Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: عناية الإسلام بالمرأة السبت فبراير 18, 2012 6:38 pm | |
|
عناية الإسلام بالمرأة
أولاً: المرأة الجاهلية في القرآن الكريم:
1- الاستياء منها ودفنها حية:
قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58، 59]. قال البغوي: "وكان الرجل من العرب إذا وُلدت له بنت وأراد أن يستحيِيَها ألبسها جبةَ من صوف أو شعر وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها: زيِّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء، فإذا بلغ بها البئر قال لها: انظري إلى هذه البئر، فيدفعها من خلفها في البئر ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض"[1]. 2- حرمانها من الميراث: قال الله تعالى: {لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء:7]. قال سعيد بن جبير وقتادة: "كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء والأطفال شيئًا فأنزل الله: {لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء:7]"[2]. 3- إباحة حلائل الآباء لأبنائهم بعد الموت والجمع بين الأختين: قال الله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَـٰحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً} [النساء:22]. قال قتادة: "كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا أن الرجل كان يخلُف على حليلة أبيه ويجمعون بين الأختين"[3]. 4- عدم معاشرة الحائض في البيت: قال الله تعالى: {وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]. قال قتادة: "كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ولا تؤاكلهم في إناء؛ فأنزل الله تعالى في ذلك، فحرم فرجَها ما دامت حائضًا، وأحلَّ ما سوى ذلك؛ أن تصبغ لك رأسك وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزار فتحجزه به دونك"[4]. 5- التبرّج: قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ} [الأحزاب:33]. قال مجاهد: "كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرّج الجاهلية"[5]. ________________________________________ [1] معالم التنزيل (5/25). [2] انظر: تفسير ابن كثير (1/465). [3] جامع البيان (3/393). [4] جامع البيان (2/393). [5] تفسير ابن كثير (3/768) ط. التجارية. ثانيًا: وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واستوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرتَه، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا))[1]. قال الطيبي: "والمعنى: أوصيكم بهن خيرًا، فاقبلوا وصيتي فيهن، ((فإنهن خلقن من ضلع)) أي: خلقن خلقًا فيه اعوجاج، وكأنهن خلقن من أصل معوجٍّ، فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن"[2]. قال الشيخ ابن عثيمين: "وفي هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاشرة الإنسان لأهله، وأنه ينبغي أن يأخذ منهم العفو وما تيسر كما قال تعالى: {خُذِ ٱلْعَفْوَ} [الأعراف:199]، يعني: ما عفا وسهل من أخلاق الناس، {وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ} [الأعراف:199]"[3]. ________________________________________ [1] أخرجه البخاري في النكاح، باب: الوصاة بالنساء (5185، 5186)، ومسلم في الرضاع (1468). [2] شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (6/306). [3] شرح رياض الصالحين (5/139-140). ثالثًا: حق المرأة في العبادة: 1- الأصل مساواة المرأة للرجل في الأحكام الشرعية: والدليل على ذلك: أ- أن مناط التكليف بأحكام الشريعة الإسلامية كون الإنسان بالغًا عاقلاً لحديث: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق))([1])، فإذا بلغ الإنسان الحلم وكانت أقواله وأفعاله جارية وفقًا للمألوف المعتاد بين الناس مما يستدلُّ به على سلامة عقله حُكِم بتكليفه بأحكام الشريعة لتوفُّر مناط التكليف، والمرأة يتحقق فيها هذا المعنى كما يتحقق في الرجل[2]. ب- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال))[3]. قال الخطابي: "أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شُقِقن من الرجال. وفيه من الفقه... أنّ الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابًا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها"[4]. ج- أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الرجال والنساء جميعا. قال ابن حزم: "ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثًا إلى الرجال والنساء بعثًا مستويًا وكان خطاب الله تعالى وخطاب نبيه صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء واحدًا لم يجز أن يخَصَّ بشيء من ذلك الرجالُ دون النساء إلا بنصّ جليّ أو إجماع"[5]. وقال أيضًا: "وقد تيقنَّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهن كما هو إلى الرجال، وأن الشريعة التي هي شريعة الإسلام لازمة لهن كلزومها للرجال، وأيقنَّا أن الخطاب بالعبادات والأحكام متوجِّه إليهن كتوجُّهه إلى الرجال إلا ما خصَّهن أو خصَّ الرجالَ منهن دليلٌ، وكل هذا يوجب أن لا يُفرد الرجالُ دونهن بشيء قد صحَّ اشتراكُ الجميع فيه إلا بنص أو إجماع"[6]. 