الحياة نورة الشبل :
تشهد دائرة العلاقة بين رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبنين والبنات - في بعض حالاتها - نوعاً من المشادة والممانعة، فلم تعد البنت تكتفي بالصمت والإذعان لما تُؤمر به، كما كانت عليه في السابق - بحسب رأي الأغلبية - بل أصبحت تجادل، وهذا ما يعده المراقبون أمراً لافتاً في تطور العلاقة. وهو ما تعلق عليه الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة فوزية البكر بقولها: «إن العلاقة بين رجال الحسبة والجيل الجديد (ذكوراً وإناثاً) بدأت تأخذ شكلاً جديداً ومختلفاً عما كانت عليه في الماضي، إذ اعتادت الهيئة فيه من الطرف المقابل لها، الخضوع الكامل والتسليم»، مرجعة سبب ذلك إلى الخوف وعدم وضوح طبيعة العلاقة بين الأطراف، إضافة إلى عدم وضوح القوانين التي تضبط عمل الهيئة في الأماكن العامة، ما أدى إلى كثير من سوء الفهم والتجاوزات خلال السنة الماضية.
وأضافت: «اليوم يوجد شكل جديد لعلاقة السلطة بالمواطن، يتشكل عبر مفردات الجيل الجديد في علاقته بالهيئة وممارساتها، فمفهوم السلطة لدى هذا الجيل لم يعد مطلقاً عمودياً ينطلق من القمة إلى القاعدة، كما كان، أي من الأقوى رسمياً أو قانونياً أو ثقافياً ليأخذه كحق طبيعي مطلق يجب التسليم به وعدم مناقشته».مؤكدةً أن هذا الجيل لا يؤمن بهذه المسلمات حتى في علاقته بالأشكال الأخرى للسلطة، كعلاقة الآباء بالأبناء، أو علاقة المعلمين بالطلبة، أو علاقة السلطة السياسية بالمواطن، وهي الأخرى تمر بكل أشكال الارتباك الممكنة في الوقت الحاضر.
وشددت البكر على هذه الهيئات الاجتماعية المختلفة، ومن ضمنها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن تأخذ بعين الاعتبار هذه التغيرات الثقافية والقيمية الكبيرة، معتبرةً أن الهيئة ظلت تمارس عملها بالأشكال المطلقة وغير المحددة ذاتها، حتى بدأت الشكوى الاجتماعية تثور عليها.
مشيرة إلى أن الجيل الماضي كان يكتفي بشكواه فينثرها عبر جلساته المغلقة وأحاديثه الخاصة، أما الجيل الجديد فبدأ يعبر عن رفضه لهذا الشكل المطلق للسلطة، عبر ردود أفعاله الصريحة على تصرفات الهيئة تجاهه، وهو ما رآها البعض تحدياً صارخاً لسلطات الهيئة، بسبب انفتاحه وانتشار مفاهيم الديموقراطية والحق الإنساني وحقوق ومشاركة المواطن إلى غير ذلك من القيم العولمية المختلفة.
وتساءلت البكر هل تقوم الفتيات فعلاً باستفزاز رجال الهيئة؟ وهل هو استفزاز أم رفض لهذا الشكل المطلق من السلطة، وماذا سيحدث للفتاة في المجمعات فعلاً لو لم تتمكن الهيئة من أداء عملها بالشكل المطلوب؟ وذكرت أن هناك بعض الحالات الفردية التي لا يقاس عليها، غير أن السواد الأعم من الفتيات لا يملكن الجرأة لإعلان التحدي العام في الشارع إلا بأشكال بسيطة، وما يتم هو فقط شكل من أشكال التعبير عن الرغبة في خلق علاقة أكثر توازناً مع أية سلطة عامة، وهو حق مشروع لكل مواطن ومواطنة، معتقدةً أنه بات من الضروري أن تدرك المؤسسات الاجتماعية كافة بما فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حجم التغيرات المجتمعية والقيمية التي حدثت في المجتمع، وعلى أساسها يتم خلق نمط جديد من العلاقة قائم على احترام إنسانية الأطراف كافة الداخلة في الموقف مع سيادة القانون أولاً وأخيراً، مؤكدةً على أهمية الشفافية والمحاسبة المجتمعية لأي سلطة يثبت تجاوزها، حتى تتطور شكل علاقة الهيئة بالأجيال الجديدة رجالاً ونساءً.
وتشيد الأكاديمية في جامعة الرياض عضو جمعية حقوق الإنسان الدكتورة نورة العجلان بتجربتها مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، «بحكم عملي في الجامعة أرى أن رجال الحسبة يحرصون دائماً على ظهور الفتيات بالمظهر اللائق ويتحفظون على قضاياهم في سرية تامة حفاظاً على السترة، ولا يلجؤون لإيصال قضاياهم إلى أولياء الأمور إلا في حال تكرار المخالفات لثلاث أو أربع مرات».
