Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: الحمدي زمن اليمن الذهبي الحمدي .. 3 أعوام و4 أشهر ويومان الجمعة أكتوبر 12, 2012 7:20 pm | |
|
الحمدي .. 3 أعوام و4 أشهر ويومان أمضاها الراحل رئيساً لليمن قبل أن يذهب إلى دعوة الغداء الأخير
2012-10-12T10:10:52.0000000+03:00 أخر تحديث للصفحة في
|
|
براقش نت - وجدي السالمــي - بســام غبــر : الكتابة عن رجل بحجم الشهيد إبراهيم الحمدي ليست بالأمر السهل؛ بل تحتاج إلى قاعدة معرفية واسعة لتلك المرحلة ومصادر متنوعة.. بالوقت ذاته لا يحتاج الرجل للكتابة عنه والتذكير بحركته المعروفة في التاريخ المعاصر لليمن بحركة “13 يونيو التصحيحية”.
لم يكن الشهيد الحمدي قائداً بحكم السيطرة لتركيبة شكلها أوبنية فرضها، وإمكانات أهدرها لتكون الضمانة الأكيدة أو ربما الوحيدة لوصوله وبقائه في موقع القيادة، كما لم يكن زعيماً صنعته وسائل الدعاية، وتشكلت شعبيته من أجهزة الإرهاب والقمع ودوائر الانتهازية وعقد النقص وشبكات الفساد، بل قائدا وزعيما رأت جماهير الشعب اليمني بامتداد البلد فيه مجدداً لمجد ثورتها، ورمزاً لوحدتها وكبريائها، وعنوانا لإرادة التحدي والنهوض التي فجرها في أعماقها ..زعيماً يحمل عبء معاناتها وهمومها الكبيرة، كما يحمل سر آمالها الكبرى ومفاتيح إحالتها إلى حقائق حية معيشة، وعبر علاقة أسطورية واستثنائية كان يرى في شعبه سر قوته وشروط وأهداف رسالته وبتفاعل تاريخي خلق ورسخ إحساساُ متبادلا بين القمة والقاعدة كون من خلاله انتماءه وحضوره في كل أسرة وبيت في اليمن..هذا الإحساس وحده الذي ارتقى به إلى مصاف الزعماء التاريخيين. فما الذي يمكن كتابته عن رجل كهذا؟!
ما قبل البيان الأول
قال البردوني: “تؤكد كل البراهين التاريخية أن حركة 13 يونيو أعادت الدورة الدموية إلى عروق ثورة سبتمبر”.
لم يصل الرئيس إبراهيم الحمدي إلى السلطة عن طريق انقلاب دموي أو مؤامرة؛ وإنما وصل إلى الحكم برضا السلطة التي كانت تحكم البلاد، فقد استدعى القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري حينها، أبرز رؤوس السلطة والمشايخ الذين كانوا يسيطرون على زمام الأمور في البلاد بعد أن شعر أنهم يتجهون بالوطن إلى الهاوية من خلال مواقعهم في مجلس الشورى الذي كان يرأسه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.. وأبلغهم عزمه في تقديم استقالته، وأن مصلحة البلد تقتضي تقديمهم لاستقالات جماعية، ليتم بعدها الاتفاق على أن يقدم الرئيس الإرياني استقالته إلى رئيس مجلس الشورى الذي بدوره يقوم بإرفاق استقالته وتقديمها لقيادة الجيش.
بعد تقديم كل من القاضي الإيرياني والشيخ الأحمر استقالتهما تمكن الحمدي بالتعامل مع الموقف وعقد اجتماعا موسعا لضباط القوات المسلحة والأمن في مقر القيادة العامة، وفي اليوم ذاته وبعد انتهاء الاجتماع صدر البيان الأول أو ما عرف بالبيان رقم (1) بشأن استقالة رئيس المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الشورى، وقررت القوات المسلحة بتشكيل مجلس قيادة يتكون من سبعة أعضاء برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي.
البيان رقم “1” ولحظة الوداع الأخيرة
قبل غروب شمس يوم الخميس في 13 حزيران/يونيو 1974. موجات إذاعة صنعاء تحشرج بالعبارة التالية: “هنا صنعاء عاصمة الجمهورية العربية اليمنية”، في غضون ذلك بثت الإذاعة الأناشيد الوطنية، وبين نشيد وآخر يتدحرج صوت المذيع بجملة قصيرة كانت تحمل خبرا سيغير واجهة اليمن ويضع حدا لعجلة التدهور التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار، كانت جملته تلك مكونة من أربع كلمات فقط “ بيان هام سيذاع بعد قليل!” في حين حبس الشعب اليمني أنفاسه في انتظار هذا البيان الذي قد يحمل في طياته الكثير من المفاجآت!
