Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: هل حرية التعبير حق مشروع أم لا؟؟ الأربعاء فبراير 19, 2014 7:37 pm | |
|
هل حرية التعبير حق مشروع أم لا؟؟ - اقتباس :
- هل حرية التعبير حق مشروع أم لا؟؟
لعله ليس من داع للإنشغال بسؤال، تكون إجابته بديهية بنعم، إذ لا ينكر أحد أن حرية التعبير حق مشروع لكل فرد، و لا معنى للتطبيل و الإحتفال بإستخراج فتوى تقول بأحقية الحرية في التعبير لدى الأفراد، إذ ذلك معلوم مسبقاً، و لإن كان لا إكراه في الدين، فإنه من باب أولى أن لا يكون إكراه في التعبير و الفكر، و لكن هناك سؤال أهم و أكثر إلحاحاً، و هو هل حق حرية التعبير مطلق أم تقييده قيود؟ تعالوا لنتفكر في حق الطعام للبشر كمثال، و هو يأتي بلا شك في مرتبة أعلى في الحاجة لدى البشر، إذ مرهونة به حياتهم، و حق الطعام هو حق مشروع لدى كل الشرائع، بما فيها الملحدة منها، و لكن حتى هذه غير مطلقة في الإسلام الحكيم العادل، بل هي مقيدة بقيود النفعية، و الصالح العام، و ما خصصته الشريعة من تجنب الميتة و النطيحة و المتردية و غيرها، ففي الإسلام، لا تعطل قاعدة لا ضرر و لا ضرار أبداً، فالضار من الطعام لا يجوز تناوله تحت مظلة حق الطعام، و قد يكون من الطعام ما هو ضار في ذاته، كالخنرير، أو الثعابين و غيرها. و كذلك النافع من الطعام، الذي ليس فيه عيب في ذاته، و لكن القصور يكمن في طريقة التعامل معه، فقد يخرج الطعام الصالح الحلال كالتفاح مثلاً من الإباحة إلى الحرمة، كأن يتناول حد الفحش و الإسراف و بتجاوز حد إستطاعة الجسم، لأنه يعود إلى الجسم بالضرر و المرض. و كذلك لا يجوز أكل التفاحة الصالحة في ذاتها، و إن كان باعتدال إن كان قد اغتصبها الآكل أو سرقها، إذن فإن ديننا الإسلامي يراعي النفعية و الأصلحية في الحكم، و يسد باب المفاسد بقيود تقيّد بعض الحريات و الحقوق دون سدها أو منعها مطلقاً، و بما يعود بالمصلحة و النفع للجميع، و ذلك من جماليات الإسلام و عدالته، كيف لا و هو دين الله سبحانه، العادل الكامل الذي أحاط علمه و سيطرته بكل شيء، و الإسلام هو الدين الذي يرتضيه للخليفة المصلح و المعمر في الأرض. و إذا جئنا إلى حق حرية التعبير، فإنه لا يخرج عن قاعدة لا ضرر و لا ضرار، فإن حرية التعبير تمارس بالكلام غالباً، و الكلام و التعبير في الإسلام مقيدتان بقيود أخلاقية متينة، تراعي الأصلح و الأنفع للفرد و المجتمع، و تحافظ على الأمة من الوقوع في المفاسد و التلف، فمن هذه القيود، الصدق، و الأمانة، و حسن الظن، و عِلمٌ خاص لمادة الكلام المتداول، و الإحترام و التوقير لمن هم أهل لذلك، و عدم التنابز بالألقاب، و عدم السخرية، و الشهادة لله، و قصد وجه الله سبحانه في الإصلاح و الكلام الإيجابي، و الحرص على سد باب المفاسد، و أمور أخرى غيرها لا يمكن تجاوزها بذريعة ممارسة حق الحرية في التعبير، فإن تشريع هذا الحق نفسه لابد من أن يكون لمقصد من المشرع، و لحكمة بالغة، و ما إن