قبل أكثر من شهرين حاصر أنصار الشريعة مدينة لودر بمحافظة
أبين، لغرض السيطرة عليها وضمها إلى باقي ما يسيطرون عليه من مناطق
المحافظة، لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها رغم امتلاكهم أسلحة ثقيلة
كانوا قد استولوا عليها من مواقع اللواء 111 ومن معسكرات أخرى في المحافظة.
والسبب، كما يقول أنصار الشريعة، أن في المدينة مواطنين اتخذتهم اللجان
الشعبية دروعًا بشرية.
ومع ذلك فقد كان أنصار يعتقدون أن السيطرة على
مدينة لودر مسألة وقت، ولم يستعجلوا في الاقتحام، لإدراكهم بأن اللجان لا
تمتلك نفسا طويلا في حرب كهذه، ولأنهم ـ ربما ـ لم يكونوا يدركون إلى أي
مدى تراهن الحكومة اليمنية وأمريكا على هذه المدينة في حسم المعركة.
غير
أن توقيت حصار أنصار الشريعة لمدينة لودر ومحاولة السيطرة عليها كان سلاحا
ذا حدين، فإذا نجح أنصار الشريعة في السيطرة فسيتعقد الوضع كثيرا على
الحكومة اليمنية في محافظة أبين، وإذا كان العكس فسيكون العكس، خصوصا في ظل
هذا التداعي الدولي والمحلي الواسع.
وفي كل الأحوال فإن مدينة لودر
التي لم يسيطر عليها أنصار الشريعة كانت ضمن خطة حرب الحكومة وأمريكا
المشتركة في محافظة أبين، حتى لو لم يهاجمها أنصار الشريعة، فهم بالنسبة
لها عدو مؤجل إلى أن تأتي الفرصة، على خلفية عداء قديم، رغم أن مديرية لودر
كانت من أهم معاقل أنصار الشريعة في محافظة أبين قبل الثورة الشبابية.
خطة مشتركة
من
محاور عدة هاجم الجيش اليمني، المدعوم جوا بطائرات أمريكية وسعودية
ويمنية، المناطق التي يسيطر عليها أنصار الشريعة، مع أخبار تؤكد وجود قوات
أمريكية وبريطانية خاصة على الأرض تشرف على المعارك وتديرها، بالإضافة إلى
الهجوم البحري من البوارج الأمريكية.
كل هذا، إلى جانب إشراك بعض
القبائل في الحرب، بدأ يُظهر أثر فارق القوة، فالقاعدة جماعة مسلحة وقوتها
تكمن في عملها بعيدا عن أعين خصومها لا في الحروب التقليدية، فبرغم
امتلاكها سلاحا ثقيلا وجيشا يقدر بالآلاف إلا أن مواجهة حربا من الجو والبر
والبحر تقودها ضدها أربع دول، أمرٌ في غاية الصعوبة، رغم امتلاكها للأرض.
لكنها
تجربة لا بد من إكمالها حتى النهاية، بالنسبة لأنصار الشريعة، ونهاية هذه
التجربة، بالنسبة لهم أيضا، تعني البداية في الحرب التي يجيدونها، إن لم
تكن لمعاركهم القائمة نهاية مختلفة. فعلى الرغم مما تتناقله وسائل الإعلام
من انتصارات إلا أن نتائج ما يجري على الأرض تناقضها تماما. والغريب أن
وكالات عالمية مرموقة أُخذت بتلك الأرقام، إلى درجة أن "يو بي إيه" قد
أوصلتْ قتلى أنصار الشريعة في إحصائية لها لمواجهات العشر الأيام الأخيرة
إلى 170 قتيلا ومئات الجرحى، بينما من سقط طوال تلك المعارك لا يتجاوز
الثلاثين.
