تبارك وتعالى) وهو واهب النعمة وهذه تتفرع من الذِكر. إن الإنسان حين يذكر الله بالحاجة يدعو، وبالنعمة يشكر، وبالذنب يستغفر، وكلها تتفرع من الذِكر، فالإنسان حين يدعو الله فهذا دليل على أنه يذكر، وذكر الله صفة متميزة تمنحه بشكل مستمر حالة من الطـُمأنينة في مختلف حالاته النفسية. الذِكر يمنحه طـُمأنينة... القلب إلى حد ما يشبه البحر في بعض الأحيان، يهيج لحالة، مثلاً، لأسباب الغضب, أسباب الشهوة, أسباب الفقر, أسباب الجوع, أسباب مواجهة تيار اجتماعي معين؛ فالقلب الذي يضطرب هذا الاضطراب الشديد يحتاج إلى شيء يهدئه.. الآية القرآنية الكريمة تقول: ((ألا بذِكر الله تطمئن القلوب)). وهذه الصيغة, الصيغة الشرطية: ((ألا بذِكر الله تطمئن القلوب))، وهي كذلك صيغة توكيدية، تؤكد على أن نفس المؤمن تطمئن عندما تذكر الله (تبارك وتعالى)، وعلى العكس من ذلك، عندما تهيج نفسه ولا يذكر الله (تبارك وتعالى) يبدأ يشعر بحالة ضياع، ولا يستطيع معه أن يمضي بالطريق الصحيح، وقد تكون الطرق قريبة منه لكنه لا يراها؛ لأنه من موقع الغياب لذلك تذكـّر آية قرآنية أخرى: ((ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم)). إذن مُعطى (الذِكر)، هو أن الإنسان يذكر الله (سبحانه عز وجل) باستمرار؛ فالانسان الذاكر لله، يكون في حالة طـُمأنينة، وفي حالة استقرار؛ لذلك وَرَدَ على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الشريف بما معناه يقول: يا أبا ذر إن استطعتَ أن لا تأكل ولا تشرب إلا ّ لله فافعل). ثم يقول لموسى (عليه السلام): (يا موسى ادعوني على حلف شاتك وملح عجينك)، والله يحب أن يدعوه عبده، ويحب أن يرى عبده داعياً؛ حلف الشاة موجودة بالأرض، والملح أيضاً موجود بالأرض. إذن يجب أن نتجه بالدعاء في كل مناسبة، وفي كل شيء، مهما كان هذا الشيء بسيطاً لأن الله (تبارك وتعالى)، يحب أن يرى عبده في حالة دعاء. الطريق الذي يستخدمه الكثير من الناس الأدعية هو لأجل تحقيق أهداف مادية، وهذا لا يُعَد نقصاً، بل هو هدف مشروع، لكن يـُفترَض أن يتكامل مع نمط آخر من الأدعية, أن يدعو الإنسان لنفسه بالشفاء هذا شيء طبيعي: (( وإذا مرضت فهو يشفين)). حيث يدعو الانسان في حالات الحيرة، والعوز، والفقر لذلك: ((من يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)). أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) علمونا من وحي الدعاء تلك التربية النبوية، التي زرعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتجدهم عندما يدعون، يعلموننا طريقة أخرى للدعاء بأنه عن طريق الدعاء يحاول أن يحقق أهدافاً روحية ومعنوية، بل أكثر من ذلك يستعين بالدعاء لإنصاف الآخر وحتى الناس تستفيد منه. إن من يمعن النظر جيداً بمقاطع من الدعاء التي انتشرت في الصحيفة السجادية مثلاً، وهي (زبور آل بيت الرحمن، أي: الصحيفة السجادية)، حيث إن الإمام السجاد (عليه السلام) يعرّج في محاور متعددة من الدعاء، ويستعين بالدعاء لتحقيق أهداف على غير الطريقة التي نستخدم فيها الدعاء.. نعم هو يدعو الله (تبارك وتعالى) بأن يُغنيه، ويُشفيه وما شاكل ذلك، لكن يطرح لنا نمطاً جديداً عندما ينظر