Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: اليمن : ذئاب مسعورة استباحت كل شيء.. وحوَّلت الوطن إلى فيد الأربعاء سبتمبر 26, 2012 7:02 pm | |
| ذئاب مسعورة استباحت كل شيء.. وحوَّلت الوطن إلى ساحة فيد كبيرة الاربعاء 26 سبتمبر 2012 00:15 سما-الجمهورية نت - بـلال الـطــيـب «إن موقف الطاغية كذاك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف الثمرة..» حكمة قالها «منتسكيو» قديماً.. جسدها الأئمة من بيت حميد الدين؛ فكانت اليمن بالنسبة لهم قرية للجبايات الكبيرة، وكان الشعب تلك الشجرة الغنية بالثمار، إلا أنها سقطت فوق صاحبها وأردته قتيلاً.. وكان لهؤلاء الأئمة الطغاة «عُكفة» أعفاط تم تجنيدهم بعناية فائقة، لقهر الشعب وإذلاله، وتطبيق قانون الغاب بصورة أشمل، كي تعُم مصائبه الصغير والكبير في كل الوطن، وكان حال هؤلاء المُتنفذين أشبه بوصف الشاعر المتنبي: جوعان يأكل من زادي ويمسكني لكي يقال عظيم القدر مقصود - «من قال برأسه كذا.. قلنا بسيفنا كذا..» إنه قانون الغاب الذي كرسه الأئمة في سلطانهم، فأزالوا قيم الحب والتسامح، وبعثروا بكرامة الإنسان اليمني فوق التراب، فانحطت بذلك التصورات والمفاهيم والسلوكيات على الصعيد الفردي والاجتماعي والسلطوي، صحيح أن الأئمة كانوا يقولون للناس إنهم يحكمون بأمر الله وباسم الحق الإلهي، إلا إنهم في الحقيقة مارسوا العبث على عباد الله في حياتهم وممتلكاتهم، فالاستبداد كان عنوان حكمهم وهويته اللصيقة به، قادوا البلاد بما أملته عليهم رغباتهم الفجة.. «فَصّلُوا» فقهاً سياسياً يشملهم بكل الخيرات ويستثني كل اليمن، ضربوا الوسط بالشمال والشمال بشمال الشمال .. وبعد أن ذاق الشعب مرارة القهر والحرمان، في ظل جبروت حكمهم الفردي العنصري، جاءت الثورة المنقذة فأخرجته من الظلمات إلى النور، وصار الذي كان ذكرى مؤرقة من الصعب نسيانها. - لقد استغلوا جهل الشعب المشبع بالثقافة الدينية البسيطة، وأوهموهم أنهم يحكمون بأمر الله وباسم الحق الإلهي، وأن طاعتهم والرضوخ لاستبدادهم المطلق من طاعة الله، في صورة مشابهة لتلك التي حدثت في أوربا إبان العصور الوسطى، حين استغل الدين لمآرب أخرى، وكأن بالأئمة يكررون ما قاله «جيمس الأول» ملك بريطانيا ذات يوم «بأن الملوك يمشون على عرش الله في الأرض..» لقد كانت التبريرات الدينية للأئمة، أساس سلطتهم ومصدر قوتهم، وكانت تصرفات «العُكفة » -عساكر الإمام- تثير الرعب والخوف والغضب عند كثيرين، كان الصبر على أذاهم سمة دائمة تدور في بوتقة طاعة الله وطاعة «ولي الأمر». - بالعودة المتفحصة لبعض كتب ومراجع الثورة اليمنية ووثائقها، أتضح جلياً ذلك الإجماع في تصوير الظلم الإمامي، رغم الاختلاف والتباين في أحداث مرحلة ما بعد الثورة، وما خلصت إليه: إن أولئك «العُكفة» الذين عاثوا في ربوع اليمن السعيد فساداً وإرهاباً وتنكيلاً.. كانوا هم جميع جوارح الإمام التي يبطش بها، كما كانوا دعامة وسند ذلك النظام البائد حتى بعد قيام الثورة السبتمبرية المباركة، ولولاهم لما استمر مخاض تلك الثورة لأكثر من سبعة أعوام متتالية، تحديداً حتى إعلان المصالحة الوطنية بداية سبعينيات القرن المنصرم. - سبق أن أسس الإمام يحيى ذلك الجيش «العكفة» خالصاً مخلصاً على أساس قبلي محض، فمعظم أولئك الجنود من قبائل حاشد وبكيل «أبناء الأنصار»، الذين حاربوا معه الأتراك وصاروا يعانون من البطالة، خاصة بعد خروج الجيش التركي، وكان لهم أربعة رؤساء ،هم مشايخ همدان ووداعة وسفيان وخولان، وقد حددت مدة بقاء الجندي فيه من سنة إلى سنتين ثم إبداله بشخص من أهله أو قرابته، ولكل مجموعة «عريفة» أو شيخ وهو المسئول عنهم، وكانت رتبة «شيخ» إحدى الرتب التي يمنحها الإمام لذي النسب من القبائل السابقة. - وكان يسمى ذلك الجيش بالجيش «البراني» حيث يتولى أفراده تسليح أنفسهم من مالهم الخاص، وفق