جملة من الاحتمالات راودت اليمنيين في الشمال وحزمة من التساؤلات لم تجد لها جوابا.. هل اندلعت الحرب للمرة الثانية بين شطري اليمن!؟ ولإيجاد جواب اتجه بعض المواطنين في “اليمن الشمالي” لراديو عدن علهم يجدون الجزء المفقود من الصورة.. لكن شيئا من ذلك لم يبدد الغموض، وعدن الإذاعية تبث برامجها حسب العادة.
وعندما بدأ المساء يقود الشمس إلى قبو الغروب قطع المذيع (عبدالله شمسان) الصمت معلناً بعد الديباجة الطويلة غروب عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني ومجيء قيادة جديدة برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي على رأس حركة 13 يونيو / حزيران التصحيحية .
و بعد ظهر يوم الخميس 13يونيو 1974م عقد مجلس القيادة اجتماعاً بمقر قيادة القوات المسلحة أسفر عنه إصدار بيانين سياسيين، وقد تضمن البيان السياسي رقم (2) إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وإغلاق المطارات، وتكليف الحكومة برئاسة د.حسن مكي بالاستمرار في أعمالها، كما حمَّل مجلس القيادة كل أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن مسئولية الحفاظ على أمن واستقرار المواطنين في أنحاء الجمهورية، وأهاب بأبناء الشعب اليمني في عموم الجمهورية التعاون مع أفراد القوات المسلحة والأمن العام في المحافظة على الاستقرار والأمن.
أما البيان السياسي الذي حمل الرقم (3) لسنـة 1974م فقد أشار إلى منع التجول في المدن الرئيسية من الساعة التاسعة مساءً وحتى السادسة صباحاً.
و في اليوم الثاني لقيام الحركة الجمعة 14 يونيو 1974م أصدر مجلس القيادة (12) قراراً دفعـة واحـدة كان أهم تلك القرارات تجميد مجلس الشورى وتعليق الدستور، حل القيادة العامة للقوات المسلحة وتوسيع مجلس القيادة إلى عشرة أعضاء بدلاً من سبعة أعضاء، زيادة مرتبات أفراد القوات المسلحة والأمن، تفعيل نظام الترقيات في صفوف الجيش، والعمل على إيجاد تنظيم سياسي نابع من القاعدة الجماهيرية والواقع الشعبي. كما تضمنت قرارت مجلس القيادة إحياء مشروع قرارات التصحيح للقوات المسلحـة. وتشكيل لجان في جميع محافظات الجمهورية للنظر في قضايا المسجونين وإطلاق من ثبتت براءتهم فوراً. وزيادة مرتبات موظفي الدولة المدنيين، إضافة إلى رسالة تطمين الداخل والخارج والإعلان عن السياسات والتوجهات العامة للحركـة.
وفي 18يونيو قام الرئيس الحمدي بتوديع القاضي عبد الرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري المستقيل، وداعاً رسمياً في مطار تعز، فكان قيام الحمدي بتوديع الإرياني ووداع الرؤساء تعبيراً عن أخلاقيات الرئيس الجديد، وقد قالت الباحثة السوفيتية الدكتورة جلوبو فسكايا: “إن عملية بناء الدولة المركزية الحديثة في الجمهورية العربية اليمنية بدأت منذ قيام حركة 13 يونيو برئاسة الحمدي”.
وفي 19 يونيو 1974م صدر قرار مجلس القيادة رقم (22) لسنـة 1974م بالإعلان الدستوري لنظام الحكم في الفترة الانتقالية. وفي 22/ 10/ 1974/م صدر الإعلان الدستوري بشأن تنظيم سلطات الدولة العليا في المرحلة الانتقالية, وألغي العمل بالإعلان الدستوري الأول الصادر في 19/ 6/ 1974م، وفي 22/ 5/ 1975م صدر الإعلان الدستوري الثالث بتنظيم الأوضاع الدستورية للمرحلة الانتقالية الجديدة, وألغي العمل بالإعلان الدستوري الصادر في 22/ 10/ 1974 م
رئيس جديد وعهد جديد
بتولي الحمدي مقاليد الحكم بدأ عهد جديد في حياة الشعب اليمني الذي اقترن اسم الحمدي في ذاكرته بالازدهار والانتصار على الجوع والخوف والتسلط، كما أبهر بإدارته كثيرا من المتابعين والمهتمين على الساحتين الإقليمية والدولية وقد وصفت مجلة “الجارديان” البريطانية قيادة الحمدي للبلاد بأنها ادهشت جميع الدبلوماسيين في حين اعتبرته صحيفة السفير اللبنانية نسيجاً خاصاً من الزعامات العربية الكفوءة.