2- إسقاط بعض العبادات عن المرأة نظرًا لطبيعتها: وهذا له صور كثيرة منها: أ- إسقاط الصلاة والصوم عن الحائض والنفساء: قال صلى الله عليه وسلم: ((أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟! فذلك نقصان دينها))[7]. قال النووي: "أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال"[8]. وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن البخاري([9]) في بيان الحكمة من ذلك: "علِم الله تعالى ضعفَ النساء وفتورَهن إذ هو خَلَقهن فأحبَّ أن يضع عنهن بعضَ العبادات ترفيهًا في حقِّهن وتخفيفًا لهن، فكان أليقَ الأحوال بالوضع حالةُ الحيض إذ هي متلوثةٌ بأشد الأشياء لوثًا سماه الله تعالى أذًى بقوله: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، وهو الدم المخصوص بالرحم يترشَّح فيه من جميع الأعضاء، ويجتمع في الرحم، ثم يخرج في هذه الأيام المعدودة، فوضع الله تعالى عنها كلَّ عبادة تختصُّ بالطهارة نحو الصلاة وقراءة القرآن ومسِّ المصحف ودخول المسجد والطوافِ بالبيت، وجعل الطهارة عن الحيض شرطًا لأداء الصوم، وإذا كان الصوم لا يختصُّ بالطهارة عن سائر الأحداث إظهارًا لفحش هذه الحالة وإظهارًا لشرف هذه العبادة، فوضع العبادات عنها ونهاها عن إقامة شيء من هذه العبادات لتنتهي بنهي الله تعالى، فيحصل لها ثواب الانتهاء كما يحصل لها ثواب الائتمار حالة الطهر"[10]. ب- إلزامها بقضاء الصوم دون الصلاة بعد زوال الحيض: عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! فقال: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة[11]. قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن عليها الصوم بعد الطهر، ونفى الجميع عنها وجوب الصلاة"[12]. قال ابن حجر: "والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام"[13]. ج- وضع الصيام عن الحامل والمرضع: عن أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام))[14]. قال ابن قدامة: "وجملة ذلك أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم بين أهل العلم اختلافًا؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم"[15]. د- إسقاط طواف الوداع عن الحائض: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفِّف عن الحائض[16]. قال الخرقي: "والمرأة إذا حاضت قبل أن تودِّع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية"، قال ابن قدامة: "وهذا قول عامة فقهاء الأمصار"[17]. ________________________________________ [1] أخرجه أحمد (6/100-101)، وأبو داود في الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدًا (4398)، والنسائي في الطلاق، باب: من لا يقع طلاقه من الأزواج (3432)، وابن ماجه في الطلاق، باب: طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041)، وصححه الحاكم (2/59)، ووافقه الذهبي، وخرجه الألباني في الإرواء (297) وقال: "صحيح". [2] المفصل في أحكام المرأة (4/ 176). [3] أخرجه أحمد (6/ 256)، وأبو داود في الطهارة، باب: في الرجل يجد البلة في منامه (236)، والترمذي في الطهارة، باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلامًا (113) عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي بشواهده (1/190-192)، والألباني في السلسلة الصحيحة (2863). [4] معالم السنن (1/161). [5] الإحكام في أصول الأحكام (3/337). [6] الإحكام في أصول الأحكام (3/341-342). [7] أخرجه البخاري في الحيض، باب: ترك الحائض الصوم (304)، ومسلم في الإيمان (79) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. [8] شرح صحيح مسلم (1/637). [9] هو من علماء الحنفية، توفي في جمادى الآخرة سنة 546هـ. انظر: الجواهر المضية، وأبجد العلوم (2/497). [10] محاسن الإسلام (ص 35). [11] أخرجه البخاري في الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة (321)، ومسلم في الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (335). [12] الأوسط (2/203). [13] فتح الباري (1/502). [14] أخرجه الترمذي في الصوم، باب: ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع (715)، والنسائي في الصيام، ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك (2274)، وقال الترمذي: "حسن"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (575). [15] المغني (4/ 394). [16] أخرجه البخاري في الحج، باب: طواف الوداع (1755)، ومسلم في الحج (1328). [17] المغني (5/341). رابعًا: العناية بالمرأة في العرض والكرامة: جعل الشرع للحفاظ على عرض المرأة وصيانة كرامتها أحكامًا كثيرة، منها: 1- الأمر بالقرار في البيوت: قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. قال القرطبي: "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخصُّ جميعَ النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[1]. 2- الأمر بالحجاب: قال الله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59]. قال ابن عطية: "لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة، وكنّ يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكر فيهن؛ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهن بإدلاء الجلابيب ليقع سترهن، ويبين الفرق بين الحرائر والإماء فيعرف الحرائر بسترهن"[2]. قال: "وقوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] أي: على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عُرفن لم يقابلن بأذًى من المعارَضَة[3] مراقبةً لرتبة الحرية، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى يعلم من هي"[4]. 3- النهي عن التبرج: قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب:33]. قال الشيخ ابن باز: "ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة، لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذِّر أمهاتِ المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة"[5]. 4- الأمر بغض الأبصار وحفظ الفروج: قال الله تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31]. قال ابن كثير: "هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات، وغيرة منه لأزواجهن عبادِه المؤمنين، وتمييزٌ لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات"[6]. قال الشيخ ابن باز: "فأمر المؤمنات بغضّ البصر وحفظ الفرج كما أمر المؤمنين بذلك صيانةً لهن من أسباب الفتنة وتحريضًا لهن على أسباب العفة والسلامة"[7]. 5- النهي عن إظهار الزينة لغير المحارم: قال الله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]. قال ابن كثير: "أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: (كالرداء والثياب) يعني: على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلِّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه"[8]. قال الأستاذ سيد قطب: "والزينة حلالٌ للمرأة تلبيةً لفطرتها، فكلُّ أنثى مولعةٌ بأن تكون جميلةً وأن تبدوَ جميلة، والزينة تختلف من عصر إلى عصر، ولكن أساسها في الفطرة واحدٌ هو الرغبة في تحصيل الجمال أو استكماله وتجليته للرجال، والإسلام لا يقاوم هذه الرغبةَ الفطرية، ولكنه ينظِّمها ويضبطها ويجعلها تتبلور في الاتجاه بها إلى رجل واحد هو شريك الحياةِ، يطَّلع منها على ما لا يطَّلع أحد سواه، ويشترك معه في الاطلاع على بعضها المحارمُ المذكورون في الآية بعد، ممن لا يثير شهواتهم ذلك الاطلاعُ"[9]. 6- النهي عن الخضوع بالقول: قال الله تعالى: {يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]. قال ابن كثير: "ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانبَ كما تخاطب زوجها"[10]. قال الشوكاني: "أي: لا تُلنَّ القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المرِيبَات من النساء فإنه يتسبَّب عن ذلك مفسدة عظيمة، وهي قوله: {فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] أي: فجور وشكّ ونفاق"[11]. 7- تحريم الخلوة بالأجانب وتحريم سفرها بلا محرم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجةً، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلق فحج مع امرأتك))[12]. قال ابن حجر: "فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع"[13]. قال القاضي عياض: "والمرأة فتنةٌ ممنوعٌ الانفراد بها لما جُبِلت عليه نفوسُ البشر من الشهوة فيهن، وسُلِّط عليهم الشيطانُ بواسطتهن، ولأنهن لحم على وَضَم[14] إلا ما ذُبّ عنه، وعورةٌ مضطرة إلى صيانة وحفظٍ وذِي غيرة يحميها ويصونها، وطبع الله في ذوي المحارم من الغيرة على محارمهم والذبِّ عنهن ما يؤمَن عليهن في السفر معهم ما يُخشى"[15]. 8- التحذير من الدخول على النساء لغير المحارم: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))[16]. قال القرطبي: "قوله: ((الحمو الموت)) أي: دخوله على زوجة أخيه يشبه الموتَ في الاستقباح والمفسدة، أي: فهو محرَّم معلوم التحريم، وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبَّهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلفِهم ذلك، حتى كأنه ليس بأجنبيٍّ من المرأة عادة، وخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه يفضي إلى الموت، وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه"[17]. 