تصادم الحق في حرية التعبير مع هذه المقاصد التشريعية النفعية و الإصلاحية فإن هذا الحق يسقط تلقائياً، بل قد يترتب منه عقوبات جزائية إما في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً لعدم مراعاة الإصلاح و البناء في الكلام و التعبير، و تصادم ممارسة الفرد لحقه في التعبير مع المقصد البَنّاء في التشريع لهذا الحق. هناك عدداً من الأساليب و الممارسات التي يمكن أن تتصادم مع المقصد من التشريع لحق الحرية في التعبير، و لن أخوض فيها كلها، و لكن أشدد على الحرص على عدم الوقوع في نبرة الإنتقام، و التأجيج العاطفي السلبي، و الكذب و التدليس، و سوء الظن المبطن أو الظاهر، و التشويه، و بناء الأحكام على الظنون، و الخوض في مجالات مجهولة على الممارس لحرية التعبير و إختصاصات لا يقف على بينتها، و عدم التشويش على الحكم القضائي، و عدم قصد الإهانة أو الإعابة لكل فرد، بل حتى الحيوانات، و غيرها من الأمور التي لن أخوض فيها بالتفصيل. سأذكر مثالين بسيطين قبل أن أختم قد يكون لأحدنا قريب من أهله، يود لو أن ينصحه بترك خطب ما، أو عيب من العيوب، فإن هدف الناصح مِنا يجب أن يكون هدفه الإصلاح فقط، دون الإصرار و التمسك بأساليب معينة قد لا يتحقق منها الإصلاح مع هذا القريب خصوصاً، لا لإجل ضررها و بطلانها في ذاتها، و لكن قد يأتي العيب من الطرق و الأساليب التي تجري عليها، و هنا نتذكر التفاحة من الكلام السابق. فلعل هذا القريب لا يقبل النصح بالمقابلة الشفهية، و يصر على ما كان عليه من العيب، و لكن ما إن جاءه النصح مكتوباً، سرعان ما يتبرأ من ذلك العيب، و يعود إليه رشده، و تؤول حاله إلى الصلاح المقصود، فإن في هذه الحالة لا داعي إلى الإصرار بنهج عُلِمَ عدم جدواه مسبقاً، بل قد يترتب منه مفاسد أخرى غير الأولى التي قصد إصلاحها في البدء، و يخشى أن يقع المُصِر على الأسلوب المعلوم عدم جدواه أن يقع في عدد من المحاظير.
و في المثال الثاني، قد يتناول الشخص كلاماً صادقاً واقعاً، و ليس فيه عيب في مبناه و ذاته، و لكن العيب في عدم مراعاته النفعية و الإصلاح، و يفتح باباً واسعاً من الفساد، كأن يأتي أحد من الناس إلى رجل فيقول له أخباراً لم يكن يعرفها عن زوجته، و أنها كانت بغي، و تجالس الأجانب من الرجال، إلى ما وراء ذلك، بالرغم من توبة تلك الزوجة، و ستر الله عليها، إلا أن الستر سرعان ما انفك بسبب جهل هذا الجاهل الناقل للخبر، فإنه و لا شك أن هذا الكلام غير جائز، و إن كان في مبناه و ذاته صحيحاً سليماً، إلا أنه يفتح أبواباً من المفاسد، و الفتن، و لا يوصل إلى أي نوعٍ من الإصلاح، لأجل أسلوبه و فكه للأستار التي لم يؤدي فكها إلى أي خير كما قلت. هكذا أخي العزيز، قس على هذا المقيل هنا، كل أشكال التعبير الغير الكلامية، فإن مراعاة الصلاح في المبنى و الذات، و الصلاح في الأسلوب و الطريق، و النتائج المترتبة من الممارسة كل من ذلك هو أمر لا مناص عنه لمن وضع الإصلاح هدف له.
| |
|