انضمام قاسم رجح كفة الجمهوريين. الغادر حذر القبائل: سوف يذبحونكم مثل الغنم..القبائل.. رصاصة مرتدة في ظهر الأئمة الصورة تعبيرية.. نجح الأئمة في شراء ولاء ضعاف النفوس من الأشراف والقبائل والعبيد، لكنهم يفشلون في الحفاظ على ذلك الولاء.. هكذا تقول التجارب.. قد يبيع القبيلي بندقيته وموقفه لمصلحة معينة لكنه لا يبيع كرامته وانسانيته ولا يرضى ببيع نسبه وحسبه..
اعتمد الأئمة في حروبهم على القبائل وفي السيطرة عليها أيضا، ويستخدمونهم كوقود في حروبهم ويستخدمونهم لمحاربة قبائل أخرى ويستغلون الخلافات والصراعات البينية داخل القبائل لضرب قبيلة بأخرى وإبقاء القبائل في دائرة السيطرة الآمنة، ويفرضون الولاء والطاعة على قبائل بالتحالف والدعم المحدود مقابل إضعاف القبائل العصية على التركيع وتغذية الصراع بين المجتمع (قبيلي يدكم قبيلي).
إنهم يستخدمون القبائل الحليفة والموالية كـ"كروت مؤقتة" يتم التخلص منها فور الاستفادة منها، وعند الانتصار يكون الحلفاء أول أهداف رموز الملكية ويؤكلون يوم أكل الثور الأبيض.
الأصدقاء أول الضحايا
احتضنت حاشد الإمامين (يحيى وأحمد حميد الدين) وآزرتهما حتى دخول يحيى صنعاء وإعلانه إماما فيها، أصر ناصر مبخوت الأحمر على ترشيح يحيى إماما، وتقول الروايات أن الأحمر واجه رفض كبار العلماء تولية يحيى بقوله "مابش غير سيدي يحيى". وفور توليه الإمامة وفرض سيطرته على المملكة المتوكلية كانت حاشد وبيت الأحمر أول أهداف الإمام يحيى باعتبارهم الطرف الأقوى الذي أوصل يحيى إلى الحكم، لقد بدأ بالأصدقاء الأقوياء قبل الخصوم الضعفاء (اضرب القوي يهابك الضعيف).
تاريخ علاقة الأئمة بالقبائل يعيد نفسه، فبمجرد اقتحام الحوثي لمنزل الأحمر في الخمري طلب الحوثي من مشائخ في حاشد ساندته في الحرب تسليم رهائن من أقاربهم وأولادهم لضمان تنفيذ الصلح.
ذات السياسة اتبعت في أرحب، طلب الحوثي من القيادي الموالي له فارس الحباري قبل أشهر إرسال ثلاثة من أقاربه للدراسة في صعدة قبل أن يصدر عبدالملك الحوثي أمرا باحتجازهم في مطرة كرهائن بغية لي ذراع الحباري وضمان استمراره في خوض الحرب ضد القبائل. لم يكتف الحوثي بالرهائن وقام بتغيير الحراسة الشخصية للحباري وأرسل عناصر من صعدة لقيادة الحرب. مساحة ثقة الأئمة بالقبائل محدودة ومحدودة جدا، يعتبر "السيد" أن "القبيلي" أنقص منه حسبا ونسبا.
دور القبائل "الملكية" في فك حصار السبعين
اعتمد الملكيون في حصار صنعاء على القبائل المحيطة بالعاصمة صنعاء، وهي القبائل ذاتها التي استعان بها أحمد حميد الدين لإسقاط العاصمة عام 48 ومنها حوصرت العاصمة عام 67م لكن الأهم من ذلك أن تلك المناطق هي التي أفشلت الحصار ودافعت عن الجمهورية وأن القبائل التي قادت جيوش المملكة هي من حسمت المعركة.
أحداث حصار السبعين يؤكد أن القبائل لا يقفون مع الأئمة حتى نهاية الطريق، في اللحظات الأخيرة يدرك أولئك أنهم سيبيتون خارج القصر ويعودون إلى السجون.
كان الفريق قاسم منصر وهو أحد مشائخ بني حشيش يقود الجبهة الشرقية في جيش الإمام البدر وكان قد اقترب من منطقة الروضة بصنعاء بعد سيطرته على قرية الدجاج غرب مصنع الغزل والنسيج، وحين أدرك أن الأئمة يقتربون من القصر اتخذ القرار المناسب معلنا انضمامه وجيشه للجمهورية.
انضم منصر للثورة مشترطا منحه رتبة الفريق، وهو ما فعله حسن العمري وتم تعينه قائداً للواء النصر داخل القصر الجمهوري وأصبح جنوده (حوالي خمسة آلاف رجل) في الصف الجمهوري.
يعتبر الجمهوريون أن انضمامه مثل نصرا للجمهورية، ويعتبر الملكيون أن انضمامه كان الضربة الموجعة.
كان الشيخ ناجي علي الغادر وهو أحد مشائخ قبيلة خولان، ومعه قاسم سقل وهو أحد أبناء آنس يقودان الهجوم على العاصمة من الجنوب. وقد مثل انضمامهما للجمهورية وتراجعهما عن التقدم انتصارا للجمهوريين.
أرسل قاسم منصر رسالة للفريق العمري يطلب فيها مقابلته في الأحضان، وبعد أربعة أيام من موافقة العمري عقدت جلسة مغلقة انتهت بإصدار العمري توجيهات بوقف الحرب وبعد 4 أيام (يناير 68م) أعلن قاسم انضمامه.
السبب الآخر الذي دفع تلك القيادات للانضمام للجمهورية آنذاك أن الأئمة حين اقتربوا من حسم المعركة استغنوا عن تلك القيادات وأرادوا الاستئثار بحسم المعركة ومنعوا الإمدادات الغذائية والسلاح عن تلك الجبهات.
يتحدث المناضل الشيخ حسين حسين المشرقي وهو أحد أبطال حصار السبعين عن تراجع منصر والغادر وغيرهم، الأمر الذي عجل من انتصار الجمهورية.
وفي مذكراته أورد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رسالة تلقاها من قاسم منصر يحكي الأخير فيها أن ما دفعه للقتال ضد الجمهورية هو التواجد العسكري المصري "ولو لم تكن الحرب الأهلية كان الموقف غير الموقف الآن مع أننا في وجود الدخيل كنا نشعلها حرب شعواء في جميع الجهات شاْن بيت حميد الدين.. الواقع أنا مرتبطين معهم والدولة المساندة لهم (يقصد السعودية) والسبب أن موقفي غير موقف المشايخ وأنا مكلف بجيش وتكليف غير بسيط، اليوم أنا موقفي لازم الحياد لامعا ذا ولا مع ذا حازم حدود بني حشيش وواقف مع القبيلة.. وتأكدوا أنه لم يحدث منا شيء حتى استتباب الأمن في كل من ربوع اليمن.. وإذا كان لديكم استعداد لدفع ما نستلمه سأعلن موقفي بعد التأكد.. وتحياتي".
رسالة قاسم تكشف عن الدور السعودي في دعم الملكيين، ونزعة الرجل للوقوف في مربع الحياد وتأكيده كف الأذى عن الجمهورية.
الغادر حذر القبائل: سوف يذبحونكم مثل الغنم
أورد اللواء يحيى مصلح وهو رئيس العمليات الحربية أثناء ملحمة السبعين في حوار سابق مع (26 سبتمبر) رواية تستحق التوقف عندها.
من بين ما قاله مصلح ما نصه: "وهناك موقف يقول بأن الغادر عندما وصل هو ومحمد بن الحسين إلى عيبان، أشار الحسين له قائلاً: غداً سوف أنام في ذلك القصر حقنا.. رد عليه الغادر: لا يمكنك أن تدخلها، قال الغادر للقبائل -كما أخبرني الشيخ أحمد حزام المطري الذي كان المقدمي حق الملكيين- اسمعوا يا قبائل هؤلاء إذا رجعوا وجعلوكم خلف الأبواب سوف يذبحونكم مثل الغنم". هذا الغادر يقول ذلك وهو من لعب دوراً مزعجاً ضد النظام الجمهوري، يضيف مصلح.
*رئيس تحرير أسبوعية الأهالي