شهدن مجزرتي فض رابعة ورمسيس قبل أن يعتقلن..معتقلات مصريات يروين تجربتهنالسبت 1 مارس 2014 الساعة
سمية وفاطمة وأميمة، ثلاث أخوات كن على موعد مع تجربة صعبة بدأت بالتعرض للموت ثم الاعتقال. الشقيقات الثلاث وفي أول حديث لهن عقب وصولهن لندن للمشاركة في فعاليات ضد الانقلاب العسكري في مصر، يروين شهادتهن عن مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية، ومجزرة رمسيس، إضافة لما تعرضن له في المعتقلات، وما زال شقيقهن الرابع معتقلا حتى الآن.
تبدأ سمية حديثها بالقول إنها كانت دوما تحلم بالعودة لبلادها، فهي تقيم مع عائلتها منذ سنوات في إيرلندا ويحملون جنسيتها إلى أن تحقق الحلم. وتضيف أنها عقب عودتها بثلاثة أشهر، وقع الانقلاب في مصر، وقادهن الغضب من تدخل الجيش في السياسة إلى ميدان رابعة العدوية للمشاركة في التعبير عن رفضهن تعطيل الديمقراطية وحملات الاعتقالات والتنكيل.
تقول فاطمة إنها بدأت تشعر بالقلق من التهديدات اليومية باقتحام الاعتصام، حتى جاء يوم مجزرة فض الاعتصام، حيث بدأ إطلاق الغاز وسمعن أصوات طلقات الرصاص بعد صلاة الفجر، وهنا قررن البقاء في خيمتهن حتى يتبين ما يجري، وبعد ساعة بدأت الأخبار ترد أن الاعتصام يتعرض لهجوم.
تقول فاطمة -الفتاة العشرينية- إنها بدأت تشاهد جثثا على الأرض، ومسجد رابعة العدوية ينهار أمامها، ما دفع شقيقتها سمية لاقتراح أن يخرجن لتقديم المساعدة للمصابين، فتوجهن للمشفى الميداني لكنهن صدمن بمشهد تكدس الجثث بجانب بعضها البعض وصيحات الجرحى، وطلب الشباب المتواجدين منهن المغادرة فورا، لأن الرصاص بدأ يستهدف المشفى الميداني.
ويضفن "قابلنا على الباب ضباطا وقلنا لهم حرام تحرقوا المسجد هناك جرحى فأخرج أحدهم مسدسه وأطلق النار على بعض الجرحى وقال لنا هكذا أصبحوا موتى هل هذا أفضل لهم من الحرق؟"، وتقاطعها سمية لتقول إنه فجأة توقف الرصاص والغاز وظننت أن الحرب انتهت "إلا أن هذه الساعة كانت استراحة غداء نزل فيها المجندون من الدبابات لتناول الطعام، بينما الجثث من حولهم".
تتذكر سمية سيدة من "الربعاويات" كما يحلو لها وصف من كانوا في ميدان رابعة، تدعى أسماء صقر كانت تتطوع في توصيل الماء للمعتصمين بالميدان وعرفت بـ"الساقية"، تذهب للتعبئة وتعود ودوما تبتسم، كما تروي سمية التي تصف ابتسامتها بابتسامة المودع، "وبالفعل فإن أسماء هذه انتهت قتيلة برصاص الأمن والجيش عند المكان المعتاد الذي تحضر منه الماء".
تنهي أميمة قصة رابعة بالقول إنها أصيبت عند مغادرتها رابعة بـ25 طلقة خرطوش، وأن الممر الآمن الذي أعلن عنه لم يستمر أكثر من خمس دقائق، وأعلن عنه بعد انتهاء المجزرة.
حصار الفتح
بعد يوم من هول مجزرة رابعة، قررت الأخوات الثلاث الذهاب لمظاهرات ميدان رمسيس التي عرفت وقتها بجمعة الغضب الثانية لتغطيتها إعلاميا وتوثيق ما يجري.
بدأت قوات الأمن إطلاق الرصاص والخرطوش فتدافع الناس ودخل بعضهم لمسجد الفتح المجاور، ووجدت الأخوات الثلاث أنفسهن محاصرات داخله في محاولة للاحتماء من الرصاص والغاز والبلطجية. وبدأت هنا قصة جديدة حيث دخل وقت حظر التجوال، فقرر المحاصرون البقاء داخل المسجد حتى انتهاء الحظر، لكن المسجد أحيط بالبلطجية الذين بدؤوا بتهديد كل من في الداخل بالقتل على مرأى الشرطة والجيش، وتشير الفتيات الثلاث إلى أنه كان داخل المسجد غرفتان، واحدة فيها 600 شخص وهي لا تتسع إلا للعشرات، وفي الثانية كانت فيها الجثث التي أدخلت من الخارج والمصابون.
وتجمع الأخوات الثلاث على أنه عقب حصار المسجد، فإن القرار الذي كان لدى الأمن والبلطجية هو اقتحامه وحرق كل من فيه -بحسب حديث مسؤول أمني لهن- إلا أن تمكن إحدى الفتيات من نقل ما يحدث داخل المسجد على الهواء مباشرة عبر قناة الجزيرة وغيرها بواسطة الإنترنت جعل الأمن يعيد حساباته فتأجل الاقتحام.
وخلال 17 ساعة كان البلطجية يهددون المحاصرين من خلال الشبابيك، بينما الأمن يطلق الغاز من حين لآخر، فضلا عن محاولة إيقاف البث التلفزيوني القادم من المسجد، وبمجرد توقفه بدأ الاقتحام.
وتروي الأخوات قصة سيدة لم تحتمل الغاز داخل المسجد فأصيبت بالإغماء، وبعد مفاوضات مع أحد البلطجية لإحضار الحقنة اللازمة لإنقاذها مقابل مبلغ مالي، لكنه أخذ المال ولم يعد، فماتت السيدة.
وأخيرا اقتحمت قوات الجيش والشرطة المسجد واعتقلت كل من فيه، وتؤكد سمية أنها رأت كيف قامت عناصر من الجيش والأمن بإدخال أسلحة للمسجد، ليقوم التلفزيون المصري بعدها بالتصوير "مدعيا أن لدى المحاصرين بالمسجد أسلحة"، وتضيف الغريب أنهم قالوا في الإعلام المصري إنهم أنقذوا "العائلة الإيرلندية من الإرهابيين، بينما ما جرى أنهم أرهبونا واعتقلونا واقتادونا للسجون".
إلى السجن
وبعد الاعتقال تفرقت الأخوات، أميمة وفاطمة رحلتا أولا ولحقت بهما سمية، ورحل شقيقهن إبراهيم في سيارة أخرى، ونقل الجميع مكدسين في سيارات الترحيل إلى سجن طرة، حيث احتجز 600 رجل في غرفة لا تكفي لسبعين، مع "حفلة" من الضرب والشتم والركل. وتصف الفتيات التحقيق بالمهزلة حيث وجهت لهن 16 تهمة جاهزة.
وبحسب روايتهن فإن المحقق بعد الانتهاء من توجيه التهم قال لهن "انتهيت من الفيلم الخاص بكم، الآن سأنتقل لهذا المعتقل التركي لأكتب له مسلسل تهم بنكهة المسلسلات التركية".
تصف الأخوات الثلاث أشكالا من التعذيب النفسي اليومي والإهانة تبدأ بالتفتيش المهين بإجبارهن على خلع ملابسهن كاملة، إضافة إلى تهديدات السجينات الجنائيات ومسؤولات العنابر لهن، إلى ما يسمى بفحص الحمل والعذرية، أما الطعام فهو خبز ممزوج بالحشرات وجبنة لا تصلح للأكل. مؤكدات أنهن كن يستمعن لأصوات التعذيب التي يتعرض لها الشباب، فضلا عن تعرية الرجال أمامهن، وهنا يروين مشاهدتهن الوحيدة لأخيهن إبراهيم وهو في حالة صعبة، ولم يشاهدنه بعدها أبدا.
مساومة
والد الأبناء الأربعة هو الشيخ حسين حلاوة إمام أكبر مسجد في إيرلندا وأمين عام المجلس الأوروبي للإفتاء. الرجل كان يتابع مع الحكومة الإيرلندية أحوال أبنائه، ويروي أن أحد المسؤولين أخبره أن حكومة الانقلاب بمصر تساوم الحكومة الإيرلندية أن تعترف بالانقلاب مقابل إطلاق أبنائه الأربعة.
ويشير الشيخ حلاوة إلى أنه كان بين نارين، نار الأبوة والخوف على الأبناء من جهة، ومسؤوليته كمسلم عن أمته وحرية بلاده من جهة أخرى، وانتهى إلى الخيار الثاني أن حرية بلاده وشعبه وتسعين مليون أهم من مصير أبنائه فرفض كل المساومات.
نقلاً عن الجزيرة نت