كما حدث من قبل
قبل عملية الكود الأخيرة، والتي راح ضحيتها ما يقرب
من سبعين جنديا بين قتيل وجريح وأسير، كانت الأخبار تتحدث عن تراجع عسكري
كبير لأنصار الشريعة، خصوصا بعد أن مرت أسابيع دون أن يتمكن أنصار الشريعة
من السيطرة على مدينة لودر. وتحدثت بيانات وزارتي الدفاع والداخلية عن
استعادة قوات الجيش لمناطق داخل مدينة زنجبار، كمعلب حسان ومبنى البريد
ومبنى الأمن السياسي والسوق والفرزة.
أخبار النصر في مدينة زنجبار أريد
لها أن تعزز أخبار الانتصارات في مدينة لودر، كما تراها الحكومة، والغرض من
ذلك خلق انطباع بأن العد التنازلي لسيطرة أنصار الشريعة على محافظة أبين
قد بدأ، وكذا كسر هيبتهم في نفوس الجيش والقبائل التي يراد منها أن تحذو
حذو لجان لودر. وكل ذلك في إطار إثبات أن كل ما بعد نظام صالح يختلف عن كل
ما كان في عهده، خصوصا في هذا الملف الذي رُبط كثيرا بالنظام السابق.
وبرغم
أن الحكومة نجحت إلى حد ما في خلق هذا الانطباع إلا أنها فشلت في الحيلولة
دون حدوث ما يناقضه على الأرض، وجاءت عملية الكود لتؤكد أن أنصار الشريعة
لازالوا الأقوى في أبين، وأن أحاديث التراجع مجرد أحاديث. والأهم من ذلك
أنها أكدت عدم صحة أخبار السيطرة على مناطق في مدينة زنجبار، لأن العملية
حدثت في أطراف المدينة، ولو أن الجيش كان قد استعاد المناطق المذكورة فعلا،
لاحتاج أنصار الشريعة أن يخوضوا معه معارك شرسة في تلك المناطق قبل أن
يصلوا إلى الكود.
وقبل العملية بثلاثة أيام، أي في تاريخ 1\5\2012م، كنت
قد زرت مدينة زنجبار، للتأكد من صحة تلك الأخبار، مع يقين مسبق أنها عارية
عن الصحة، لكن هناك يقين دائم بأن كل شيء وارد، حتى لو كان بعيدا وكانت
الداخلية والدفاع مصدر تأكيده ويتطلب الوصول إلى دليل محسوس. زرت مبنى
الأمن السياسي ومبنى البريد والسوق والفرزة، ووصلت أيضا إلى داخل ملعب حسان
الذي لازال تحت سيطرة أنصار الشريعة، وملعب حسان يقع في المنطقة الفاصلة
ويليه معسكر الأمن المركزي. كل تلك المناطق كانت ولازالت حتى اليوم في أيدي
أنصار الشريعة.
الانسحاب وارد لكن الحرب مستمرة
حين سيطر أنصار الشريعة على معظم محافظة أبين كانوا
قد وضعوا في حسبانهم أنهم ربما يخرجون منها، وكانوا على الدوام مستعدين
ومرتبين لذلك، بل إن السيطرة كانت في الأساس لأهداف أخرى غير التي يتحدث
عنها الناس، منها كسر حالة العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية
عليهم منذ عشر سنين، وخلق نموذج إيجابي مغاير للصورة التي رُسمت في أذهان
الناس عنهم.
وخلال سيطرتهم على المحافظة دارت بينهم وبين القوات
الحكومية معارك طاحنة في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، وتمكن أنصار
الشريعة من تحقيق النصر في جميع تلك المعارك. ولأنهم استطاعوا أن يحصروا
المعركة في مدينة زنجبار فقد أتاح لهم ذلك فرصة إدارة باقي المناطق وفق
مبادئ الشريعة الإسلامية، كما يرونها.
ومن خلال إدارتهم لتلك المناطق
استطاعوا أن يفرضوا أمنا لم تعرفه المحافظة من قبل، وربما لن تعرفه لاحقًا.