إلى نفسه، وينظر إلى أهله، وأمه، وأبيه، وأولاده فيتحرك عليهم بمحورية الدعاء، ويستخدم آلية الدعاء: اللهم اجعل يقيني أفضل اليقين. ثم يختم المقطع الأول: انتهِ بنيتي إلى أحسن النيات. بدأ من الذات يستعين بالدعاء, يستعين بالله (تبارك وتعالى)، ويكشف لنا أن نضع في سُلــّم الأولويات كيفية تقوية إيماننا، وتعميق قيمنا، وتنقية نوايانا، ومحتوى مـُرَكـَّز، حيث يستخدم الإمام زين العابدين (عليه السلام)، سلاح الدعاء من أجل تحقيقه في داخل الإنسان، وهذه في داخل الإنسان تعطينا المحتوى الداخلي، وتعطينا الإرادة القوية، والنية القوية، واليقين، وبذلك عندما ننبعث إلى الساحة الخارجية، ننبعث بقوة تختلف عندما يكون المحتوى الداخلي ضعيفاً. الإمام يبدأ رحلة الدعاء بالمحطة الأولى، ومن الداخل، بعدها يبدأ بعكسها على الخارج من أقرب الناس له مثلاً من أمه وأبيه: (اللهم اجعلني أهابُهما هَيبة السلطان العـَسوف وأبـرّهما بـرَّ الأم الرؤوف). مزج بين النظر لأبويه، كما لو كانا سـُلطانين متعسفين، فتجعل عنده هيبة وخشية، وحتى لا تتحول إلى كراهية مزجها بالبر لهما، كـ(برّ الأم الرؤوف)؛ أي: أنظر لهما بعين الرِفق. هذا النوع من التعامل يحتاجه الإنسان، ويـُسلـِّط عليه سلاح الدعاء حتى يحقق هذا المعنى؛ فالإنسان يستطيع عن طريق الدعاء أن يستجلي هذا المقطع من الدعاء، ويستجلي كيف يتعامل مع أمه وأبيه في حياتهما، وينطلق لهما من موقع الخشية والهيبة والاحترام والحب و(البرّ هو الإكثار من الاحسان)، هذا إذا كانا حيين. أما إذا كانا ميتين فالإمام (سلام الله عليه)، يمتد بالدعاء إلى الأبوين، وهما في ذمة الله (تبارك وتعالى): (اللهم وإن سبقت مغفرتك لهما فشفعهما فيَّ وإن سبقت مغفرتك لي فشفــّعني فيهما حتى نلتقي في دار كرامتك). ماذا يعني هذا؟ (الشفاعة) ضمّ القوي إلى الضعيف, والشفع يعني الزوج، مثل صلاة الليل فيها الشفع وفيها الوتر، فالشفع يعني اثنين, فعندما نضم ّ شيئاً الى شيء ما تـَشـَفـَّعَ له؛ فضم ّ القوي إلى الضعيف حتى يقوى الضعيف بواسطة القوي؛ فيقول الامام: (إن سبقت مغفرتك لهما هما الأقرب فشفعهما فيَّ, وإن سبقت مغفرتك لي فشفعني فيهما حتى نلتقي في دار كرامتك). لأن المهم أننا نندفع ونتجه إلى الأقرب إليك، فأيهما يكون أقرب فنحن نلتصق به. هكذا يستطيع الإنسان أن يتصور عن طريق هذا المقطع من الدعاء أن علاقته لا تنتهي بأمه، وأبيه حتى وإن مات أحدهما أو كلاهما بالعكس، إنما يلاحقهم عن طريق الدعاء، والبرّ الحقيقي يبدأ بعد الوفاة، كذلك كيف ينظر لولديه, لاحظ مقاطع تأتي متعددة في دعائه لولده، أنه يذكر فيما يذكر من مفاهيم يقول: أقوّي بهم أودي، يطلب أن يكون ابنه في حالة قوة ليعلمنا كيفية الدعاء، بأن يكون ابنك ثروة تقوّيك، وليس الطريقة التي نعهدها في بعض الأحيان حالة تسلطية, حالة إقصائية, حالة رافضة لأن يكون الابن عنصر قوة في العائلة.
لاحظ الإمام (عليه السلام) يدعو الله (تبارك وتعالى)، بأن يجعل من أولاده عنصر قوة يـُزيـّن بهم المجلس، ويتقوى بهم؛ لينطلق إلى الفضاء الاجتماعي. الفضاء الاجتماعي ينظر للناس، وللمجتمع من الخارج الاجتماعي، ولا ينظر له من الداخل الذاتي، وعندما ينظر إليه من الخارج الاجتماعي قد يـُبتلى بداء الورم، والانتفاخ, بمجرد أن يريد الإنسان أن يحصل على موقع, وبمجرد أن يرى الناس يشيرون له بالبنان، أن هذا جيد وبالتالي ينتابه الغرور. الإمام زين العابدين (عليه السلام)، يطرح لنا مفهوماً آخر عن طريق الدعاء يقول: (اللهم ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها ولا تـُحدث لي عزاً ظاهراً إلاّ وأحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها). هذا التوازن بين رفعة المكانة الاجتماعية، والشعور في الداخل بالذل إلى الله (تبارك وتعالى)، وهذا التوازن يجعل الإنسان محترماً لدى الناس، لكنه غير مغرور؛ فالغرور لا يتأتى من احترام الآخرين لك، الغرور يتأتى إذا بدأت الذات من الداخل تطلب الرفعة غير الحقيقية وغير الواقعية، ويتحول المجتمع إلى هدف يريد أن تكون له مكانة اجتماعية فيه بغضّ النظر عن علاقته بالله (تبارك وتعالى). مرة تكون الرفعة الاجتماعية نتيجة، وأخرى تكون هدفاً, الهدف عندما ينصب الإنسان نفسه بؤرة استقطاب خارجية، وينجذب لها في غير مرضاة الله، ومرة تكون نتيجة عندما يندكّ الإنسان في ذات الله المقدسة ويرتبط بها، وتتعمق علاقته. فالله (سبحانه عز وجل) نتيجة لذلك يجعل له مكانة عند المجتمع. وقد جاء في أحد المقاطع التي تــُنسَب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (مـَن أصلحَ سريرته مع الله أصلح الله علانيته). فلما ينشغل الإنسان بداخله تصلح سريرته في السر, والله (تبارك وتعالى)، يُحسّن علانيته: (ومن شغله أمر دينه كفاه الله أمر دنياه). هذه نتائج، لذلك تجد الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، عن طريق الدعاء يؤكد على هذه الحقيقة، أنه أريد كلما زادت مكانتي في المجتمع زاد وعيي في داخلي لذلي أمام الله (تبارك وتعالى) حتى يبقى هذا التوازن محفوظاً. الإمام (عليه السلام)، بالدعاء يطرح أيضاً لنا هذه الأمراض الاجتماعية التي من حولنا يلمسها بشكل مباشر، ويعطينا مفاهيم بالتعامل معها غير متعارفة، وصعبة لكن عن طريق الدعاء نستطيع أن نحققها، مثلاً: (اللهم وفقني لأن أعارض من غشني بالنـُصح). هو يغشني، لكن أقابله بالنصح طبعاً هذا خـُلـُق قرآني, وتجسيد للآية القرآنية الكريمة في سورة فصلت: ((ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئة ادفـَع بالتي هي أحسن فإذاَّ الذي بينكَ وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم)). هنا يطرح لنا عدة صفحات عن طريق التعامل الاجتماعي التي يبذل الإنسان فيها عن طريق الدعاء للآخرين، لا ينتظر أن يأخذ من الآخرين: (اللهم وفـّقني لأن أعارض من غشني بالنصح، ومن قطعني بالصلة). هو يقاطعك وأنت تواصله, هذا سر القوة أنك لا تبدأ بالقطيعة فحسب، بل لا تقابل القطيعة بالقطيعة، وذلك من عناصر القوة القرآنية أن تقابل السيئة بالحسنة والقطيعة بالصلة: (وأن أعارض من غشني بالنصح). ثم يقول: (وأبادل) فما معناها في الدعاء الشريف أو الحديث الشريف؟ (أبادل من اغتابني بحـُسن الذِكر). في بعض الأحيان حين يقال لأحد: إن فلاناً اغتابك، أو تكلم عليه بسوء، فإنه سيغضب، وفي بعض الأحيان عندما يغضب يريد أن ينتقم لنفسه؛ فتهيج عليه نفسه؛ فيبدأ يستحضر بعض نقاط الضعف لدى الآخر ويتكلم عليه, فانجرّ إلى عملية تبادل الغيبة بالغيبة. الإمام (عليه السلام) يلفت الانتباه إلى هذه الحالة فيقول: "لا" فليستغِبك هو، ويقع بخطئه، لكن أنت حاول أن تستحضر مقطعاً جيداً عنده، فقل أنا أعرف عنه حـُسن الذِكر، وطيب السلوك، وهكذا إذا استمررنا مع الإمام (سلام الله عليه) في هذه المنظومة من الصحيفة السجادية نجد أنها تـُثري، وتتكفل ببناء الشخصية. كيف ينظر إلى الحياة، وإلى عمر الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وكيف يوظف الدعاء لذلك؟ هو لا يعتبر الأمر مجرد زيادة عدد السنين, صحيح أن هناك عمراً طويلاً، وهناك عمراً قصيراً لكن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام)، يؤكد عن طريق الدعاء على مضامين الزمان, ويؤكد أنه يريد طول العمر، لكنه يريد هذا العمر أيضاً عندما يكسبه، يكسب إلى جانبه مضامين معنوية، وما لم تكن هذه المضامين المعنوية قد تحققت فهو يدعو الله (تبارك وتعالى)، بأن يعجّل في موته: (اللهم عمّرني – طوّل عمري – ما كانَ عُمري بـِذلـَةً في طاعتك). إذا كان هذا العمر فيه بذل للطاعة فهو يريده, نحن كثر ما ندعو بطول العمر، لكن لا نسأل أنفسنا ماذا نريد من ذلك؟ إلى أين؟ فإذا كنت تطلب إطالة العمر مع زيادة بالعلم في سبيل الله, وبناء المجتمع في سبيل الله, وممارسة وحضور أسري، وعائلي في سبيل الله, وممارس اللذة المشروعة في سبيل الله, تبني وتعمر الأرض كلها ملاذ مشروعة في سبيل الله، هذا طول بالعمر فيه إنتاج، أما طول العمر بمجرد أكل، ونوم ويتنقل من الخمسينات إلى الستيناِت، وإلى السبعيناِت، وبعد ذلك: ((ومَنْ نـُعمّرهُ نـُنكسْهُ في الخـَلق)). إلى أين يذهب الإنسان فزيادة العمر لا تعني شيئاً في المنظور الإلهي ما لم تكنْ هذه الزيادة مقترنة بزيادة العمل؛ لذلك يقول الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام): (اللهم عمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك, فإذا كان عمري مرتـَعاً للشيطان فاقبضني إليك). لماذا؟: (قبل أن يسبق مقـتـُكَ لي أو يستحكِمَ غضبـُك عليَّ). هذه من روائع الأدعية، ومِن أسرار طريقة التعامل مع الزمن. ليس المهم كم مِنَ العمر نعيش، المهم كيف نعيش في هذا العمر، وماذا ننتج؟ بعض الناس الآن ملأوا التاريخ ذِكراً، وتركوا آثاراً رائعة في حياة الناس وكانت أعمارهم قصيرة, وهناك أناس أعمارهم طويلة، لكن الناس تلعنهم؛ لأنهم تسببوا مآس ٍ و مشكلات، فالإمام مع زيادة العمر وليس من الصحيح أن نقول: لا نريد العمر، و لا نريد... "لا" بالعكس الإمام زين العابدين (عليه أفضل الصلاة والسلام) يدعو بزيادة العمر، ولكنه يريد زيادة العمر بحيث إنه مع تقادم الزمن وماذا اكتسب في هذا الشهر المبارك كلنا ندعو، وأخذنا، واستوحينا منها هذا يعني الزمن النوعي, الزمن النوعي الذي تمر فيه المفردة والإنسان يأخذ منها, الساعة النوعية تختلف عن الساعات العادية كما يقول الحديث الشريف: (تـَفـَكـُّر ساعة خير مِن عبادةِ ستينَ أو سبعينَ عاماً) كما ورد في الروايات الشريفة فكيف نعيش حالة الزمن؟ اذن نستعين بالدعاء, فالدعاء حالة تستمر مع الإنسان ويعطي الإنسان أحياناً أسرار القوة. هناك شروط لقبول الدعاء منها شروط الصِحّة والتي إن لم تتوافر لا توجد استجابة، وشروط كمالية وهي التي تضيف حجماً من الاستجابة أكثر فأكثر... كثير من الناس يقولون: إننا ندعو، ولا نرى استجابة! لماذا؟ ندعو الله (تبارك وتعالى)، ولا نحصل على استجابة. هذه الشروط يجب أن تتوافر, وهي لا تعني أن الإنسان يدعو الله تبارك وتعالى من موقع كأن يكون منكفأً و كسولاً وغير مبال ٍ ينتظر الدعاء طبعاً أن الشفاء بيد الله (تبارك وتعالى) لكنك عندما تمرض يجب أن تراجع الطبيب: ((و إذا مرضت فهو يشفين)). صحيح أن الإنسان عندما يفتقر يطلب من الله (تبارك وتعالى) أن يُغنيه ويرزقه, لذلك ((ومـَنْ يتـَّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقـَهُ مـِن حيثُ لا يحتسب)) لكن يجب أن يبذل جهداً ((وأنْ ليسَ للإنسان إلاّ ما سعى وإن سعيه لسوفَ يـُرى)) إذن يجب أن يضع الإنسان في حسابه أن الدعاء لوحده بلا توفير للشروط لا يضمن الاستجابة فيجب أن يعمل بها. قد يصل الإنسان فيه أحياناً إلى حالات تنعدم فيها كل الأسباب، ولا يستطيع أن يفعل أي شيء! أي لا هو مريض حتى يذهب إلى الطبيب، ولا هو فقير يذهب إلى العمل, فلا يستطيع فعل أي شيء عندئذ يتجه إلى الله (تبارك وتعالى) كمُسبّب، ولا يتجه إلى شيء آخر وهو الأسباب؛ هو والمسبب بدون أسباب يستطيع أن يوفرها, عندئذ يتذكر الآية القرآنية الكريمة: ((أمـَّن يـُجيبُ المضطرَّ إذا دَعاهُ و يكشِفُ السوء)) المضطر: هو الذي لا يَبقى عليه شيء لأن الأسباب كلها انعدمت، النبي يونس"ذا النون" أبسط مصداق على هذا، ماذا كان يعمل ذا النون: ((و ذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنَّ أنْ لن نقدر عليه فنادى في الظـُلمات أن لا إله إلا ّ أنتَ سبحانكَ إني كنتُ من الظالمين, فاستجبنا لهُ ونجيناهُ من الغمِّ وكذلك نــُنجي المؤمنين)) وهو في بطن الحوت ماذا يعمل، وما هي السبل والأسباب المادية التي يمكن أن يعملها؟ انقطع بالدعاء فالله (تبارك وتعالى) أخرجه من بطن الحوت, التحديات هي في بطن الحوت وهو بشر خاضع لقوانين الحيوية البشرية، وهو في داخل البحر أخرجه بلا أسباب علمية مادية هذا هو موقع الاضطرار قيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله هذه فقط ليونس؟ فقال له أكمل الآية, فالآية تجيبك ((فاستجبنا له و نجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)) إذن الدعاء باب واسع لكل المؤمنين، فيجب أن يسبق العمل، ويرافق العمل وحتى إذا تقطعت سُبـُل العمل يبقى باب الدعاء مفتوحاً والله (تبارك وتعالى) يحب أن يرى من وحي هذا الشهر المبارك الذي ورثناه عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) مختلف فنون الدعاء في كل ليلة من دعاء الافتتاح في أول الليل إلى الأدعية المعروفة الكثيرة وهذه الأدعية تحوّل الإنسان في هذا الشهر إلى إنسان داع ٍ وعندما ينقضي شهر رمضان المبارك يكتسب منها جملة قيم إحداها: هو الحديث مع الله (تبارك و تعالى) وهو الدعاء والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ....
| |
|