حركة 13 يونيو التصحيحة امتداد لثورة 26 سبتمبر
مثلت حركة الثالث عشر من يونيو 1974م التصحيحية التي قادها المقدم إبراهيم الحمدي، صفحة ناصعة من الصفحات الوطنية المشرقة في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية، والتي كانت تهدف لتصحيح مسار الثورة اليمنية ، وتجاوز تركة عهود التخلف والانحطاط التي ورثها الإقليم اليمني كغيره من الأقاليم العربية والإسلامية، وإن بنسب متفاوتة، جراء الأتوقراطية التي لم تكن ترى في الحكم إلا وسيلة للإثراء والاستبداد والتحكم بمصائر الشعوب.
وبالرغم من أن بداية عهد الحركة لم يكن مثيرا أو لافتا للأنظار؛ نظراً للطابع السلمي للحركة، وكون قائد الحركة إبراهيم محمد الحمدي، كان يتبوأ موقعاً بارزاً في قيادة القوات المسلحة، إضافة للمناصب السياسية التي كان قد شغلها في الحكومة قبل ذلك.. إلا أن تطور مسار الحركة التي مثلت في نظر الكثير من المراقبين ثورة تصحيحية لمسار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، واعتبرت أهم حدث على المستوى السياسي والاجتماعي بعد ثورة سبتمبر. لقد حققت حركة 13 يونيو برئاسة الحمدي إنجازاً كبيراً في بناء الدولة المركزية الحديثة، لاسيما في مجال النهوض التنموي والاقتصادي والسياسي، كما كرس جهوده منذ توليه الحكم بالعمل على إيجاد تنظيم سياسي فاعل من القاعدة الجماهيرية والواقع الشعبي تحتشد فيه كل الإمكانيات البشرية الوطنية، وتحقيقا لهذه الغاية أصدر قرارا بتشكيل لجنة موقتة لإعداد مشروع برنامج العمل الوطني مكونة من 39 شخصية وكانت مهمتها وضع مشروع برنامج شامل للعمل الوطني على ضوء استعراض فاحص لكل تجارب الماضي بسلبياتها وإيجابياتها وإعطاء تصور شامل للدولة الحديثة القادرة على خلق التقدم والازدهار. ويعد برنامج العمل الوطني الذي أعدته اللجنة بمثابة النسخة اليمنية من الميثاق الوطني الذي أعلنه عبدالناصر وقد سمي فيما بعد بالميثاق الوطني.
دولة المواطنين
على المستوى الشعبي وجه الحمدي بتكوين اللجنة العليا للتصحيح ولجان التصحيح الأساسية والفرعية والتي تكونت في سائر الأجهزة والمؤسسات وكافة النواحي والمحافظات منذ أكتوبر 1975م وانعقد المؤتمر الأول للتصحيح في 16 يونيو 1976 ووفقاً للبردوني فقد حول الحمدي مشروع التصحيح إلى لجان تصحيح تراءت كتنظيم سياسي وكان الرئيس الحمدي يسعى من خلالها إلى إيجاد ما أسماه بـ”دولة المواطنين”
وفي جانب السلطة التشريعية وجه الحمدي بتجميد ثم حل مجلس الشورى؛ نظراً لتقديم رئيس المجلس استقالته وكان الاتجاه الأساسي الذي اتخذه مجلس القيادة هو إجراء انتخابات نيابية ديمقراطية بحيث يكون البديل لمجلس الشورى وتم إجراء التعداد السكاني لأول مرة في تاريخ البلاد، كما تم إصدار قانون انتخابات مجلس الشورى وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات واستطاع الحمدي بحزمه أن ينهي مراكز القوى والنفوذ ويحد من سلطة المشائخ ويرسي أسس دولة حديثة تقوم على أسس االمساواة.
في قلوب الناس يعيش!
بذل النظام السابق جهدا مضنيا ومحاولات حثيثة لطمس الحمدي من ذاكرة الناس لكنهم وجدوا صعوبة فلطالما وجد الحمدي طريقه إلى قلوب اليمنيين سواء من عاش عصره أو من تناهت إلى مسامعه سيرة الرجل ممن عاصروا فترة حكمه.
استكثروا..أن يحمل شارع ما أو مدرسة ما اسم الشهيد ابراهيم الحمدي؛ بل امتدت محاولات النظام السابق لطمس منجزاته في مجال التنمية والبناء في ظل غياب أخلاق الأمانة والنزاهة المتمثلة في إرجاع الفضل لأهله.
يقول الرئيس الحمدي في آخر خطاب له عشية عيد سبتمبر 1977م “أنا اليوم لا أتجنى على أحد من الإخوة الذين سبقوني وإنما أعيد ضياع كل ما انصبت على جمهوريتنا من معونات وقروض مخصصة لمشاريع معينة إلى غياب أو انعدام التخطيط والبرمجة وإلى الارتجالية في المشاريع ومراعاة الأمزجة في توزيعها”.
فلماذا إذن تتعرض جهوده للتجني ومنجزاته للتغطية والمواراة عن أعين الآخرين كما حدث عند افتتاح المدينة الرياضية بصنعاء في 25/ 12/ 1984م هدية كوريا الشمالية أثناء زيارة الحمدي لبيونغ يانغ أواخر ديسمبر 1976، ومشروع سد مأرب في 21/ 12/ 1986م الذي بلغت تكاليفه 90 مليون دولار ونفذته شركة تركية، وحضر حفل الافتتاح إلى جانب رئيس النظام السابق الشيخ زايد رحمه الله ورئيس الوزراء التركي” تورغوت اوزال”، وغيرها من المشاريع التي افتتحت بعد رحيله، أو الأفكار التي تم تطبيقها.
بل إنه تم تغيير بعض الأسماء مثلما حدث مع لجنة التصحيح التي غيرت إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حتى حديقة 13 يونيو تم تغيير اسمها إلى حديقة الثورة، واعتبر طابع البريد الذي صدر بمناسبة أربعينية رحيله آخر ما تبقى من ذكريات ولعلهم ندموا على ذلك.
شارع الحمدي في مقديشو
إنه لمن دواعي الخجل أن يكون إخواننا الصوماليون أكثر تقديراً للحمدي منا، حيث أطلقوا اسمه على شارع في العاصمة مقديشو خلال زيارته إلى الصومال، بينما يثار بعض إخواننا اليمنيين من الأسماء المشابهة للحمدي كما حصل مع المسلسل التلفزيوني “في بيتنا رجل” قصة نجيب محفوظ عام 1979م بطولة الفنان عبدالرحمن علي، فتم إيقافه في اليمن ذلك الوقت بعد عرض حلقتين منه عندما تنبهوا إلى أن البطل اسمه إبراهيم حمدي، مناضل مصري ضد الملكية والانجليز استشهد في النهاية، فعثر المواطنون الشغوفون على ضالتهم في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم بطولة عمر الشريف!
سالمين والحمدي والطريق إلى الوحدة
بكرسيين متجاورين جلسا الشهيد ابراهيم الحمدي والشهيد “سالمين” في قمة الجزائر بين الرؤساء العرب وبعد أن عقدت الجلسة الأولى كان هناك بين الجلستين استراحة فقام الرؤساء جميعهم إلا الحمدي وسالم ربيع علي.
يروي محمد شقيق الرئيس الحمدي تفاصيل ما دار بين الرئيسين أثناء الاستراحة التي تخللت القمة بقوله: التفت إبراهيم إلى سالم وقال له: يا سالم الأغنياء وأصحاب البترول خرجوا يتفسحون في الاستراحة ونحن الفقراء جالسين نتقاتل بيننا البين “قوم” نشرب حاجة سوا”. وافق سالم ربيع على الفور ولم ينفض الاجتماع إلا وقد اتفق الزعيمان على بدء مرحلة جديدة بين شطري اليمن، وبعد قمة الجزائر يتم أول اجتماع لهما في قعطبة.
10اكتوبر 1977م أعلن الحمدي عن عزمه القيام بزيارة تاريخية الى عدن هي الأولى لرئيس شمالي إلى الجنوب للمشاركة في احتفالات الذكرى الرابعة والعشرين لثورة الـ14 من أكتوبر التي طردت الاستعمار البريطاني ولاتخاذ خطوات وحدوية حاسمة .. ماهي هذه الخطوات التي وصفت بالحاسمة؟!
هل سيتم إعلان الوحدة بين الشطرين؟ أو وضع اللمسات النهائية لها ؟ وهل وافق الرئيس ربّيع بأن يتولى الحمدي رئاسة اليمن الموحد؟
وهكذا كانت العلاقات بين شطري الوطن، في ذلك العهد قد وصلت، إلى قاب قوسين أو أدنى من إعلان الوحدة، لولا تدخل بعض القوى الإقليمية وتعاضدها مع قوى الرجعية في الداخل التي وضعت حدا لمساعيه الوحدوية باغتياله في اليوم الذي سبق زيارته لعاصمة الشطر الجنوبي عدن آنذاك لإعلان الوحدة اليمنية.
الحمدي يقترب من خطوط النار!
الحمدي كان رجلا بسيطا ولا يحب المظاهر واكتفى بالعيش في بيت متواضع وسط العاصمة متنقلا بينها وبين قريته واصطحب سيارة فيها أربعة حراس كانت هي كل موكبه وكان يستغني عنهم في أوقات كثيرة كما روى بعض من عاصروه.
بدأ الحمدي في برنامج الإصلاح من جانب حياة اليمنيين حيث شرع بإنشاء “الاتحادات التعاونية” التي كانت عبارة عن مجالس محلية تكفلت بشق الطرقات وإنشاء المدارس في حركة دءوبة هي الأولى من نوعها، وتقبلها الناس بحب.
ثم اتجه إلى بسط هيبة الدولة بقوة، وبمنعى أخر “هيبة الحمدي” في كل أرجاء البلاد وبدأ يسعى إلى التوسع في علاقاته من خلال الخطوات الأولى لإقامة الوحدة اليمنية والتقى الرئيس سالم ربيع علي الذي قتل بعده في الجنوب بأيام..وهنا بدأ الحمدي الرجل الوطني يقترب من خطوط النار –تحقيق الوحدة التي يعتبر البعض تحقيقها أشبه بطعنة في الظهر!
وكان أبرز خطوط النار التي اقترب منها كثيرا هو الحد من سلطة المشائخ القبليين ونفوذهم وأقصى عدداً منهم من المناصب العليا في الجيش والدولة بما لهولا من ارتباطات اقليمية يصعب لأي زعيم في الجمهورية الوليدة تجاوزها.. باعتبارهم أداة تؤخر النمو والتحديث، وأداة مصالح فردية كما كان يرى، في حين كان مشروعه أن قادة البلد «خدام للبلد، وليسوا سادة عليه».
على المستوى الدولي اعتبر مؤتمر الدول المطلة على البحر الأحمر الذي طرح فكرته مزعجاً لبعض الأطراف الدولية.
نهاية موسم شهر العسل
سبتمبر 1977م وفي آخر خطاب له بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لثورة الـ 26 من سبتمبر أعلن أن شهر العسل قد انتهى وبقدر المعنى الواضح حيث كان يعني في الأصل فئة التجار، إلا أن ما بين السطور حمل الكثير! ماذا كان يعني بالضبط .. هل يعني مراكز القوى والتسلط والسيطرة التي أعادت ترتيب صفوفها ؟ هل يعني الفاسدين الذين لم تردعهم الشعارات التصحيحية والتي لم تكن في الواقع سوى شعارات، ومع ذلك أثرت وآتت بالنتائج الايجابية، فلم يعلن مثلا عن قطع يد سارق أو محاكمة مرتشي، ولم يحاسب فاسد أساء استخدام أمانة المسئولية رغم وجود اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري، حرصه انصب على إنهاء الفترة الانتقالية التي قد تطول أو تقصر بأقل الخسائر والأخطاء كما حرص كذلك على إظهار أن الحركة خرجت من رحم ثورة سبتمبر الأم وأنها جاءت لتجديدها وخلق الفاعلية لأهدافها الستة التي أصبحت حبراً على ورق وليست بديلاً عنها كما اتهموه!( كان يحتفل بعيد الثورة في صنعاء ثم تعز واخيرا الحديدة) منطلقاً نحو المستقبل مع الشعب الذي اعتقد أنه سيحميه بالتفافه حوله وسيجعل من يفكر في إيذائه يفكر بدل المرة مليون وان حصل فلن يهنا بالنعيم ولن يملئ الفراغ رغم إيمانه وكما كان يردد دائما: بأن لا حذر من القدر.