لكن الخوف القادم من السماء، حيث يحلق طيران أمريكا بكثرة، ظل قائما، ولم
يكن بمقدور أنصار الشريعة السيطرة عليه، خصوصا في ظل الترحيب الرسمي بمصدر
هذا الخوف.
كما تمكن أنصار الشريعة خلال سيطرتهم على محافظة أبين من
استقطاب كثير من اليمنيين إلى صفوفهم، ولعب تأخر حسم الثورة اليمنية وتدخل
الخارج فيها دورا بارزا في إنجاح ذلك، حيث نشط أنصار الشريعة في كثير من
المحافظات اليمنية، ومن بينها العاصمة صنعاء، بشكل شبه علني على المستوى
الدعوي.
ومن خلال هذه كله يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت
متخوفة من آثار السيطرة أكثر من تخوفها من السيطرة نفسها، وكان مهما،
بالنسبة لها، أن ترتبط سيطرة أنصار الشريعة على محافظة أبين بوضع إنساني
سيء، حتى يكون أنصار الشريعة في نظر الناس هم المسئولين عن ذلك، لهذا
هجَّـر قصف الجيش سكان مدينة زنجبار بالكامل، قبل أن تسمح لهم قوات الجيش
بالعودة لتهجرهم مجددا.
لكن الظهور العلني والاختلاط بالناس أفقد أنصار
الشريعة عددا من قادتهم، حيث سهَّل هذا الوضع عمل الجواسيس على الأرض. وفي
مطلع العام الحالي أعدم أنصار الشريعة ثلاثة جواسيس جندتهم المخابرات
السعودية والأمريكية، وأحدهم تسبب في مقتل عدد من القادة.
أما العودة
إلى الوضع السابق بعد كل هذه الفسحة فستعني أن ما حدث في السبعين يوم
الاثنين الماضي قد يتحول لاحقا إلى مشهد مألوف جدًا، نظرًا لإمكانات أنصار
الشريعة ولرخاوة الوضع.
سوء فهم قاتل
ربما نسي الأمين العام للأمم المتحدة وهو يدعو جميع
الأطراف في اليمن إلى نبذ العنف، في سياق تعليقه على ما حدث هذا الأسبوع
بميدان السبعين ضد قوات الأمن المركزي، أن تنظيم القاعدة لا يعترف بالأمم
المتحدة ولا يؤمن بمواثيقها، وأن تمرد التنظيم على النظام العالمي الجديد
هو أساس الصراع الدائر بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف
معها في حربها على ما يسمى بـ"الإرهاب".
وهكذا يبدو أن أكبر مشكلة تواجه
خصوم تنظيم القاعدة هي أنهم لم يفهموه كما ينبغي، والخطأ في الفهم يعني
الخطأ في اتخاذ التدابير، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. ومن ذلك فوضى
التهم التي وجدنا كل طرف يكيلها للطرف الآخر في صنعاء عقب العملية. وبناء
على تلك التهم سارع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرارات سيكتشف لاحقا أنها لم
تكن بحجم ما حدث، بل ولا علاقة لها به. كما اكتشف ـ إن كان قد اكتشف ـ أن
التغييرات العسكرية في الجنوب لم تحدث فارقا في حربه الجديدة على تنظيم
القاعدة.
اثنين الزحف
حينما كان شباب الثورة اليمنية ينوون الزحف إلى
السبعين حيث دار رئاسة علي عبد الله صالح، كانوا يضعون في حسبانهم أعداد من
سيسقطون قتلى قبل أن يصلوا إلى دار الرئاسة. فقبل دار الرئاسة من جهة
الزحف يقع مقر الأمن المركزي الذي يقوده نجل شقيق الرئيس صالح، يحيى محمد
عبد الله صالح. لهذا مر عام دون أن تكون هناك "جمعة زحف" ودون أن يكون هناك
زحف.