وتضيف العجلان: «إن رجال الهيئة يحاولون أن يؤدوا دوراً مكملاً لدور الأسرة، حتى أن بعض الفتيات يلجأن لهم لحل مشكلاتهن، وهناك فتيات لا يرتحن ويشعرن بالاطمئنان إلا في وجود رجال الحسبة». وتستطرد، «لا يوجد منا من هو معصوم من الخطأ، فإذا وجدت بعض التجاوزات أو الأخطاء من رجال الهيئة، فهذا لا يعني التقليل من قدر رسالتهم أو دورهم الذي يؤدونه، فهم سلطة شرعية تعمل لمصلحة المجتمع وليست ضده، وتعد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حامية للمرأة من أي ضرر يمكن أن يحيق بها».
وبسؤالها عن رأيها في وجود عناصر نسائية ضمن الهيئة، تقول نورة العجلان: «لا يضر إذا كان في إضافة، كون المرأة هي الأقرب إلى بنات جنسها والأقدر على التفاهم معهن وحل مشكلاتهن». وعن تجربتها مع رجال الهيئة خارج نطاق الجامعة تقول: «مررت بمواقف عدة مع رجال الهيئة في تعاملاتهم مع النساء في الأماكن العامة، فهم كثيراً ما يكظمون غيظهم من تصرفات بعض النساء، لأن هدفهم الأساسي حماية المرأة وليس الوصاية عليها».
وحول فكرة وجود نساء في الهيئة بدلاً من الرجال لتفادي الاستفزاز، تؤكد نورة الشريف أثناء زيارتها الفعاليات النسائية لمهرجان «الجنادرية»، عدم جدوى تجربة بث مئات العناصر النسائية التابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أرض «الجنادرية» في محاولة لضبط المخالفات الشرعية وملاحقة المتبرجات وتوجيه النصح لهن في ظل الحضور النسائي غير المسبوق أثناء المهرجان، إلا أنها اعتبرت أن القرار لم يأتِ من فراغ، فقد جاء بعد اكتشاف ملاحظات على فتيات مراهقات، خصوصاً في اللباس غير اللائق والتبرج، أو من خلال بعض الممارسات غير اللائقة.
وفي رأي مناقض، تؤكد بعض الفتيات (هدى العبدالله - مها الحمد) طالبات ثانوية عامة، أنهن لا يفضلن وجود رجال الهيئة في الأماكن العامة، بسبب كثرة التوجيهات والأوامر، «نحن نخرج من بيوتنا برضا الأهل، فهل سيكون رجال الحسبة أأمن علينا من الأهل؟ نحن نسافر إلى كل بلاد الدنيا ونسير في الأماكن العامة بلا رقيب، فكل فتاة نفسها رقيبة عليها وتحميها أخلاقها وتربيتها، ثم إن المخطئ دائماً يتوارى في أماكن خفية وسرية لا يذهب ليرتكب الأخطاء والمخالفات في الأسواق والأماكن المفتوحة وعلى مرأى ومسمع من الجميع».
أبو عبدالله: نتعرض للإهانة والإحراج
أبو عبدالله شاب عشريني انضم إلى الهيئة أخيراً وعمل في الميدان، فتلقى صدمات وكدمات جراء عمله، من بنات لا يتجاوزن عمره بكثير، إضافة إلى تعرضه لسياط الألسن منهن. أغلب بنات الجيل الحالي في نظر أبي عبدالله أكثر رعونة وأقل احتراماً للرجل، لذا أصبحت نهاية الأسبوع كابوساً في نظره، مرجعاً ذلك إلى احتقان مسبق من البنات، ما أدى إلى احتقان آخر من رجال الهيئة. مرت على أبي عبدالله مواقف له ولزملائه أصبح يُحَدِّث بها كل من رأى، منها ما قالته إحدى النساء لزميله حينما أمرها بتغطية وجهها فقالت له: «إذا غطيت وجهك غطيت وجهي»، ما اضطره إلى الانسحاب مباشرة، إلا أن أبا عبدالله لا ينكر على من تخرج وجهها إذا كانت غير متزينة بالماكياج.
ويروي قصة يظهر فيها مدى ثقافة بنات الجيل الحالي، يقول: «وجدنا امرأة تكشف عن وجهها وهي تجلس مع زميلاتها في أحد محال الكوفي شوب، أمام الناس، فلما أمرناها بتغطية الوجه، سردت لنا أدلتها، فتلطف الشيخ بحسن نية منه، فقال لها ادخلي داخل المحل لنناقشك وحدك بدلاً من أمام الناس، فقالت له: من يحلل لك الخلوة بي؟» وذكر أن بعض البنات إذا علمن أنهن سيذهبن إلى مقر الهيئة، يقمن بضرب رجال الهيئة محاولة للفرار، ما يؤدي إلى إثارة الجمهور حولهم، معتبراً أن إهانة الرجل أمام الناس أمر لا يغتفر.
موضوع: بنات يتساءلن: هل رجال «الأمر بالمعروف» أحرص علينا من أهلنا؟ 
الجمعة مارس 28, 2008 2:00 am