9- الابتعاد عن مخالطة الرجال حتى في أماكن العبادة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها))[18]. قال القرطبي: "فأما الصفُّ الأول من صفوف النساء فإنما كان شرًا من آخرها لما فيه من مقاربة أنفاس الرجال للنساء، فقد يخاف أن تشوّش المرأة على الرجل والرجل على المرأة"[19]. قال النووي: "وإنما فضَّل آخرَ صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذمَّ أوَّل صفوفهن لعكس ذلك"[20]. قال الشيخ ابن باز: "وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة علماءَ الأمة إلى التحذير منه حذرًا من فتنته، بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) حذرًا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء، وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريُّث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهنَّ الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعًا رجالاً ونساء من الإيمان والتقوى، فكيف بحال مَن بعدهم؟! وكانت النساء يُنهَين أن يتحقَّقن الطريقَ ويُؤمَرن بلزوم حافّات الطريق حذرًا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسَّة بعضهم بعضًا عند السير في الطريق"[21]. 10- التشديد في خروج المرأة متعطِّرة: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية))[22]. قال المباركفوري: "لأنها هيَّجت شهوةَ الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنا العين، فهي آثمة"[23]. 11- الغيرة على النساء: قال الشيخ محمد أحمد المقدم: "إن من آثار تكريم الإسلام للمرأة ما غرسه في نفوس المسلمين من الغيرة، ويقصد بالغيرة تلك العاطفة التي تدفع الرجل لصيانة المرأة عن كل محرَّم وشين وعار، ويعدُّ الإسلام الدفاعَ عن العرض والغيرةَ على الحريم جهادًا يبذل من أجله الدم، ويضحَّى في سبيله بالنفس، ويجازي فاعلَه بدرجة الشهيد في الجنة، فعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد))[24]، بل يعدُّ الإسلام الغيرةَ من صميم أخلاق الإيمان، فمن لا غيرة له لا إيمان له، ولهذا كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أغيرَ الخلق على الأمة، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غيرَ مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((تعجبون من غيرة سعد؟! واللهِ، لأنا أغير منه، واللهُ أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)) الحديث[25]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه))[26]. وإن من ضروب الغيرة المحمودة أنَفَةَ المحب وحميَّته أن يشاركه في محبوبه غيرُه، ومن هنا كانت الغيرة نوعًا من أنواع الأثرة لا بد منه لحياطة الشرف وصيانة العرض، وكانت أيضًا مثارَ الحمية والحفيظة فيمن لا حميةَ له ولا حفيظة. وضدُّ الغيور الديُّوث، وهو الذي يقرُّ الخبثَ في أهله أو يشتغل بالقيادة، قال العلماء: الديوث الذي لا غيرةَ له على أهل بيته، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث)) الحديث[27]. إن الغيرةَ على حرمة العفَّة ركنُ العروبة وقوام أخلاقها في الجاهلية والإسلام؛ لأنها طبيعة الفطرة البشرية الصافية النقية، ولأنها طبيعة النفس الحرة الأبية"[28]. ________________________________________ [1] الجامع لأحكام القرآن (14/ 176). [2] المحرر الوجيز (4/399). [3] أي: لم يعترض عليهن أحد. [4] المحرر الوجيز (4/399). [5] حكم السفور والحجاب، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 14، 1405هـ - 1406هـ. [6] تفسير القرآن العظيم (3/311). [7] التبرج والسفور، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 14. [8] تفسير القرآن العظيم (3/312). [9] في ظلال القرآن (4/2512). [10] تفسير القرآن العظيم (3/531). [11] فتح القدير (4/277). [12] أخرجه البخاري في الحج، باب: حج النساء (1862)، ومسلم في الحج (1341). [13] فتح الباري (4/92). [14] الوضم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو باريّة يوقى به من الأرض. مختار الصحاح (ص302). [15] إكمال المعلم (4/448). [16] أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة (5232)، ومسلم في الأدب (2083). [17] المفهم (5/501). [18] أخرجه مسلم في الصلاة (349). [19] المفهم (). [20] شرح صحيح مسلم (4/159-160). [21] حكم الاختلاط في التعليم، نشر مجلة البحوث الإسلامية. العدد 15/ 1406هـ. [22] أخرجه أبو داود في الترجل، باب: في طيب المرأة للخروج (4167)، والترمذي في الاستئذان، باب:ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة (2937)، والنسائي في الزينة، باب: ما يكره للنساء من الطيب (5126) واللفظ له، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في اية المرام (84). [23] تحفة الأحوذي (8/58). [24] أخرجه أحمد (1/190)، وأبو داود في السنة، باب: في قتل اللصوص (4772)، والترمذي في الديات، باب: ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد (1418)، وابن ماجه في الحدود، باب: من قتل دون ماله فهو شهيد (2580)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3/119)، والألباني في إرواء الغليل (708). [25] رواه البخاري في المحاربين، باب: من رأى مع امرأته رجلاً فقتله (6846)، ومسلم في اللعان (1499). [26] رواه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5223)، ومسلم في التوبة (2761). [27] أخرجه أحمد (2/134)، والنسائي في الزكاة، باب: المنان بما أعطى (2561)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (9/34)، والألباني في صحيح سنن النسائي (2402). [28] عودة الحجاب (3/114-115). خامسًا: المرأة في المجتمع: للمرأة في المجتمع المسلم مكانة عظيمة وحقوق تتمتّع بها، ومن ذلك: 1- تحريم عقوق الأمَّهات: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات ووأد البنات ومنعَ وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرةَ السؤال وإضاعة المال))[1]. قال ابن حجر: "قيل: خصَّ الأمهاتِ بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء، ولينبِّه على أن برَّ الأم مقدَّم على برِّ الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك"[2]. 2- تقديم الأم في البر على الأب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك))[3]. قال النووي: "وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرةُ تعبها عليه وشفقتها وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك"[4]. 3- تحريم وأد البنات: عن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات...)) الحديث[5]. قال النووي: "وأما وأد البنات فهو دفنهنَّ في حياتهن فيمُتن تحت التراب، وهو من الكبائر الموبقات؛ لأنه قتل نفس بغير حق، ويتضمن أيضًا قطيعة الرحم، وإنما اقتصر على البنات لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله"[6]. 4- الحثّ على تربية البنات وفضله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار))[7]. قال ابن حجر: "وفي الحديث تأكيد حقِّ البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بصالح أنفسهن، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال"[8]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو)) وضمَّ أصابعه[9]. قال النووي: "فيه فضل الإحسان إلى البنات والنفقة عليهن والصبر عليهن وعلى سائر أمورهن"[10]. 5- حقّ المرأة في التعلُّم: أ- فضل تعليم الرجلِ أهلَه: قال البخاري في صحيحه: "باب تعليم الرجل أمته وأهله". وأخرج عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران))[11]. قال ابن حجر: "مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس؛ إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء"[12]. ب- الإمام الأعظم يعظ النساء ويعلمهن: قال البخاري في صحيحه: "باب عظة الإمام النساء وتعليمهن". ثم أخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال، فظنَّ أنه لم يُسمع، فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي القرطَ والخاتمَ، وبلال يأخذ في طرف ثوبه[13]. قال ابن حجر: "نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصًا بأهلهن، بل ذلك مندوب للإمام الأعظم ومن ينوب عنه، واستُفيد التعليم من قوله: (وأمرهن بالصدقة) كأنه أعلمهن أن في الصدقة تكفيرًا لخطاياهن"[14]. قال ابن بطال: "فيه أنه يجب على الإمام افتقاد أمور رعيته وتعليمهم ووعظهم، الرجال والنساء في ذلك سواء، لقوله عليه السلام: ((الإمام راع ومسئول عن رعيته))[15]، فدخل في ذلك الرجال والنساء"[16]. ج- الحائض يرغَّب لها تعلُّم أمور دينها: عن أم عطية قالت: أُمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيَّض عن مصلاهن[17]. قال الحافظ: "فيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد"[18]. د- تخصيص النساء بأيام خاصة لتعليمهن: قال البخاري: "باب: هل يُجعل للنساء يومٌ على حدة في العلم؟". ثم أخرج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: ((ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار))، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: ((واثنين))[19]. قال ابن بطال: "وفيه سؤال النساء عن أمور دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك فيما لهن الحاجة إليه، وقد أخذ العلم عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيرهن من نساء السلف"[20]. قال ابن الجوزي: "المرأة شخص مكلَّف كالرجل، فيجب عليها طلب علم الواجبات عليها لتكون من أدائها على يقين. فإن كان لها أب أو أخ أو زوج أو محرَم يعلِّمها الفرائض ويعرِّفها كيف تؤدي الواجبات كفاها ذلك، وإن لم تكن سألت وتعلَّمت، فإن قدرت على امرأة تعلمت ذلك وتعرفت منها، وإلا تعلمت من الأشياخ وذوي الأسنان من غير خلوة بها، وتقتصد على قدر اللازم، ومتى حدثت لها حادثة في دينها سألت ولم تستحي؛ فإن الله لا يستحيي من الحق"[21]. وقال الشيخ عبد الله آل محمود: "إن المرأة كالرجل في تعلُّم الكتابة والقراءة والمطالعة في كتب الدين والأخلاق وقوانين الصحة والتدبير وتربية العيال ومبادئ العلوم والفنون من العقائد الصحيحة والتفاسير والسير والتاريخ وكتب الحديث والفقه، كل هذا حسن في حقها تخرج به عن حضيض جهلها، ولا يجادل في حُسنه عاقلٌ، مع الالتزام بالحشمة والصيانة وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب"[22]. وقال الشيخ أحمد الحصين: "إن الله لم يحرم تعليم الفتاة، إنما حثَّ على تعليمها، ولكن نجد اليوم بنات المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي يدرُسن موادَّ لا تصلح لأنوثتهن وطبيعتهن التي خلقها الله، فهي تخالف تكوينها الجسمي مثل الجيولوجيا والكيمياء والتنقيب عن البترول، والطامة الكبرى أننا نرى الفتيات المسلمات يسافرن إلى بلاد أوروبا أو بلاد الشيوعية للدراسة والتعليم، وهذا يكون محرّمًا عليهن، ومن ثم نرى التعليم اليوم في أغلب بلاد العالم العربي والإسلامي بعيدًا كل البعد عن الدين وشئون المرأة الذي يسير مع تكوينها الجسمي والعقلي، ومن ثم المنهج التعليمي التربوي أكثره تضعه هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة التي لا تعرف عن ديننا إلا ما تتلقاه من المستشرقين والمبشرين، فحين أمرنا الإسلام بتعليم الإناث أمرَ بتعليمهن الأشياء التي تصلح لمقوِّمات الحياة التي تليق بالمرأة والتي تحتاج إليها كربَّة بيتٍ مشرفة على شئون منزلها مثل التطريز والخياطة والطهي وتربية الأولاد وتعليمهن الدين من عقائد وعبادات وتهذيب وسيرة وغيرها من العلوم النافعة التي تنفعها في الدنيا والآخرة، ولكن الأيدي الخفية لا ترى هذا، إنها تريد تدميرها وانحرافها عن طريق الحق إلى طريق الهاوية"[23]. 6- المرأة والعمل: أ- الأصل في المرأة قرارها في البيت: قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. قال القرطبي: "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخصُّ جميعَ النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[24]. ب- واجب المرأة في بيتها: إن واجب المرأة في بيتها هو القيام بأعمال البيت وما تتطلبه الحياة الزوجية والوفاء بحق الزوج عليها، وقيامها بشؤون أولادها وتربيتهم وخدمتهم. وهذه الواجبات كثيرة جدًا ومتعِبة، وتحتاج إلى تفرغ المرأة لها، وبالتالي لا يمكنها عادةً وغالبًا القيامُ بالعمل المباح لها خارجَ البيت إلا على حساب التفريط بهذه الواجبات والتقصير في أدائها إن لم نقل إهمالها، وحيث إن من أصول الحقوق والواجبات عدمَ جواز مزاحمة ما هو حق للإنسان لما هو واجب عليه فلا يجوز أن يزاحمَ عملُ المرأة المباحُ لها واجباتِ المرأة في البيت[25]. ج- ضمان النفقة للمرأة: قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ} [الطلاق:7]. قال القرطبي: "أي: لينفق الزوج على زوجته وعلى ولده الصغير على قدر وُسعه حتى يوسِّع عليهما إذا كان موسَّعًا عليه، ومن كان فقيرًا فعلى قدر ذلك"[26]. وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عرفة: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))[27]. قال النووي: "فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع"[28]. قال ابن قدامة: "وفيه ضربٌ من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب، فلا بد من أن ينفق عليها كالعبد مع سيده"[29]. قال الدكتور عبد الله الطريقي: "المرأة باعتبارات شرعية اقتضتها متطلبات حالها الملزمة للستر والعفاف مُنعت من مخالطة الرجال لأجل كسب القوت، وجُعل الإنفاق عليها حقًا على الغير من زوج أو قريب لكونها زوجًا أو أمًا أو بنتًا أو قريبة ذات رحم محرم عليها، فلها حق الرعاية والإنفاق متى ما كانت مستحقة لذلك"[30]. د- الضرورة تبيح العمل للمرأة: قال الشيخ عبد الكريم زيدان: "وإذا كان الأصل في عمل المرأة خارجَ البيت هو المنع والحظر فإن الجواز هو الاستثناء إذا اقتضت الضرورة ذلك؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، وهي من القواعد الثابتة في الشريعة الإسلامية التي لا خلاف فيها، فإذا اقتضت ضرورةٌ اكتسابَ المرأة عن طريق العمل المشروع ما تسدُّ به متطلَّبات معيشتها جاز لها هذا العمل"[31]. ومن أدلة ذلك: 1- قول الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:22]. قال الشيخ عبد الكريم زيدان: "ووجه الدلالة بالآية الكريمة أن شعيبًا عليه السلام أذن لابنتيه أن تسقيا الأغنام خارج البيت من ماء مدين؛ لأنه في حالة عجز عن القيام بمهمة السقي، فهو إذًا في حالة ضرورة أباحت له أن يأذن لابنتيه بالقيام بهذا العمل"[32]. 2- عن أسماء بنت أبي بكر رض الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرِزُ غَربَه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صِدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ... الحديث[33]. بين ابن حجر أن السبب الحامل لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما على الصبر على هذه الأعمال الشاقّة التي جاءت في هذا الحديث وسكوت زوجها وأبيها على ذلك هو انشغالهما بالجهاد وغيره مما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الزبير رضي الله عنه لا يتفرغ للقيام بهذه الأعمال التي كانت تقوم بها، وأيضًا لم يكن باستطاعته أن يستأجر من يقوم له بهذه الأعمال، ولم يكن عنده مملوك يقوم له بهذه الأعمال، فانحصر الأمر في زوجته[34]. قال الشيخ عبد الكريم زيدان: "وفي قصة أسماء وحملها النوى من أرض بعيدة عن بيتها لحاجة زوجها لهذا العمل واطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على حالها وفعلها وسكوته صلى الله عليه وسلم دليل واضح على جواز عمل المرأة خارج البيت إذا كان هناك ضرورة لعملها"[35]. هـ- شروط عمل المرأة: 1- الالتزام بالحجاب الشرعي. 2- الأمن من الفتنة كالاختلاط بالرجال أو الخلوة بهم. 3- إذن الولي. 4- أن لا يستغرق العمل وقتها أو يتنافى مع طبيعتها. 5- أن لا يكون في العمل تسلّط على الرجال. والهدف من اشتراط هذه الشروط هو بناء مجتمع متكامل مترابط، وتهذيب الأمة وتربيتها على المثل العليا والخلق الحميد، ووقاية الأفراد من الأمراض الاجتماعية والنفسية والخلقية[36]. ________________________________________ [1] رواه البخاري في الاستقراض، باب: ما ينهى من إضاعة المال (2408)، ومسلم في الأقصية (1715). [2] فتح الباري (5/83). [3] أخرجه البخاري في الأدب، باب: من أحق الناس بحسن الصحبة؟ (597)، ومسلم في البر (2548). [4] شرح صحيح مسلم (16/102). [5] رواه البخاري في الاستقراض، باب: ما ينهى من إضاعة المال (2408)، ومسلم في الأقصية (1715). [6] شرح صحيح مسلم (12/12). [7] أخرجه البخاري في الأدب، باب: رحمة الولد (5995)، ومسلم في البر (2629). [8] فتح الباري (10/443). [9] رواه مسلم في البر (2631). [10] شرح صحيح مسلم (16/179). [11] صحيح البخاري: كتاب العلم (97). [12] فتح الباري (1/229). [13] صحيح البخاري: كتاب العلم (98)، ومسلم في صلاة العيدين (884). [14] فتح الباري (1/232). [15] صحيح البخاري: الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن (893)، ومسلم في الامارة (1829) عن ابن عمر رضي الله عنهما. [16] شرح صحيح البخاري (1/175). [17] أخرجه البخاري في الصلاة، باب: وجوب الصلاة في الثياب (351)، ومسلم في صلاة العيدين (890). [18] فتح الباري (1/505). [19] صحيح البخاري: كتاب العلم (101)، ومسلم في البر (2633). [20] شرح صحيح البخاري (1/178). [21] انظر: أحكام النساء (ص25). [22] انظر: المرأة المسلمة أمام التحديات لأحمد الحصين (ص 64-65). [23] المرأة المسلمة أمام التحديات (ص 66-67). [24] الجامع لأحكام القرآن (14/ 176). [25] المفصل في أحكام المرأة (4/265). [26] الجامع لأحكام القرآن (18/170). [27] رواه مسلم في الحج (1218). [28] شرح صحيح مسلم (8/184). [29] المغني (11/348). [30] نفقة المرأة الواجبة على زوجها، نشر مجلة البحوث الإسلامية، عدد 19، 1407هـ. [31] المفصل في أحكام المرأة (4/267-268). [32] المفصل في أحكام المرأة. [33] أخرجه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5224). [34] انظر: فتح الباري (9/235). [35] المفصل في أحكام المرأة (4/270). [36] انظر: عمل المرأة وموقف الإسلام منه للدكتور عبد الرب نواب الدين (ص 182-196). سادسًا: حق المرأة في المال: 1- حق المرأة في المال كحق الرجل: تتمتع المرأة بالحقوق الخاصة المالية كالرجل، فلها أن تكتسب المال بأسباب كسبه المشروعة كالإرث، قال تعالى: {لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء:7][1]. 2- مباشرة المعاملات المختلفة: للمرأة أن تباشر المعاملات المختلفة لكسب المال كالإجارة، قال تعالى في استئجار الظئر لإرضاع الطفل: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة:233]. قال الكاساني: "نفى الله سبحانه وتعالى الجناح عمّن يسترضع ولدَه، والمراد منه الاسترضاع بالأجرة بدليل قوله تعالى: {إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] بعد قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة:233]"[2]. 3- التوكيل في المعاملات: وللمرأة أن توكِّل من تشاء في سائر ما تملكه من تصرُّفات كالبيع والشراء وغير ذلك كما يجوز لها أن تتوكَّل على غيرها. قال ابن قدامة: "وكل من صحَّ تصرُّفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صحَّ أن يوكَّل فيه رجلاً كان أو امرأة حرًا كان أو عبدًا"[3]. وقال أيضًا: "لا نعلم خلافًا في جواز التوكيل في البيع والشراء، وقد ذكرنا الدليل عليه من الآية والخبر، ولأن الحاجة داعية إلى التوكيل فيه؛ لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق، وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه، وقد يحسن ولا يتفرغ، وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة"[4]. ________________________________________ [1] المفصل في أحكام المرأة (4/291). [2] انظر: المفصل في أحكام المرأة (4/291). [3] المغني (7/197). [4] المغني (7/198). سابعًا: حقوق المرأة الزوجية: 1- استئذانها في التزويج: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن))، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت))[1]. قال ابن تيمية: "المرأة لا ينبغي لأحد أن يزوِّجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهن ذلك لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوِّجها ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين، وأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها، واختلف العلماء في استئذانها: هل هو واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب"[2]. 2- المهر: قال تعالى: {وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]. قال القرطبي: "هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه"[3]. قال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن البخاري: "ومن محاسن النكاح أن لم يشرع في حق النساء إلا بصداق، قال الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ} [النساء:24]، فإنها لو حلَّت بغير بدل لكان في ذلك ذلّ وضاعت بأسرع الأوقات، فلم يشرع عقد النكاح إلا ببدل يلزمه ليكون خوفُ المطالبة بالصداق مانعًا له عن الطلاق فيدوم، وإذا دام حصل مقصود البقاء والتوالد"[4]. 3- وجوب النفقة والكسوة: في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عرفة: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))[5]. قال النووي: "فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع"[6]. 4- وجوب السكنى: قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مّن وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6]. قال الماوردي: "يعني سكن الزوجة مستحَقّ على زوجها مدَّةَ نكاحها وفي عدَّة طلاقها بائنًا كان أو رجعيًا"[7]. 5- حفظ دين الزوجة: قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ} الآية [التحريم:6]. قال قتادة: "يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتَهم وزجرتهم عنها"[8]. 6- المعاشرة بالمعروف: قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} [النساء:19]. قال ابن كثير: "أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[9]، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائمَ البشر، يداعب أهلَه ويتلطَّف بهم ويوسعهم نفقةً، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها يتودَّد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملتُ اللحم فسبقني فقال: ((هذه بتلك))[10]، ويجمع نساءه كلَّ ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلَّى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]"[11]. 7- العدل بين الزوجات: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل))[12]. قال شمس الحق أبادي: "والحديث دليل على أنه يجب على الزوج التسوية بين الزوجات ويحرم عليه الميل إلى إحداهن"[13]. 8- الوفاء للزوجة بعد موتها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غِرت على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاةَ ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة!! فيقول: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد))[14]. قال النووي: "في هذا دليل لحسن العهد وحفظ الودِّ ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب"[15]. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، ________________________________________ [1] أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما (5136). [2] مجموع الفتاوى (32/39-40). [3] الجامع لأحكام القرآن (5/24). [4] محاسن الإسلام (ص46). [5] رواه مسلم في الحج (1218). [6] شرح صحيح مسلم (8/184). [7] النكت والعيون (6/32). [8] انظر: جامع البيان (12/157). [9] رواه الترمذي في المناقب، باب: فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (3895 ) وقال: "حسن غريب صحيح"، وابن ماجة في النكاح، باب: حسن معاشرة النساء (1977)، والدارمي في النكاح، باب: في حسن معاشرة النساء، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (285). [10] رواه أحمد (6/264)، وأبو داود في الجهاد، باب: في السبق على الرجل (2578)، وابن حبان في صحيحه: كتاب السير، ذكر إباحة المسابقة بالأقدام (4691)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السبق والرمي باب: ما جاء في المسابقة بالعدو، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (131). [11] تفسير ابن كثير (1/477). [12] رواه أبو داود في النكاح، باب: في القسم بين النساء (2133)، والترمذي في النكاح، باب: ما جاء في التسوية بين الضرائر (1141)، وابن ماجه في النكاح، باب: القسمة بين النساء (1969 )، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2/400). [13] عون المعبود (6/112). [14] رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها (3818)، ومسلم في الفضائل (2437). [15] شرح صحيح مسلم (15/202).
just_f
| |
|