في منزل الغشمي قتل!!
على عكس ما تم تلفيقه حينها تنقل شقيقة الراحل معلومة مهمة، وهي أن “السائق “الذي أوصل الرئيس الحمدي «قال لنا إن أحمد حسين الغشمي هو الذي استقبله في الباب وسلم عليه وأدخله، وبعد ابتعاده من السيارة بقليل سمع إطلاق نار، قال إنه لم يبتعد كثيرا وقد سمع إطلاق النار ولم يكن يتوقع أن الرصاص كان في صدر الرئيس الحمدي”.
وتساؤل مبحوح يطرح نفسه هل لديكم قوة صبر ورباطة جأش لتسمعوا آخر ما قاله الرئيس الحمدي وهو يخاطب قتلته قائلاً: تريدون السلطة خذوها وأكملوا ما بدأنا، هذا الشعب أمانه في أعناقكم.. أنا مستعد للتنازل.. إذا قبلتم ببقائي في اليمن كان بها، وإذا أردتم أن أخرج فسأخرج.. تذكروا أننا ودعنا القاضي الإرياني من تعز معززاً مكرماً.. أردنا أن تكون حركتنا تصحيحية بيضاء نقية.. لم نبدأها بالدم. أتدرون ما كان جوابهم عليه؟! لم يكن إلا رصاصات غامضة في القلب!
والأخطر من ذلك ما توكده الحمدي أنهم رفضوا السماح لأفراد العائلة برؤية الجثتين (إبراهيم وعبدالله) كما لم يسمح لهم باستلامها لغرض تشييع رسمي ودفنهما في منطقة ثلا حسب وصية الشهيد الحمدي.
الخبر الفاجعة..الحمدي استشهد!!
في ظلام تشرين الأول /اكتوبر البارد تلقى الناس فاجعة خبر اغتيال الحمدي ..أول الأمر ظنوا الناس أن الخبر لم يكن أكثر من كابوس، من تلك الكوابيس التي اعتادها اليمنيون وحين تأكدوا من حقيقة الخبر كانوا تقريبا لديهم صور شبه أكيدة عن ماهية الفاعل..حينها كانت الإذاعة والتلفزيون قد قطعت برامجها في الساعة العاشرة والنصف مساءً وبدأت في بث سور من القرآن الكريم وبعد حوالي ساعة تدلى صوت المذيع “عبدالملك العيزري” يقرأ بيان مجلس القيادة ينعي الشعب اليمني والأمة العربية في استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي وأخيه، كما تم إعلان الحداد الرسمي وتنصيب الغشمي الذي كان إلى ما قبل اغتيال الحمدي يتولى رئيس هيئة الأركان في الجيش رئيساً لمجلس القيادة وساد اليمن حزن عميق وشامل وشك مريب في الغشمي وبعض المشايخ، وصدر في عدن بيان سياسي للشعب اليمني صادر عن الاجتماع الاستثنائي لرئاسة مجلس الوزراء برئاسة سالم ربيع علي صباح يوم 12 / 10 نعى استشهاد الرئيس الحمدي في مؤامرة دنيئة، وأعلن الحداد الرسمي وإلغاء الاحتفالات الرسمية والشعبية بمناسبة ثورة 14 أكتوبر، وقد اعتذرت القيادة اليمنية للعديد من الدول العربية والإسلامية التي استفسرت عن ترتيبات تشييع جثمان الحمدي بهدف مشاركة زعماء ووفود تلك الدول، فتم الاعتذار باستثناء سالم ربيع علي الذي وصل إلى مطار صنعاء يوم 13 أكتوبر لتشييع جنازة الحمدي.
الملف المغلق..هل ستفتحه الأيام القادمة؟
أغلق ملف اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه في يوم مقتله في 11 أكتوبر 1977، وصعد الرئيس أحمد الغشمي رئيساً، لكنه قتل بحقيبة ملغومة واتهم حينها بإرسالها من نظام “سالمين” في عدن بعد أشهر من توليه الرئاسة، يقال إنها انتقام لمقتل الحمدي.. بعدها أغلق الملفان نهائياً وتولى الرئيس علي عبدالله صالح الحكم في العام 1978 وحتى اليوم ما زال الملف مغلقا، لا يسمح بالاقتراب من تفاصيله.
الحقيقة ستخرج أكيداً في يوم من الأيام، خصوصا حين ينتهي هذا “النظام” هكذا قالت شقيقته صفية قبل عامين والسؤال يبقى مفتوحا هل حان وقت ظهور الحقيقة طالما والنظام قد سقط!؟.. المسألة ليست في إبراهيم الحمدي أنه كان جيداً وحسب، لكن لو كان أتى من يسير على درب الحمدي أو أفضل منه فأعتقد أن الناس كانوا سينسونه!.
وفي هذه الذكرى هناك مطالبات حثيثة من قبل لجان قانونية سيتم تشكيلها للشروع في المطالبة بالتحقيق في جريمة اغتيال الحمدي.
c.v
إلى أسرة حمدة التي كانت تسكن في منطقة محل حمدة ذيبين التابعة لقبيلة حاشد، ينتمي إبراهيم الحمدي كان والده محمد صالح الحمدي أحد مشاهير القضاة في عموم اليمن، وقضى حياته متنقلاً بين مخاليفها ومدنها بوصفه حاكماً قضائياً وفقاً للشريعة الإسلامية، ويروى عنه أن كثيراً من أحكامه كانت تنتهي بالصلح بين المتخاصمين، ومن وصفه بعدالة أحكامه أن احتكم إليهِ الإمام أحمد حميد الدين ذات مرة مع أحدهم فكان حكمه ضد ما يرى الإمام.
وبحسب القصاصة التي أرخ فيها والده لميلاده فإن الحمدي من مواليد 25 رجب 1362هـ بما يوافق 28 يوليو 1943م من أمٍ تنتمي إلى مدينة قعطبة التي كانت تقع في مدينة إب إحدى مدن مخلاف تعز أيامها، عمل الحمدي مساعداً لوالده في محكمة ذمار، ولكن وبسبب تأثره بالمد القومي قرر الحمدي دخول كلية الطيران للانخراط في الجيش، وفي عهد الرئيس السلال تولى الحمدي قيادة قوات الصاعقة، ثم تدرج في المسئولية حتى أصبح مسئولاً للمقاطعات الغربية والشرقية والوسطى، ثم تولى منصب وكيل وزارة الداخلية عام 67م وعمل قائدا لمعسكر الصاعقة عام 69م، كما عمل مساعداً إدارياً لرئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة حسن العمري، ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء للشئون الداخلية في العام 71م.
تولى الحمدي السلطة في 13 يونيو 1974م في ما سماه أعداؤه والإعلام بـ “الانقلاب الأبيض” وسماه أنصاره “حركة تصحيحية” على سلفه الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وسط أزمة سياسية خانقة وفساد مالي وإداري مستشرٍ وصراعات وتجاذبات بين القوى السياسية ومراكز النفوذ المختلفة.
ارتبطت فترة حُكم الحمدي بما يسمى بـ «تجربة التعاونيات» وهي التجربة التي أسس من خلالها لتعاون الشعب مع دوائر الحُكم في عملية التنمية، وشهدت فترة حكمه القصيرة «ثلاث سنوات ونيف» تنمية شاملة في مختلف المجالات، بالإضافة إلى توازن اليمن في علاقاته السياسية بالعالم وتهدئة الجبهة الداخلية والحد من سلطة المشائخ ومراكز النفوذ، كما شهدت فترة حكمه تشييد هيئات الإصلاح المالي والإداري للرقابة على المؤسسات الحكومية والعسكرية من أوساط الشعب، بما مكنه من الحد من الفساد الإداري والمالي الذي كان في أوجه عند تسلمه السلطة.
على الصعيد الحزبي والتنظيمي لم يرتبط اسم إبراهيم الحمدي وحركة 13 يونيو التصحيحية في بدايتها بأي تنظيم سياسي أو حزبي، في فترة كان التعدد الحزبي والسياسي ممنوعاً، ومرفوضاً من أعلى دوائر القرار ولعل أبلغ تعبير عن هذا هي مقولة الرئيس الإرياني في تلك الفترة «تبدأ الحزبية بالتأثر وتنتهي بالعمالة»، ولكن الحمدي رأى ضرورة وجود تنظيم سياسي يساعده في تنفيذ برامجه وخططه للإصلاح، ونظراً لاقتران التيارين السياسيين الأبرز «البعث والإخوان المسلمين» بالقوى التقليدية والقبلية ولما كان يبدو عليه الأمر من ولاءات وانتماءات في الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى ولقلة كوادرهما، رأى الحمدي ضالته في التيار الناصري الذي خاض معه حوارات متعددة شملت الجوانب الفكرية والسياسية والتوجهات أدت في النهاية إلى اندماج الحركة بالتيار الناصري وإنفاذ برنامج الإصلاح.
انتهج الحمدي سياسة مستقلة عن دول النفوذ الإقليمي على اليمن، وهذا ما ينظر إليه أنصاره باعتباره السبب الرئيسي لمقتله، وتنفيذ العملية مستغلين عفويته وهروبه من الحراسة وإجراءات الحماية التي كان يرفضها قائلاً “لا حذر من قدر”.
الغداء الأخير!
ليس جبنا أن تجد نفسك مؤهلاً للحديث عن تفاصيل اغتيال الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي؛ وإنما كثير من تلك التفاصيل لم تتضح بعد ولم يفصح عنها من كانوا شهود عيان ومعاصرين للحدث، فما بالك بكاتب هذه السطور عندما يتحدث عن أحداث وقعت وهو لم يزل طفلاً رضيعاً وبالتأكيد لم يولد بعد.
لكن هذا ليس مانعا أن تعيد البحث في تفاصيل، اغتيال الرجل الذي يرسم الدمعة في وجنات اليمنيين كلما ذكر، رغم مرور خمسة وثلاثين عاما على رحيله بطريقة بشعة.
ثلاثة أعوام وأربعة أشهر ويومان أمضاها الراحل رئيسا لليمن قبل أن يذهب لدعوة الغداء الأخير له ولشقيقه القيادي العسكري عبدالله الحمدي، رغم أن التفاصيل متداولة وغير مؤكدة من أي طرف من الأطراف بالوقت الذي يجب أن تظهر الحقيقة خصوصا بعد ثورة فبراير لكن شقيقة الراحل تحدثت في حوار صحفي كشفت عن معلومة تخفف بعض حدة الشك في مسألة مكان الاغتيال تروي “صفية الحمدي” الشقيقة الأكبر للرئيس الراحل تفاصيل الحادثة؛ حيث التقت أخاها الرئيس في منزله وهي قادمة من قريتهما «ثلا»- 30 كيلومترا غرب العاصمة، بعد عودته من دوامه الرسمي.
تقول صفية: «وجدته عائدا من العمل وقال لي، أهلا أختي متى جئت، قلت له الآن وصلت، ودار حديث عادي بيننا وقال إنه سيذهب لدعوة غداء عند الغشمي، رغم أنه كان يريد الغداء في بيته، لكن اتصلوا به وأصروا أن يحضر، قال لهم إنه تعبان ومرهق، وقدمنا له بطاطا مع “السحاوق” (طماطم مسحوق مع الفلفل والبهارات) وكان قد بدأ يأكل البطاط وكان يحبها، وبعد قليل كنا سنقدم له الغداء، وكان معه شخص اسمه احمد عبده سعيد كان سيتغدى معه، وهو شخص قد توفي..
وكان يقول لهم ما فيش سيارة وبعدها رأى السيارة التي أتت بي من القرية، وقال لهم خلاص سيارة “أم عادل”موجودة، وهذا الموقف ما زال يحز في نفسي، كانت السيارة لم يمض على شرائنا لها سوى أيام من واحد جارنا في”ثلا”
تتابع: كنت أرغب في الجلوس معه لكنهم أصروا، وكان لم يمض على زيارته لي في القرية سوى 4 أيام، وقال لي خلاص انتظريني سأتغدى عند الغشمي وأرجع سريعا، وشفته آخر مرة من نافذة المطبخ.
وتضيف صفية: انتظرت إلى الساعة الرابعة عصرا، ولم يعد، فغادرت منزله وعدت إلى القرية، وسمعت من الناس الفاجعة بأنهم اغتالوه هو وأخي عبدالله.
عرفنا فيما بعد أن عبدالله استدعوه بحجة أن هناك سيارات جاءت هدايا وسنوزعها للوحدات العسكرية تعال استلم نصيب وحدتك، وتم التمويه على الاثنين لأن عبدالله لا يحضر مكاناً فيه إبراهيم، وكذلك إبراهيم الشيء نفسه.
أما إبراهيم قالوا له تعال نتباحث حول مسألة المفاوضات على الوحدة وهو كان مسافرا في اليوم الثاني إلى عدن، وقالوا له إن عبدالعزيز عبدالغني موجود –رئيس مجلس الشورى وحينها كان عضو مجلس القيادة.
just_f
| |
|