اعتبر صالح الاقتراب من دار الرئاسة خطا أحمر، وكانت قوات الأمن
المركزي ستتصرف على أساسٍ من ذاك الاعتبار. ولم يكن هذا ليخفى على شباب
الثورة، أما تنظيم القاعدة فلا يؤمن بخطوط حمراء ولا يتصرف بناء على إيمان
الآخرين بها، لهذا زحف هذا الأسبوع إلى السبعين على طريقته. لكنه لم يزحف
يوم جمعة بل يوم اثنين.
قصة ثأر قديم
بالنسبة لثورة سلمية كان قرار شباب الثورة بتأخير
الزحف أو إلغائه كليةً، قرارا صائبا، نظرًا لعواقبه، لأن النظام كان قد
استعد جيدًا لأمر كهذا، وشباب الثورة يدركون جيدًا ماذا يعني أن يستعد
النظام لأمرٍ كهذا.
حينها كانت قوة كبيرة من الأمن المركزي قد كُلِّفت
بحراسة مبنى الأمن السياسي ومبانٍ أخرى، خشية أن يزحف إليها الشباب. حينها
أيضا كان سجناء جماعة الحوثي في الأمن السياسي قد أضربوا عن الزيارة، لأن
الحكومة اليمنية تأخرت في الإفراج عنهم، بحسب الاتفاق الأخير بينها وبين
الجماعة في الدوحة. كما كلفوا شخصا منهم (يُدعى عامر) بالتفاوض مع
المسئولين المختصين.
لم يكن أمام الحكومة اليمنية من خيار غير خيار
الإفراج. قد يكون لهذا الأمر حساباته بالنسبة للحكومة بعيدًا عن مسألة
الضغط الذي يمكن أن يشكله هذا الإضراب، رغم أن المسجونين من الجماعة
مسجونون على ذمة قضايا كبيرة.
لكن شباب القاعدة المسجون معظمهم بتهمة
التحفظ، ظنوا أن الإضراب قد يقود إلى الحرية، كما حصل مع سجناء جماعة
الحوثي، قبل أن يكتشفوا أن إضرابهم لن يقود إلا إلى الضرب. الضرب العنيف
جدًا.
عندما أضرب شباب القاعدة في سجن الأمن السياسي عن الزيارة، وكان
عددهم يفوق الثلاث مئة سجين، تصرفوا على أساس أنهم مضربون، لكن قوات الأمن
المركزي المكلفة بحماية السجن تصرفت معهم على أساس أنهم متمردون على قوانين
السجن.
يقول أحد شباب القاعدة ممن كان حينها في السجن لـ"الوسط" إن
قوات الأمن المركزي هاجمت الغرف بالقنابل المسيلة للدموع، مع العلم أن غرف
الأمن السياسي بدون نوافذ تهوية، وفي مثل هذه الحالة قد يؤدي هذا الإجراء
إلى الوفاة. وبعد ذلك أخروجهم مقيدين إلى الشماسي (منطقة مفتوحة تحيط بها
جدران السجن الأربعة).
في الشماسي كان كل أربعة أو خمسة من جنود الأمن
المركزي يتكفلون بسجين ممن أخرجوا إليه (لم يخرجوا جميع سجناء القاعدة).
ويضيف المتحدث: "كانوا يضربوننا حتى الإغماء، بعصي طبيعية في مناطق متفرقة
من الجسد وبعصي كهربائية خلف الرأس، ونحن مكبلون ومعصوبو العينين. ومن كان
مسئولا عنا ـ الذي يشبه في مهمته عامر الحوثيين ـ فتحوا الرباط الذي يغطي
عينيه ليشاهد ما نتعرض له من تعذيب.
لهذا السبب قال تنظيم القاعدة في
بيانه إن عملية السبعين الأخيرة جاءت ردًا على جرائم الأمن المركزي في حق
معتقليه داخل سجن الأمن السياسي بتاريخ 6\2\2011م. وردًا على جرائم الأمن
المركزي في حق أبناء الشعب. ويعني هنا أعمال القتل والقمع التي طالت شباب
الثورة طوال العام الماضي.
لكن ما يحدث في أبين لم يكن بمعزل عما حدث في
صنعاء يوم الاثنين الماضي، ويبدو الارتباط بين الأمرين أوثق، خصوصا في
الفترة الأخيرة التي كثفت فيها الحكومة اليمنية من عملها العسكري ضد
التنظيم بمحافظة أبين، وهو ما لم يغفله التنظيم في بيان تبني العملية.
وجاءت
العملية الأخيرة لتؤكد صحة القراءة التي تطرقنا إليها في تقارير سابقة حين
قلنا إن إزعاج التنظيم في أبين من قِبل الحكومة يعني إزعاج الحكومة في
صنعاء من قبل التنظيم. مثلما تقلقون أمننا في المناطق التي نسيطر عليها
ونديرها سنقلق أمنكم في المناطق التي تسيطرون عليها وتديرونها. هكذا يفكر
التنظيم، وبمثل ما حدث في السبعين سيترجم تفكيره.
أبو ا لجراح الصنعاني
جاء هذا الشخص ـ وهو أحد منتسبي الفرقة الأولى مدرعة
سابقا ثم الأمن المركزي ـ ليقاتل في صفوف التنظيم بمحافظة أبين، لكن
التنظيم عرف تماما كيف يوظفه. وبدلا من أن يرسله ليقاتل في جبهة الكود أو
جبهة باجدار في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، أعاده إلى صنعاء ليفتح جبهة في
السبعين ضد قوات الأمن المركزي. لا أحد يدري كم لدى تنظيم القاعدة من هذه
النوعية ولا متى وكيف وأين سيستخدمهم، ولا أين يمكن أن يكونوا مزروعين، إذ
قد يكونون في أماكن تعني أية عملية فيها إعادة كل شيء إلى نقطة الصفر أو
إلى ما قبلها، لكن الجميع باتوا يدرون أن بمقدور التنظيم أن يصل إلى أكثر
الأماكن تحصينا وأن يفعل أكثر مما يفعله في الأماكن المفتوحة أو قليلة
التحصين.
والأكيد في الأمر هو أن منفذ العملية لم يكن عميلا مزدوجا، مثل
السعودي الذي أوكلت له عملية تفجير طائرة أمريكية بقنبلة مطورة تتجاوز
أجهزة الكشف في المطارات، إن كانت الرواية التي ساقتها وسائل الإعلام
الغربية صحيحة، وأنه (أي منفذ عملية السبعين) نفذ العملية ضد القوات التي
كان ينتسب إليها في السابق، لصالح من صار ينتسب إليهم لاحقا ومات من أجل
قضيتهم.
الحزام
حزام العملية يزن 7
كيلو جرام، ومحشو بثلاثة عشر ألف شظية، وبه مادتان شديدتا الانفجار c4 و
c3. وعبارة عن وجهين، في صدر المنفذ وفي ظهره، حتى تكون موجة الانفجار
دائرية كبيرة وتقضي على أكبر عدد ممكن من المستهدفين. الحزام أعاد إلى
أذهاننا مشهد من مشاهد بغداد ومقديشو.
لماذا صنعاء؟
طوال فترة الثورة
الشبابية لم يقم تنظيم القاعدة بأية عملية في العاصمة صنعاء، حتى لا يعطي
النظام مبررًا لسحق الشباب المنتفضين، تحت مسمى الحرب على الإرهاب، رغم أن
ظروف القيام بعمليات عديدة من هذا النوع كانت مهيأة جدا، نظرا لحجم
الانفلات الأمني في تلك الفترة، لكن شباب الثورة باركوا العمل العسكري ضد
التنظيم في محافظة أبين بعد الثورة.
ومشكلة الثورات العربية أنها التقت
في كثير من أهدافها مع أهداف تنظيم القاعدة، ومشكلة ثورة الشباب اليمني على
وجه التحديد أن القاعدة متواجدة في اليمن بقوة وأن للخارج نفوذا كبيرا في
الداخل، وخلق حالة من التنافر بين الأهداف يستدعي التنازل عن كثير منها،
لهذا السبب صارت الوصاية أقوى من ذي قبل، وصار التفريط بالسيادة ضرورة
وطنية بعد أن كان خيانة وطنية.
والمهم في الأمر هو أن الاعتبارات التي
أدت إلى إحجام التنظيم عن تنفيذ عمليات خاطفة في العاصمة صنعاء خلال الثورة
قد انتهت، وأننا قد نشاهد المزيد منها في الأيام القادمة.
وهو ما أكده
التنظيم في بيانه الأخير بقوله "ونذكر الطغمة العميلة المرتشية التي تقود
الجيش وقوات الأمن في اليمن بأن الحرب الأمريكية التي تدور رحاها في أبين
وتقتل فيها الطائرات الأمريكية والسعودية نساءنا وأطفالنا، أن هذه الحرب لن
تدور وأنتم في مأمن في صنعاء، وأننا سنثأر - بإذن الله - وستصلكم نار
الحرب في كل مكان، وأن ما حدث ليس إلا بداية لمشوار مشروع من الجهاد
والدفاع عن الأعراض والحرمات".
قبل فوات الأوان
بقدر ما
كانت عملية السبعين مأساوية إلا أنها قد تكون بداية لقادم أكثر سوءا، إن
استمرت الحكومة في ذات المعالجات الخاطئة. ولا تلوح في الأفق أية بوادر
لمعالجات فعالة، فالخيار الأمني في التعامل مع القاعدة هو الخيار الوحيد
المطروح حتى الآن، وكلما ازداد القلق الأمريكي يزداد لجوء الحكومة اليمنية
لهذا الخيار ثم تزداد الأزمة تعقيدًا، إذ كان من المفترض، بعد الانتصارات
التي قالت الحكومة إنها تحققت في محافظة أبين مؤخرا، أن يتراجع نشاط
التنظيم إلى حدوده الدنيا لا أن يحدث العكس، وهو ما يدعو إلى إعادة النظر
في صحة تلك الانتصارات أو في منطق اعتبارها انتصارات، فنحن أمام تنظيم لم
يعتبر السيطرة على الأرض نصرًا حتى تعتبر الحكومة فقدانه لها خسارة، بل يرى
أن السيطرة تقيده كثيرا في وضعه الحالي، على اعتبار أن حرب العصابات لا
تعتمد على امتلاك الأرض، لهذا قد يبدو تفاؤل الحكومة بعد انسحاب أنصار
الشريعة من لودر أمرًا ساذجًا جدًا، بالنسبة لأنصار الشريعة.
يجب أن
تدرك الحكومة أنها أمام خصم يختلف كليًة في طريقة تفكيره وفي أدوات عمله،
وأيضا في تعامله مع نتائج ما يجري، لأن الخسارة، بالنسبة له، لا تعني
الهزيمة على الإطلاق، ولا تعني من ناحية معنوية ما تعنيه لآخرين، بل تعني
عكس ذلك تماما. وحين يخرج أنصار الشريعة من محافظة أبين سيدخلون في حرب
عصابات مفتوحة، ساحتها جميع المحافظات اليمنية، وستدخل الحكومة في حرب مع
خصم لا تراه ولا تحصره حدود. وكان ما حدث في صنعاء يوم الاثنين الماضي
نموذجا لواحدة من العمليات التي قد نراها بشكل شبه يومي في أكثر من مكـان،
حتى وإن فسرت الحكومة اليمنية عملية السبعين بأنها دليل على حالة الضعف
التي يمر بها أنصار الشريعة "بعد الضربات الموجعة التي تعرضوا لها في
محافظة أبين مؤخرًا"، حد تعبيرها.
just_f