رغباتهم، وتتلخص مهامهم في «التنافيذ، المأموريات، الخطاط»، والغرض الأول من وجود هذا الجيش، حسب توصيف الباحث سلطان ناجي، يرجع إلى رغبة الإمام يحيى في منافسة الجيش النظامي ،فهو لا يريد لهذا الأخير أن يكون جيشاً نظامياً قوياً حتى لا ينقلب عليه، فالبراني يعتبر الأصل في نظر يحيى ومن سبقه من أئمة، لأنه الجيش الوفي الذي عاصر الجميع، ووقف في كل الحروب إلى جانب الأئمة، لذلك كانت له الأسبقية في كل الأحوال والظروف. - وهذا الجيش كما يصف الباحث ناجي، كان أكثر خشونة من جيشي الإمام «المظفر والدفاعي »، فأفراده دائماً في حالة تحفز للحرب، وأغانيهم وأهازيجهم هي أغاني وأهازيج حرب، وكان الجندي منهم يحظى باحترام من يعمل في معيته من عمال النواحي والقضاة والمرافق الأخرى.. فقد كان يبدي «العامل» سروره بأن يكون ذلك «العُكفي »- كما هي التسمية الشائعة - في رفقته، فهو بالإضافة إلى مسنده القبلي وانتمائه إلى العلية، غليظ الطباع لا يتهاون في أمور الجباية والتنافيذ ولا يعرف قلبه الرحمة. - ولأن الخدمة في ذلك الجيش اختيارية فقد ظل قوامه يتأرجح صعوداً وهبوطاً، وتذكر بعض المراجع أن أعلى سقف بلغه ذلك الجيش حوالي خمسين ألف جندي، وكانت من بينهم فرقة الخيالة التي كانت تعمل إلى جانب عملها في الجيش في وظائف مدنية أخرى، ومن الصفات التي تطلق على ذلك الجيش أنه غير نظامي بل عدو النظام، فقد كان يرفض رؤساؤه التحديث ويضيق أفراده بالانضباط، وعليه فقد كانوا يعترضون ويقفون أمام كل محاولة لتحديث الجيش، ويصورونها للإمام على أنها مرهقة للميزانية والأفراد، وقد قاموا بتحريم ارتداء السراويل القصيرة لأنها مخالفة للشرع وغيرها من الأمثلة التي لا يتسع المقام لذكرها. - أوغلت سلطات «الإمام» في تفتيت وتمزيق الوطن والشعب الواحد،على قاعدة العصبية المذهبية والعرقية «السلالية»، ولقد صور الشهيد محمد محمود الزبيري حالة اليمن تلك في كتابه «الإمامة وخطرها على وحدة اليمن» على النحو التالي: إن الإمامة من أساسها فكرة مذهبية طائفية يعتنقها من القديم فئة من الشعب وهم الهادوية، أما أغلبية اليمن بما في ذلك الجنوب المحتل ،فإنهم جميعاً لا يدينون بهذه الإمامة ولا يرون لها حقاً في السيطرة عليهم ،بل إنهم يرون فيها سلطة مفروضة عليهم سياسياً ودينيا”. - ويشرح الزبيري أحوال اليمن في عهد الإمامة قائلاً: وهذا التحكم من شأنه أن يخلق شعوراً مريراً لدى أكثر الشعب، يجعل الانقسام ظلاً قاتماً رهيباً يخيم على البلاد ويهدد مصيرها على الدوام، كما يجعل الحكومة الإمامية في نظر هذا القسم كأنها حكومة دخيلة عليه لا تعبر عن إرادته «.....» وكأن سكان اليمن الأعلى طبقة حاكمة تحتكر الحكم لنفسها وتجعل اليمن الأسفل مجرد مجال حيوي لها، بينما سكان اليمن الأعلى العقلاء منهم أبرياء من هذا الافتئات والظلم، بل إنهم لبثوا الدهر الطويل يعانون مرارة الطغيان الإمامي ويرون فيه حكماً طارئاً عليهم دخيلاً على حياتهم، يفرض عليهم إلى جانب السلطة السياسية سلطة روحية تعيش في دمائهم كالكابوس الرهيب وتجرعهم المعتقدات الإمامية المسمومة ثم تطلقهم على الفريق الآخر من مواطنيهم كالذئاب المسعورة. - شهادة الشهيد الزبيري السابقة فيها الكثير من الإيضاح لما أحب أن أثريه، وهنا يمكننا القول: إنه بالمقارنة المتفحصة بين حكم الأئمة في الشمال، والاحتلال البريطاني في الجنوب، يتضح جلياً أن ظلم ذوي القربى كان أشد ضراوة مادياً ومعنوياً، وهي مقارنة باعتقادي لا يختلف عليها اثنان من أرباب العقول، وإذا كان اليمن السعيد قد أشقاه الأئمة من بيت حميد الدين لفترات محدودة من الزمن بحكمهم الظالم العنصري، فإن ذلك الماضي بقي في جبين الدهر كنقطة سوداء مشوهة، كما صار ذكرى مؤرقة في أذهان الأجداد، الذين لم تنطفئ جذوة الثورة ووهجها المشع من نفوسهم المستقيمة المتمسكة بالولاء والحب لهذا الوطن.
just_f
| |
|