ينظر شباب الثورة إلى تاريخ 11 فبراير كأنه جزء من تاريخهم وجزء من كيانهم وذاتهم ويرون أن 11 فبراير هو تاريخ ثورة خرجوا فيه سويًّا من أجل القضاء على الديكتاتور والديكتاتورية والاستبداد والتوريث ورحيله بعد أن رحلت ديكتاتوريات عتيقة ومتجذرة في المنطقة العربية والتي سبق وأن اهتزت عروشهم ورحلوا عن بلدانهم أمثال بن علي ومبارك، كما أنهم يرون أن الثورة تعني لهم الكثير والكثير فهم خرجوا بأعداد قليلة لكن صمودهم وإصرارهم وعزيمتهم وتصميمهم على تحقيق أهدافهم في إنقاذ اليمن من النفق المظلم الذي كانت تعيشه جعل الأعداد تتزايد يومًا بعد آخر رغم آلة القمع والملاحقة والمداهمة الليلة لمقرّ اعتصامهم بمنطقة صافر التي أصبحت تعرف باسم ساحة الحرية إلا أنهم كانوا كلما زاد قمع السلطة تتزايد أعدادهم أكثر فأكثر حتى عجزت السلطات عن تفريقهم رغم الأساليب القمعية التي استخدمتها بما فيها القتل والتي كان أولها في الجمعة التالية لجمعة البداية والتي سقط فيها أول شهداء الثورة الشهيد مازن البذيجي بفعل إلقاء قنبلة يدوية على المعتصمين بعد انتهائهم من أداء صلاة الجمعة من قبل مقربين من نافذين بالحزب الحاكم حينها كما سقط العشرات من الجرحى وبفعل ذلك الفعل القبيح زاد من تعاطف الناس مع المعتصمين وارتفع أعداد الثوار المطالبين بإسقاط النظام وكانت أبرز الشعارات والتي رددت بكثرة وقوة "الشعب يريد إسقاط النظام".
ارحل – ارحل، ثورة ثورة يمنية بعد الثورة المصرية، يا علي صحي النوم لا استبداد بعد اليوم، يا غزة ما فيش حصار الشعوب قدهم أحرار.. خلدت هذه الشعارات في ذاكرة التاريخ وفي ذاكرة الأجيال سيتوارثونها جيلاً بعد جيل.
وما ميز الأيام الأولى من عمر ثورة 11 فبراير هو الحضور النسائي اللافت وبقاؤهن مع المتظاهرين وبين الأمطار حتى ساعات قريبة من منتصف الليل وبعضهن مع أبنائهن مرددات الشعارات بحماسة أكبر من المتظاهرين كما ميزها توافد الفرق الموسيقية وعزف الأناشيد الوطنية والثورية وبعض الفنانين كالفنان فهد القرني والذي بات معظم الليالي الأولى من الثورة مع المعتصمين بساحة الحرية وكذا بعض الشعراء والأدباء والذين تناوبوا على إلقاء القصائد الشعرية والفكاهة طوال الليل وهو ما خط الحروف الأولى للثورة ووضع اللبنات والمداميك الأساسية لثورة اقتلعت الظلم والاستبداد والتوريث.
يصف الثائر والناشط الإعلامي محمد الحكيمي تلك المراحل بمراحل كفاح أشعلها الشباب بحثاً عن مستقبلهم الذي أهدره نظام صالح، بحثاً عن الحرية والكرامة التي أفقدها نظام صالح بريقها، وجعل الشعب اليمني بصورة الخانع الذليل، فكان 11 فبراير هو موعد التغيير ليتمكن الشباب من اجتياز كل العوائق التي صنعها النظام القمعي فانطلق الشباب إلى الميادين والساحات بثورة حياة أو موت، يهتفون بكل ما يعتمل في صدورهم من مآسٍ وأحزان نتيجة حكم دكتاتوري استمر لـ 33 عاماً، ينشدون دولة مدنية مؤسسية ديمقراطية حديثة قادرة على تحفيز الطاقات وإبراز القدرات وتضمن لمواطنيها الحرية والعدالة والكرامة تصون ولا تبدد تحمي ولا تهدد.
ويضيف الحكيمي: 11 فبراير وإلى اليوم شاهد على نقاء الروح الثورية واستقلالية القرار التي حملها الشباب ليلة الحادي عشر من فبراير 2011م وحتى ننصف الآخرين فإن نواة الثورة هم الشباب المستقل، بالإضافة إلى الشباب الناصريين الذين تواجدوا بكثافة في تلك الليلة، وبعض الشباب الاشتراكي هؤلاء هم من أشعلوا شرارة هذه الثورة.. كنت لا أريد أن أخوض في هذا الجانب لكنني أقول الحقيقة التي يحاول البعض تغيير ملامحها وصورتها الحقيقية وطمسها بفعل ما يمتلكه من وسائل تزييف.
ما الذي تحقق من أهداف وما الذي لم يتحقق؟
فإن الكثير من شباب الثورة يرون انه تحقق منها أشياء ولم تتحقق منها أخرى فكما يقول الصحفي عبد الهادي ناجي علي: في البداية أعتقد انه عند الحديث عن الأمور التي تحققت من أهداف الثورة يجب أن لا ننسى أن الثورات في العالم أهدافها لم تكن محققة 100% لأنها تتعرض لمحاولات إجهاض من قبل ثورات مضادة وبالتالي فإن الحديث عما تحقق من أهداف لثورة 11 فبراير قد يكون غير مرضٍ للجميع إلا انه ينبغي أن لا نكون مجحفين بحق الثورة ونقول ان أهدافها لم تتحقق.
وأضاف: "هناك أشياء تحققت بدون شك ومنها هيكلة الجيش، ونجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي من خلالها ستعزز فرص تحقيق الأهداف، واليوم القرارات تتوالى لترتيب وضع الجيش والمبعدين والمتقاعدين، وإعلان إبطال اتفاقيات فساد وإعادة كثير من الأمور إلى وضعها الطبيعي كل ذلك من النجاحات التي تتحقق اليوم لثورة 11 فبراير التي تحتاج أن يقف الجميع وقفة مساندة وحماية لها من المعرقلين لتحقيق أهدافها".
وأكد أن تحقيق الأهداف تحتاج مراحل طويلة والاستعجال في ظل وجود الثورة المضادة لن تكون الطريق سهلة لكن الدفاع عن الثورة اليوم يتطلب نضال بإيجاد القوانين التي تحميها من السيطرة والانحراف بها من مسارها.
وكذلك يرى السياسي فؤاد شرف الدين أن الذي تحقق من أهداف الثورة ١- إنهاء عملية التوريث 2- دمج الجيش ولو نظريا ٣- انتهى عصر الزعيم ٤- وجود مشروع وطني للمستقبل اتفق عليه الجميع متمثل بوثيقة الحوار الوطني، وأهداف لم تتحقق منها: عدم دمج الجيش بشكل فعلي بحيث يكون مؤسسة وطنية لا مراكز نفوذ لأحد كما يرى أن أهم هدف من الأهداف التي تحققت هو استعادة الدولة هيبتها وحماية المنشآت الخدمية وتكوين حكومة وحدة وطنية تغيب فيها المحاصصة وتعمل بروح الفريق الواحد.
كما أن شرف الدين يرى أن هناك العديد من الأهداف لم تتحقق ومنها وكما قال: "لم نستطع إيجاد حكم محلي وإدارة محلية لأننا لا نزال نحكم من المركز وان المطلوب هو إنعاش الروح الثورية بحيث تكون الروح الثورية حاضرة ومؤثرة على الواقع ولا يستطيع أحد تجاوزها، والعمل على ردم التخندق المذهبي والطائفي وإقناع المجتمع وتهيئة الأرضية ذهنياً ونفسياً بضرورة القبول بالآخر والتعايش والتسامح.
أما الناشطة في ساحة الحرية كفى وازع فترى أن ثورة 11 فبراير من أنجح الثورات العربية وتقول: صح أن هناك بطء لكن هناك نجاح تلاحم مع الجهود التي تصل إلى القمة وتعدد وازع الأسباب التي من وجهة نظرها كانت سببًا في نجاح الثورة وهي أنها كسرت حاجز الخوف اليوم وأصبح الإنسان يعترض ويعبر عن حقه وعرف الناس خيرات بلدانهم من ذهب وغاز ونفظ وغيره بعد أن كانت مدفونة.
وتؤكد على أن إصرار وكفاح وعزيمة الشعب اليمني وشباب الثورة واستمرار ثورته حتى تحقيق كافة أهدافه التي خرج من أجلها واعتبرت أن مخرجات الحوار الوطني أهم الأهداف التي تحققت والتي وضعت اللبنات الأولى لتأسيس الدولة المدنية وكذلك رأت أن من أهم الأهداف التي تحققت أن الجيش أصبح نوعا ما ليس للعائلة لكنها عادت وعددت الأهداف التي لم تتحقق ومنها النظام الفاسد الذي قالت انه مازال قائماً في كل مؤسسات الدولة وقانون الحصانة الذي أتاح لمن وصفته بـ " عفاش " ممارسة التخريب وهو قانون اعتبرته يعيق تحقيق أهداف الثورة بسهول وكذلك عدم الاهتمام بالجرحى وأسر الشهداء من قبل الحكومة.
وأكثر ما تحقق من أهداف ثورة الحادي عشر من فبراير هو تجسيد الروح الوطنية بين مختلف مكونات الشعب اليمني كما ساهمت ثورة الحادي عشر من فبراير المستمرة في مختلف المدن والمحافظات في إعادة التلاحم الوطني خاصة بين الشمال والجنوب، كما أن قمع قوات الأمن للمتظاهرين المعتصمين في مختلف ساحات التغيير كرس هذا التلاحم، وهو ما أشار له بعض المراقبين للوضع اليمني إلى أن شعارات الانفصال غابت وحلت محلها تلك المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح.