Admin Admin
عدد الرسائل : 13163 تاريخ التسجيل : 12/10/2007
| موضوع: لرشوة الخراب القائم والإثم الدائم الجمعة يناير 24, 2014 7:45 pm | |
|
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، واشهد أن لا إله الله إلا الله وحده لا شريك له الملك العدل، والحق المبين، أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله القائل: ومن يعدل إن لم أعدل، فكان بذلك نبراسا في إقامة العدل، وإرساء ميزان القسط، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى أصحابه الراشدين الذين كانوا ? أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ? الأعراف: 159.
ثم أمّا بعد:
فلقد خلق الله الخلق وكتب آجالهم، وقسّم أرزاقهم، وجعل سبحانه لاكتساب الرّزق أسبابا، وفتح للخلق فيه أبوابا، وكلّ ميسّر لما خلق له في ذلك، والمؤمن بربّه مطالب باكتساب طيّب المال والسعي من أجل الحلال قال الله تعالى: ? هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ? الملك: 15، وقال سبحانه ?...وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ... ? المزمل: 20، وفي الحديث عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- « إنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى ? يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ? المؤمنون: 51. وقال تعالى ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ? البقرة: 172. ثم ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء يا ربّ، يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له » رواه مسلم [1].
"وقد تبتلى الأمّم في أيام محنتها، وانتقاص أطرافها، وضعف نفوس أبنائها، بأمراض كثيرة، تُضْعِف شأنها، وتُقَوِّضُ صَفَاءَ عَيْشِهَا، وطمأنينة مسيرتها، وسلامة طرق الكسب فيها، وتقضي على حياتها.
كلمة للموظفين:
إنّ من شرّ ما تصاب به الأمم في أهلها وبنيها أن تمتدّ أيدي فئات من عُمَّالها وأصحاب المسؤوليات فيها إلى تناول ما ليس بحقّ، فصاحب الحقّ عندهم لا ينال حقّه إلا إذا قدّم مالاً أو منفعة، وذو الظّلامة فيهم لا ترفع مظلمته إلاّ إذا دفع رشوة "[2]، ولما كانت جريمة الرّشوة جريمة عظيمة يترتّب عليها ضرر المجتمع وضرر للأفراد – مابين ضياع للحقوق، وتقصير في الواجبات، وفساد للذمم، ومن ثم فقد حرمها الله تعالى ووردت الآيات والأحاديث بالنهي عنها والتشنيع على مقترفِيها، وبيان عاقبة أطرافها من راشٍ ومرتش ووسيط بينهما.
فيأيها الموظف: إنك عندما وقعت على ورقة التعاقد، فقد عاهدت الله أولا ومن ولوك الوظيفة أن تكون فيها ناصحا لله ولرسوله والمسلمين، حارسا على تأدية الحق لأهله، فاحذر أن تأتي يوم القيامة وقد جمعت لك صفائح من النار لا تستطيع لذعها، وإن الدنيا منقطعة فانظر ما تقدمه من عمل صالح تسر به يوم اللقاء.
الرّشـــوة:
في اللّغة: قال ابن الأثير: الرّشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرّشاء الذي يتوصل به إلى الماء؛ وفي الاصطلاح: قال الجرجاني: " ما يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ أو لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ".
وهو من أوضح التعاريف التي قيلت في الرشوة وأشملها بيانا.
وفي الشّق القانوني – تعرف الرشوة على أنها استيلاء موظف عام على مبالغ من أجل القيام بمهام وظيفته [3].
أركان الرشوة:
الرّاشي: هو الذي يبذل المال أو المنفعة لمن يحقق له مصلحة، أو يعينه على باطل.
والمرتشي: هو الشخص المستفيد من غيره مالا أو منفعة لإيصال حقّ يجب عليه أداؤه إلى الراشي ، أو أن يقوم له بمصلحة غير مشروعة.
والرّائش (أو الواسطة): الذي يسعى بينهما ليحقق مصلحة الطرفين.
الرشوة: وهي المال أو المنفعة التي تبذل بقصد حمل المرتشي على قضاء المصلحة المذكورة[4].
مسميات مختلفة للرّشوة والمقصد واحد:
جاءت ألفاظ مرادفة للرشوة سواء في القرءان أو السنة أو كلام الناس: منها السّحت، والبرطيل، وَفِي الْمَثَل: الْبَرَاطِيل تَنْصُرُ الأَبَاطِيل[5]. وفي بعض الأوساط الشعبية يقولون: الإكرامية، والحلاوة، والهدية، والقهوة[6]، وحقّ القات[7]، والْمُصَانَعَةُ: وقد قيل: مَنْ صَانَعَ بِالْمَال لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ [8].
وغيرها من الكلمات المصطنعة التي في ظاهرها أنها بعيدة عن الرّشوة، وفي حقيقتها وجوهرها هي السّحت الحرام ، فالمسمّيات لا تغيّر من الحقائق شيئا، ومن ذلك أيضا ما جرى في عالمنا اليوم وقلّدناه تسمية "غسل الأموال" و"تبييض الأموال" و"تطهير الأموال" وغيرها من المصطلحات بدلاً من المال الحرام.
والسحت لغة: الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمّي بذلك لأنه يسحت البركة ويذهبها، يقال: (سحته الله) أي أهلكه، ويقال: (أسحته)، وقرئ بهما في قوله تعالى: ? فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ?[9] أي يستأصلكم ويهلككم.
أما البرطيل: فقيل هو الحجر المستطيل، وسميت به الرّشوة لأنّها تُلْجِم المرتشي عن التّكلم بالحقّ، كما يلقمه الحجر الطّويل.
هل هناك فرق بين السحت والرشوة:
يقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى: " أنّ ما كان فيه اشتراك بين طرفين في ارتكاب الإثم فهو الرّشوة؛ لوجود راش ومرتش، وما كان الإثم فيه من طرف واحد مع اضطرار الطرف الثاني فهو السّحت.
ويشهد لهذا ما رواه البيهقي [10] بسنده عن مسروق قال: سألت ابن مسعود -رضي الله عنه- عن السّحت أهو رشوة في الحكم؟ قال: لا؛ ? وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ?، و? الظَّالِمُونَ ? و? الْفَاسِقُونَ ?[11]، ولكن السّحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السّحت.
وحكم الرشوة أنها حرام، وسحت يأكله صاحبه، ونصوص الوحيين واضحة في حكمها على الكسب الخبيث.
النّصوص الواردة في الرّشوة في القرآن الكريم:
لقد جاءت الأوامر والتوجيهات في القرآن الكريم إلى النّاس أن ينالوا حقوقهم بالوجوه المشروعة، ونهى عن أكل أموال النّاس بالباطل والطرق الممنوعة قال تعالى: ? وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ?[12] فجاءت الآية الكريمة بعد انتهاء آيات الصيام، وكأنّ الحقّ جلّ في علاه يقول يا معشر الصّائمين عن الحلال في شهر رمضان، صوموا عن الحرام طيلة الأيام، وإيّاكم وأكلَ مال الغير بالباطل سواء كان بالقمار أو الميسر أو الرّبا أو دفع الرّشوة للحكام، "اعتماداً على المغالطة في القرائن والأسانيد، واللّحن بالقول والحجّة، حيث يقضي الحاكم بما يظهر له، وتكون الحقيقة غير ما بدا له"[13].
وقوله تعالى: ? وتدلوا بها إلى الحكام ? شبيه بمن يدلي دلوه في ظلام البئر لينال شيئا منه، وكذلك الرّاشي كأنه يدلي بدلو الرّشوة ليأخذ شيئا خفيّا لا يستحقّه في الوضوح، فيرجع إلى الحيل والواسطات.
وذكر ابن كثير في تفسير الآية: « قال علي بن أبي طلحة، وعن ابن عباس: هذا في الرّجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال، ويخاصم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وهو يعلم أنّه آثمٌ آكلُ حَرَامٍ. وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة والحسن وقتادة والسّدّي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنّهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنّك ظالم ".
وقد ورد في الصحيحين عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله – -صلى الله عليه وسلم- - قال: « إنّما أنا بشر، وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحجّته من بعض فأقضيَ له، فمن قضيتُ له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها ».
وهكذا يتركهم لما يعلمونه من حقيقة دعواهم. فحكم الحاكم لا يحلّ حراماً، ولا يحرّم حلالاً. إنّما هو ملزم في الظّاهر، وإثمه على المحتال فيه.
وقال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ?(النساء 29)، قال ابن كثير: نهى (4) تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل... ولا تتعاطوا الأسباب المحرّمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال"[14].
وقال تعالى في معرض ذكره لأخلاق اليهود: ? سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ?[15].
وهنا ملازمة أكل السحت للكذب؛ فالكذب والإثم والعدوان ملازمات لأكل السّحت لا ينفك عنها لتحقيق غرضه والوصول إلى هدفه وعدوانه.
وقال تعالى: ? وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ?[16]، "وترى كثيراً من هؤلاء يسارعون في المعاصي والاعتداء على غيرهم، وفى أكل المال الحرام كالرّشوة والرّبا ولبئس ما يفعلونه من هذه القبائح، ثمَّ أنحا باللاّئمة على العلماء الساكتين عن الحق المصانعين لأهل الباطل، فقال لهم: أما كان ينبغي أن ينهاهم علماؤهم وأحبارهم عن قول الكذب وأكل الحرام، ولبئس ما كانوا يصنعون من ترك النّصيحة والنّهى عن المعصية "[17].
وقد خصّص قوله تعالى ? ولا تأكلوا أموالكم بالباطل... ? الرّشوة في الحكام مع أنّها ليست قاصرة عليهم، ولكنّها منهم أعظم خطرا وأشدّ فتكا؛ لأنّهم ميزان العدالة؛ فإذا فسد الميزان اختلّ الاتِّـزان، وإذا خان الوَازَّنُ ضاع التّوازنُ، ومن ثمّ ينتشر الفساد.
الرّشوة في الأحاديث النبوية:
روى التّرمذي وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « لعن الله الرَّاشي والمُرْتَشِي »، وفي رواية عند أحمد: «والرَّائش» وهو الذي يمشي بينهما[18].
ويؤخذ من هذا الحديث:
1- أن الرشوة من كبائر الذنوب.
2- أن صاحبها ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى سواء كان المعطي أو الآخذ أو الواسطة ، نعوذ بالله من ذلك.
وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « الرّشوة في الحكم كفر، وهي بين النّاس سحت » [19]، ويعني بالكفر هنا أنّـه إذا أعطي الحاكم أو القاضي ومن في معناهما من أهل الولايات الرّشوة من أجل استحلال حقوق الناس وغصبها وإعطائها لآخرين، فإنّ في ذلك تحليل لما حرّم الله، أو تحريم لما أحلّ الله فذاك هو الكفر لقوله تعالى ? ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ?.
ولما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذًا -رضي الله عنه- إلى اليمن أرسل في أثره، فلمّا جاءه قال: « أتدري لِمَ بعثتُ إليك؟ لا تصيبنّ شيئًا بغير إذني فإنّه غلول، " ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة"، لهذا دعوتك فامض لعملك » رواه الترمذي (1335)[20].
وذلك أنّ من أخذ شيئا من الناس من غير طيب نفوسهم، أو أخذه من المال العام دون إجازة الحاكم له فإنما هو غلول والرشوة نوع من هذا الغلول.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرِّبَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسَّنَةِ[21]، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالرُّعْبِ » أخرجه أحمد 4/205(17976).
قال السّاعاتي في معناه: أي الخوف والفزع بحيث يسلّط الله عليهم من يخيفهم من الأعداء، أو يخيفهم بالطاعون ونحو ذلك "[22]، وقال ابن حجر: وفي هذا الحديث ما يقتضي أن الطاعون والوباء ينشأ عن ظهور الفواحش "[23]، الله اكبر !! أليس هذا حالنا يا قوم، أمة لما فشا فيها الرشا جبنت أن تواجه أعداءها بل صار منها فئام عملاء لهم، أمة أصابها الفزع كلّما قالوا هناك انفلونزا كذا أو كذا، وما هو والله إلا وعيد الحبيب -صلى الله عليه وسلم- الذي أوعد به.
الفرق بين الهدية والرشوة:
الهدية: هي أن يعطي شخص لشخص شيئا دون أن يشترط عليه العوض.
والهدية مشروعة ومرغّب فيها، ولها أثر ضدّ أثر الرشوة؛ لأنها تؤلف القلوب وتورث المحبة، كما قال -صلى الله عليه وسلم- « تهادوا تحابوا »[24].
• والهدية تزيل أضغان النّفوس، بينما الرّشوة على العكس تورث القطيعة وتوقع العداوة.
• والهدية يدفعها المهدي عن طيب نفسٍ تقديرا للمهدي إليه، أو تطييبا لخاطره أو تأليفا له، وكلها مقاصد حسنة وعن طواعية، ولذا فهو لا يخفيها كما يخفي الراشي رشوته، والمهدي إليه قد يكافئ عليها إن عاجلا أم آجلا.
• بينما الرشوة يدفعها الرّاشي مُكرها ويأخذها المرتشي متستّرا، وقد جاء الحديث: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس"[25]، وهو موافق للهدية معاكس للرشوة.
• أنّ الرّشوة عطاء مع شرطِ أن يُعِينَهُ، والهدية لا شرط معها[26].
تحـذير: وهنا يلزم التحذير الشديد من تسمية الرشوة باسم الهدية؛ لأنّ من أكلها عالما بها أنها رشوة مستحلاًّ إيّاها فإنه يخشى عليه الكفر؛ لأنّه يدخل في عموم من استحلّ ما علم تحريمه بالضرورة[27].
هدايا العمال:
أي (الهدايا التي يأخذها الحكّام والولاَة، والقضاة، ورؤساء البلديات، والموظّفون في الإدارات، والجمارك، والمطارات وكلّ مسؤول في كلّ مكان ينتفع به النّاس إنما هي جمر من نار جهنّم فليُقِلَّ أو لِيَسْتَكْثِر من جمر النار):
فقد جاء في حديث عبد الله ابن اللُّتبيّة وحديثه معروف عند المحدثين بهذا الوصف، وابن اللتبية هو أحد الموظفين في جمع الزكاة وكان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبعثهم في تلك المهمّات الرّسمية، فانظر أخي المسلم ماذا قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أهدي له وهو موظف يتقاضى راتبا من الدولة، روى البخاري في صحيحه [28] عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- " قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ[29]، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَهَلاَ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَنِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي" [30]"، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه: "ألا هل بلّغت؟ ثلاثا » نشهد أنّه بلّغ، فهل بلغكم هذا يا معشر العاملين والمؤتمنين على وظائف الدولة، لا يأتي أحدكم يوم القيامة يحمل شيئا كائنا ما كان ولو قَلَماً، ولو ورقة، فما بالكم غير هذا.
قال السّندي: " وقد أبان هذا الحديث أنّ عمال الحكومة ومستخدمي الدولة وذوي النّفوذ فيها لا يحلّ لهم تقبل الهدايا فإنها في الحق رشوة في ثوب هدية، وإنما حرمت الهدايا للعمال حفظا لحقوق الدّولة وحرصاً على أموال الأمّة، وصَوناً لحقوق الأفراد من عبث هؤلاء الحكّام ومنحهم حقّ فلان لفلان، وإكرام المهدي على حساب خصمه، ولولا طمع المهديين في الظّفر بحقّ خصومهم أو بحقّ من حقوق الدّولة ما بذلوا تلك الهدايا ولهذا حرّمت الرّشا والهدايا على أصحاب الحكم والنفوذ إلاّ ممّن اعتاد أن يهديهم من قبل أن تصير الولاية إليهم "[31]، بل نص العلماء "أن القضاة لا يجوز لهم أن يقبلوا من الهدايا حتى ولو كان ذلك في ختان وأعراس فلا يجوز قبولها"[32]، وقال في الفتاوي البزازية: القاضي لا يقبل هدية الأجنبي والقريب إلا من كان يهدي قبله، وإن زاد يرد الزيادة إلا أن تكون خصومة فلا يقبل منه أيضا فإن قبل منه وأمكن الرّد ردَّ، وإلاّ وضعها في بيت المال ".
• وعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأْتي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ، مِنَ الأَنْصَارِ، كَأنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: وَمَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى ». "[33].
• وفي سنن البيهقي بسنده عن أبي حميد السّاعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هدايا الأمراء غلول" [34].
ومعلوم أنّ الغلول[35] جمع غلّ، وهو الطّوق في العنق، وذلك إذا كانت ممن لم يهد إليه من قبل، أو كان لا يكافئ عليها.
• وعن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنّهما سألا ابن مسعود عن الرّشوة؟ قال: يقال: من السّحت. قالا: في الحكم؟ قال: ذلك كفر. ثم تلا هذه الآية: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )، هذا حديث حسن من قول عبد الله بن مسعود وقد تقدم بيان ذلك فلينظر.
وجاء في الأثر: « إذا دخلت الرّشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة »[36].
وقد قال أحد الشعراء: إذا أتتِ الهَدِيّةُ دارَ قَوْمٍ تطايرتِ الأمانةُ مِنْ كُوَاهَا
ولله دَرُّ القائل: تَزَوَّدْ حِكْمَةً مِنِّي وخَلِّ القِيلَ والقَالاَ فسادُ الدّين والدّنيا قَبُولُ الحاكِمِ المَالاَ
وقال آخر وقد شاع الرّشا في القضاة : قضاء امرئ لا يرتشي حكومة إذا مال بالقاضي الرِّشا والمطامع
وكذلك ما أُهْدِيَ لأهلِ العاملِ أو الوالي فهو رشوة:
فإنّ كثيرا من لصوص الحقوق، وسرّاق الأموال، يلجأون إلى الطّرق الملتوية ليصلوا إلى بغيتهم عند المسئولين ، بهدف التّوصل إلى إبطال حقّ أو تحقيق باطل، فيأخذون الهدايا إلى نساء أولئك الموظّفين أو أبنائهم أو آبائهم ومن له صلة بذلك المسئول، زعما منهم أنّها هدايا وصِلات لا علاقة لها بما يَخْتُلُونَ[37] من حقوق الغير، وقد سدّ الخلفاء الرّاشدون هذا الباب لئلا يكون للأقارب يد في وصول تلك العقارب من الرّاشين إليهم من طرق أخرى، فقد روى البيهقي في سننه عن عبد الرحمن بن القاسم حدثنا مالك قال: أهدى رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - وكان من عمّال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- - نمرقتين[38] لامرأة عمر -رضي الله عنه- ؛ فدخل عمر فرآهما فقال: (من أين لك هاتين؟ اشتريتهما؟ أخبريني ولا تكذبيني!) قالت: بعث بهما إليّ فلان، فقال: قاتل الله فلانا إذا أراد حاجة فلم يستطعها من قِبَلِي أتَانِي من قِبَلِ أهلي؛ فاجتذبهما اجتذابا شديدا من تحتِ من كان عليهما جالسا، فخرج يحملهما فتبعته جاريتها فقالت: إنّ صوفهما لنا، ففتقهما وطرح إليها الصّوف، وخرج بهما فأعطى إحداهما امرأة من المهاجرات، وأعطى الأخرى امرأة من الأنصار" [39].
قال في تحقيق القضية [40]: وإن ارتشى ولد القاضي أو كاتبه أو بعض أعوانه فإن كان بأمره ورضاه فهو كما لو ارتشى القاضي سواء، ويكون قضاؤه مردودا، أما إذا كانت الهدية بغير علم القاضي نفذ، وكان على المرتشي ردّ ما قبض.
وقد منع العلماء قبول الوالي ومن في معناه هدية ممن لم يكن له عهد بالإهداء إليه، ولو لم تكن له حاجة بالفعل عنده خشية أن تأتي له حاجة فيما بعدُ فيميل إليه بما كان من هديته الأولى.
"وقد وقع مثله لعمر -رضي الله عنه- ؛ كان رجل يهدي إليه رِجل جزور كلّ عام؛ فخاصم إليه يوما فقال: يا أمير المؤمنين اقض بيننا قضاء فصلا، أي كما تفصل الرِّجل من سائر الجزور؛ فقضى عمر -رضي الله عنه- وكتب إلى عماله: ألا إنّ الهدايا الرشا؛ فلا تقبلن من أحد هدية"[41].
وقد بلغ أنوشروان أنّ بعض عمّاله قَبِلَ هَدِيةً فأحضره، فلمَّا دخل عليه، قال: هل قبِلْتَ الهديّة؟ فقال: نعم.
فقال: إن قبلتها لتستكفيه شيئاً لم تكن تستكفيه لولاها إنّك لخائن، وإن قبلتها ولم تكافئه إنّك لَلَئِيم، ولئن كافأته فقد بسطت لسان رعيتك عليك ذمّاً، فمن أتى صنيعاً لا يخلو من هذه الثلاثة رغبنا عنه! وعزله.
وقال الحجّاج لِوَالٍ: لا تقبل الهدية، فصاحب الهدية لا يرضى بعشر أمثالها مع الشّنعة ( مع شناعتها وقبح فعلها).
الرّشوة خلق من أخلاق اليهود:
قد مضت الآيات في صفات أكلة السّحت من أهل الكتاب، وثمّة نصوص كثيرة تبيّن حرص النّفوس المريضة من اليهود والمنافقين في أكلهم أموال الناس بالباطل، أو محاولتهم إبطال الحقّ المشروع كما فعل يهود خيبر مع عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- فقد روى مالك رحمه الله تعالى - عن سليمان بن يسار: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حَلْياً من حلي نسائهم، فقالوا له هذا لك، وخفّف عنّا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن ابغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرّشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض "[42].
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "لا تستعملوا اليهود والنصارى فإنهم أهل رُشا في دينهم، ولا يحلّ في دين الله الرشا".
مضارّ الرّشوة:
لاشك أن كل عمل خالف سنن الرّشد والإصلاح، وافق سبيل الغيّ والفساد، ومن ثمّ فإن للرشوة مضار متعددة، دينيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وامنيا، وإداريا.
الآثار الدينية: أنّ صاحبها مطرود من رحمة الله تعالى، لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب[43]، وسيصلى نارا تلظّى بقدر ما كسبت يده من المال الحرام، والتّفريط في واجبه الّذي كان موكولا إليه بعقد وأمانة، وبناء على ذلك يكون الفعل تدميرا للمبادئ والأخلاق الكريمة، كما أنها تأخذ العبد بعيدا عن الله تعالى فلا يستجاب له دعاء، ولا تقبل له طاعة.
الآثار الاجتماعية: "إنّ الآثار الاجتماعية للرشوة لا حصر لها، ولعل أخطرها أنها تقلب موازين البنية الاجتماعية باعتلاء المنحرفين مواقع لا يستحقونها في البنيان الاجتماعي، ويتراجع الملتزمون بالأنظمة والقوانين في قائمة البنية الاجتماعية، فعندما يصبح المال معيار القيمة الاجتماعية عند بعض الأفراد - بصرف النظر عن مصدره - فإنّ الأمر يؤدّي إلى اهتزاز كلّ القيم وتفشّي ظواهر الأنانية وعزوف الأفراد عن أداء واجباتهم وأنشطتهم المشروعة[44]. كما أن المرتشي يؤثر بسلوكه في أسرته فيصبح قدوة سيئة بأفعاله، والأفعال أقوى صوتا من الأقوال، وإيحاء السّلوك أقوى من إيحاء الألفاظ لذلك تنحرف الأسرة ويصبح وجودها ظاهرة غير عادية [45].
الآثار الاقتصادية: يترتب على الرشوة آثار تدميرية للبنية الاقتصادية، حيث الكساد في العمل الموقوف على الدّفع مقابل التسيير، مما يترتّب عليه قلّة الانتاج، ووقف عجلة التنمية، وتهميش أصحاب الأموال النظيفة التي في أيدي الصالحين فلا يقدمون على المشاريع التي يقف على أبوابها المرتشون، مما يؤدي إلى تعطيل جزء كبير من الأموال في إدارة الدولة [46].
الآثار الأمنية: هناك آثار كثيرة سالبة، حيث تدفع ضعاف النفوس إلى غض الطرف عن الراشي، والسماح للمهرّبين بإدخال الممنوعات كالمخدّرات والأسلحة وخلافها، وتهريب السلع الضرورية ولاسيما المستوردة بالعملة المضاعفة، مما يرتب الضرر الأكبر على الفرد والمجتمع.
ثمّ إنّ في ذلك إهدار للأموال وتعريض الأنفس للخطر: فلو تخيّلت أنّ الرّشوة قد سادت في مجتمع حتى وصلت إلي قطاع الصحة وإنتاج الدواء، فكيف ستكون أحوال الناس الصحية حين يستعملون أدوية رديئة مغشوشة أُجيز استعمالها عن طريق الرشوة[47].
ثم تخيّل أنك تسير على جسر من الجسور التي بها عيوب جسيمة تجعل منها خطرًا علي أرواح الناس وممتلكاتهم، وقد حصل المقاول على شهادات إتمام العمل والبناء عن طريق الرشوة، كم سيترتب على انهيار هذا الجسر من خسائر في الأرواح والأموال، وكم من متجر ومدرسة ومرافق عمومية وعمارات شاهقة انهدمت على رؤوس ساكنيها بسبب التّغشيش، وقس على ذلك جميع المجالات، فكيف يلقى الله تعالى عبد قتل الخلق من أجل دريهمات فانية، ذهبت لذّتها وبقيت حسرتها، فلهذا كانت الرشوة إهدارًا للأموال، وتعريضًا للأنفس للخطر.
الآثار الإدارية: تهميش الطّاقات الإدارية المتميّزة والنّظيفة لتعفّفهم، وعزّة نفوسهم، واعتدادهم بكفاءتهم.
ممّا يزيد في ترسيخ الفساد، وتكديس المعاملات وتأخيرها ويفوّت على أصحابها كثيرا من المنافع المادية والمعنوية.
ما هي الأسباب التي تساعد على انتشار الرشوة:
يبدو أنّ الرشوة تتمشّى مع العوامل غير العادية لأنها مرض غير عادي ولذلك فإنها تفشو في المجتمعات الفاسدة:
وأهمّ تلك الأسباب:
1- ضعف الوازع الديني، ونقص الإيمان، عند الرّاشي والمرتشي، والماشي بينهما، وهذا من أهمّ الدّوافع لأخذ الرشوة.
2- وقوع الظّلم والجور في المجتمعات؛ فيعمد العامّة لدفعها خوفا على أنفسهم، أو لكونها متفشية في أوساط المجتمع.
3- غلاء الأسعار في المجتمعات، وتدَنِّي الرَّواتب، مما جعل الحاجيات عند شريحة من النّاس أمرا مهما بل ربما عدُّوها من الضّروريات، فركبوا ظهر الحرام ليشبعوا رغباتهم ويُدركوا حاجياتهم، ولو كانوا مؤمنين حقا ما فعلوا ذلك.
4- عدم مراقبة العمّال وأصحاب الولايات على الرّعية من قِبَلِ المسؤولين؛ فيتجرَّأُون في أخذ الرّشوة على أعمالهم.
5- وجود خلل في نظام السلطة؛ فلا يصل صاحب الحقّ إلى حقّه إلاّ بها.
6- انعدام الشّفافية والمساءلة في الدّول التي يفشو فيها الفساد المالي والاجتماعي.
7- الجشع والاستغلال والأنانية وعدم وجود الشّعور الاجتماعي للفرد.
8- الشّعور بعدم قيام الدولة بإنفاق الأموال بعدالة ورشد.
مكافحة جرائم الرشوة يمكن أن تتحقّق بعدّة وسائل من بينها:
1- تعظيم حرمات الله تعالى في نفوس النّاس أن تنتهك.
2- تمسّك المواطنين بحقوقهم المشروعة، وعزوفهم عن تقديم الرّشاوى للموظفين.
3- رفع المستوى المادّي للموظفين للحيلولة بينهم وبين العوز والاحتياج وبالأخصّ الموظفين ذوي الدَّخل المحدود.
4- تشجيع الموظفين على الاستقامة والنزاهة بتقرير مكافآت مالية لهم على النّحو المتبع في المؤسسات الحرّة.
5- إنشاء إدارة خاصّة تسمى" إدارة مكافحة الرّشوة" على غرار إدارة مكافحة المخدّرات وغيرها، وأن يختار لها أناس ذوو أمانة وكفاءة أقوياء.
6- العمل الجادّ على رفع المستوى الأخلاقي للشعوب لأنّ القوانين التي لا تساندها أخلاق الشعوب المستقيمة مآلها الفشل والاندحار.
7- إيمان المشرّع بأن القوانين التي يصدرها يجب أن تستمد قوتها من الشّرع الحكيم.
8- أن يكون لوسائل الإعلام المختلفة دور فعال في تشجيع الهيئات المكافحة للفساد، وأن تتابع قضايا الرشوة في المحاكم وتشهر بها ترهيبا للناس من هذه الظاهرة، وأن تكشف للرأي العام عن الإدارات والأماكن التي توجد فيها هذا المرض لتتحرك الجهات المسؤولة ولإحراج المتكاسلين عن أداء واجبهم أو الخائفين المتخاذلين.
9- على ولاة الأمور أن يسلّطوا العقوبات القاسية؛ ضدّ كلّ من يثبت عنه بالدّلائل القاطعة استغلال منصبه في المؤسسات الرّسمية وأجهزة الدّولة لحسابه الخاصّ، وأوّل هذه العقوبات الفصل النّهائي من عمله، ومصادرة الأموال التي اكتسبها من الرّشوة والنّماء النّاتج عنها ليكون عبرة لغيره لاسيما وأننا إذا نظرنا للناحية القانونية، فإن قانون العقوبات يجرّم كل ما يسمي هدايا، فهو يعاقب الموظف العمومي الذي يقبل، بل حتى الذي يطلب وعدًا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، حتى ولو كان العمل داخلاً في اختصاصه، وسوف يمارسه بطريقة مشروعة، فمجرد الحصول على مقابل أو عطيّة - كما يقول القانون - يعتبر رشوة.
10- يتعين على الأئمة والوعاظ أن يكثروا من تذكير الناس بفناء الدنيا وما فيها من أموال وبيوم الحساب، وسرد الوعيد الوارد في أكل المال الحرام والظلم عموما، والوارد في الرشوة خصوصا من فوق المنابر وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإليكترونية وكلّ ما هو متاح لهم من وسائل الإعلام.
10- أن تجعل في البرامج التعليمية في مختلف المستويات دروسا تشرح فيها مفاسد الرّشوة على الفرد والمجتمع وعاقبة أهلها في الدنيا والآخرة، وأخرى لبيان خطر أكل المال الحرام، ودروسا في العقيدة يعرف فيها النّشء بأنّ رزقه مقدر له قبل أن يولد وأنّ السرقة والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل لن يزيد في ماله ورزقه شيئا.[48].
عقوبات مقترحة على المرتشين:
لم يرتكب المرتشي جريمته إلاّ لأنّه يريد الاستزادة من المال، ويملأ خزائنه من الحرام، ضاربا بذلك عقد العمل وقوانينه، وحاجات النّاس وأعمالهم عرض الحائط، غير مكترث بوعيد الله وانتقامه، فلذلك ينبغي للسلطان المقسط أن يقيم حد التعزير على مثل هؤلاء المفسدين، " فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " ويكون التّعزير ذلك إما:
1- بتغريمه أضعاف أضعاف ما أخذ معاملة له بنقيض مقصوده.
2- أن يحبس ليختلي بنفسه ويجتر سوء فعلته، فالحبس مدعاة لابتعاده عن بيئته الآسنة، وإفطاما له من رضاعته الفاسدة.
3- عزله من وظيفته ليكون عبرة للمفسدين من أمثاله، وقد قيل: مما يعين على العدل اصطناع من يؤثر التقى، واطّراحِ من يقبل الرُّشا، واستكفاء من يعدل في القضية، واستخلاص من يشفق على الرعية، فإنه ما عدل من جار وزيره، ولا صلح من فسد مشيره[49].
4- تأخيره عن رتبته الوظيفية، وسلّمه في العمل.
5- التّشهير به إن كان ثبت عنه تكرير فعلته سواء في وسط زملاء العمل ومرؤوسيه، أو عبر وسائل الإعلام المقروءة أولا، ثم السمعية، ثم المرئية، بحسب فظاعة الجريمة [50].
أسئلة مطروحة في واقع الناس:
1- هل يجوز للمظلوم أن يصانع عن نفسه وماله إذا خاف الظلم؟:
نعم لا بأس أن يصانع الرّجل عن نفسه وماله إذا خاف الظّلم خوفا محقّقا، ولا يستطيع أن يدفعه بمن فوق ذلك الظّالم، فقد روي ذلك عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء [51].
وأمَّا ما يأخذه المرتشي إنّما يستحقّ به اللعّن والطّرد من رحمة الله تعالى، إما على حقّ يلزمه أداؤه فلا يفعل ذلك حتّى يُرْشَى، أو على بَاطِلٍ يَجِبُ عليه تركُهُ فلا يَتْرُكُهُ حتىّ يُصَانَع ويُرْشَى[52].
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأَثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَال: إِنَّ الإِثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ [53].
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُل عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ[54].
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لذلك قاعدة فقهية بقوله: فإنّ التّحريم في حقّ الآدميين إذا كان من أحد الجانبين لم يثبت في الجانب الآخر، كما لو اشترى الرّجلُ ملكَهُ المغصوبَ من الغاصب، فإنّ البائع يحرم عليه أخذ الثّمن والمشتري لا يحرم عليه أخذ ملكه، ولا بذل ما بذله من الثمن، ثم حكى أقوال العلماء في خصوص الرشوة، فقال:
ولهذا قال العلماء: يجوز رشوة العامل لدفع الظلم، لا لمنع الحق[55]، (أي أنه لا يجوز إرشاد العامل الظالم لينوب عن شخص في دفع الظلم عنه أو منع حق عن آخر من أجل أن يأخذ الرشوة منه ) والله أعلم.
وقد استدلّ بعض العلماء على ذلك بأحاديث الملحفين[56] الذين كانوا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصدقة فيعطيهم وهم لا يستحقّون، فعن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- , قَالَ: « قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يُحْسِنَانِ الثَّنَاءَ , يَذْكُرَانِ أَنَّكَ أَعْطَيْتَهُمَا دِينَارَيْنِ , قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ , -صلى الله عليه وسلم- : لَكِنَّ وَاللهِ فُلاَنًا مَا هُوَ كَذَلِكَ , لَقَدْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى مِئَةٍ , فَمَا يَقُولُ ذَاكَ , أَمَا وَاللهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُخْرِجُ مَسْأَلَتَهُ مِنْ عِنْدِى يَتَأَبَّطُهَا يَعْنِى تَكُونُ تَحْتَ إِبْطِهِ يَعْنِي نَارًا , قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ , لِمَ تُعْطِيهَا إِيَّاهُمْ؟ قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ , يَأْبَوْنَ إِلاَّ ذَاكَ , وَيَأْبَى اللهُ لِيَ الْبُخْلَ » رواه أحمد (3/4) (11017)، وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح [57].
فإذا كان ضغط الإلحاح جعل الرسول – -صلى الله عليه وسلم- - يعطي السائل ما يعلم أنه نار على آخذه، فكيف يكون ضغط الحاجة على دفع ظلم أو أخذ حق مهدر.
2- تعاقدتَ مع إنسان على عمل بقدر معلوم إلى أجل معلوم فأنجزه لك قبل أجله، أو قام به على أحسن ما كنت تتوقعه فطابت نفسك وأعطيته شيئا مقابل ذلك، هل يجوز؟
لا بأس به؛ لأنه يعتبر من ضمن الأجر ومن المكافأة على الإحسان بالإحسان، وإنّما دفعت ما دفعته في مقابل نفع ذلك دون مضرّة على غيرك، وهو قدّم إليك من المعروف ما ليس واجبا عليه، فكانت منكما معاوضة إحسان بإحسان.
3- ما حكم إهداء الطالب لمدرّسه من المشايخ الفضلاء أو سائر المعلّمين؟
• قال العلماء: إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأَوْلَى عَدَمُ الأَخْذِ [58].
• وأمّا يفعله بعض الأساتذة في المدارس والجامعات أنّ من أهداهم ضاعفوا له النّقاط وسرّعوا نجاحه، وذلّلوا أمامه العقبات، ولو غاب، بل ولو كان فاشلا، فهذه رشوة وسحت يأكلها صاحبها، إضافة إلى أنّها زور وكذب لاسيما في حقّ الطّلبة الفاشلين[59]، والواقع المرّ الذي نشهده خير دليل على هذا، فلو أنّ أولئك الأساتذة كانوا صادقين في عملهم، لما امتلأت السّاحة بحاملي شهادات الزّور في كلّ الميادين، فصرنا إلى ما نحن عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
4- ما حكم الهدايا للأطباء والصيادلة؟:
هذه بعض الأسئلة والإجابات عليها قد طرحت على السادة العلماء باللجنة الدائمة للفتوى.
س (أ): نظرا للتنافس الشديد بين شركات الأدوية المختلفة، يأتي ممثلها ويوزع بعضالهدايا على الأطباء مثل قلم مكتوب عليه اسم المنتج، أو ساعة أو مسجل.. إلخ، مقابل أن يكتب الطبيب هذا الدواء للمريض، فما حكم هذه الهدية للطبيب؟ وهل هي هديةأم رشوة، خاصة إذا كان هناك بند في الشركة مخصص للدعاية، وهل إذا كتب الطيبالدواء في موضعه الصحيح وعند الحاجة إليه فقط مقابل هذه الهدية، هل يأثم أم لا؟وما الدليل على ذلك؟
وأحيانا تَعِدُ الشّركة الطّبيب بهدية معيّنة مقابل كتابته لكميةمحددة، فهل هذه رشوة أم لا؟ نقصد تحديد الكميه والمقابل؟ وما الدليل؟ وفي أحيانأخرى تعد الشركة الطبيب بهدية مقابل كتابة دواء بعينه دون تحديد كمية، فهل لو كتبالطبيب الدواء في موضعه الصحيح يأثم لذلك أم لا، وما الدليل؟
وأحيانا تكونالمادة الفعالة واحدة، ولكن تنتج الدواء عدة شركات بأسماء تجارية مختلفة- أي لهاجميعا نفس التأثير- مندوب بعض هذه الشركات يزور الطبيب في عيادته بصفة دورية ويعطيههدية من الشركة، وبالتالي يكتب الطبيب دواء المندوب الذي يزوره بصفة دورية، ويحضرله الهدايا ويقول: (هل يتساوى الذي يعمل والذي لا يعمل) فما الحكم، وهل الدعايةبهذه الصورة حلال أم حرام، وما الدليل؟
ج (أ): لا يجوز للطبيب أن يقبل الهدايا من شركات الأدوية ؛ لأن ذلك رشوة محرمة، ولو سميت بهدية أو غير ذلك منالأسماء ؛ لأن الأسماء لا تغير الحقائق ؛ ولأن هذه الهدايا تحمله على الحيف معالشركة التي تهدي إليه دون غيرها، وذلك يضر بالشركات الأخرى.
س(ب): بخصوصالعمل في شركات الدعاية، بالنسبة لمندوبي الشركات، أصبحت الآن بعض الشركات- أومعظمها- يعمل بطريقة الهدية أو الرشوة- كما سبق- والمندوب أصبح يخشى على موقعه فيالشركة إذا لم يفعل ذلك، كما أنّ أغلبية الأطباء لن يكتب دواءه للمريض بسبب عدمإحضار هدية، ويكتب دواء من يقدم الهدية، وبالتالي يضطر إلى مجاراة الشركات الأخرىفي مسألة الهدية هذه، فما الحكم؟ هل هو مضطر بسبب خوفه على الوظيفة أم لا؟وخصوصا ربما يكون عليه التزامات مادية يجب أداؤها.
ج(ب): مندوب الشركة الذييقدّم الهدايا للأطباء من أجل ترويج أدوية تلك الشركة دون غيرها يعتبر رائشا، وهذاالوسيط بين الراشي والمرتشي، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: لعن الله الراشي والمرتشيوالرائش ) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[60].
س(ج): أنا صيدلي أعمل بإحدى شركات الأدوية كمندوب دعاية لأدوية تلك الشركة، وحيثإننا نقوم بإهداء الأطباء والصيادلة بالمستشفيات والمستوصفات الخاصة والعامة هدايامثل: قلم أو ساعة مكتوب عليها اسم المنتج أو اسم الشركة الموزعة، وذلك حتى يقومالطبيب بوصف هذا الدواء أو الأدوية التي نقوم بتوريدها للمرضى، علما بأن معظمالشركات المنافسة تقوم بذلك وبكثرة، حيث نجد أنفسنا مضطرين وإلا تعرضت المنتجاتللكساد، وبهذا يكون المريض ضحية التنافس، فما حكم مثل هذا العمل؟
ج(جـ): هذاالعمل لا يجوز، ويعتبر رشوة محرمة ؛ لأنه يحمل الموظف على أن يحيف مع الشركة التيتهدي إليه، ويترك الشركات الأخرى، وهذا فيه أكل للمال بالباطل، وفيه إضراربالآخرين، فالواجب تجنبه والتحذير منه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشيوالمرتشي. نسأل الله العافية والسلامة، وبالله التوفيق، وصلى الله علىنبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
س(د)- وجه هذا السؤال: لفضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى ! تقوم بعض شركات الأدوية بتقديم عيناتمن الأدوية والأقلام والمذكرات والكتب التي تحمل دعاية لشركة الأدوية، فتقوم بتقديمهذه العينات وهذه الأدوية إلى الأطباء والصيادلة فهل يجوز قبولها أملا؟
ج(د)- إنّه لا بأس ما لم يكن ذلك من باب الرّشوة، وإن كان من باب الرّشوةفلا، وأمّا إن كان من باب الدعوة لها، وهي مؤسسة جائزة ليس فيها حرام فلابأس.[61]
6- هل يجوز لمن لم يجد وظيفة إلاّ بالرشوة أن يقدم عليها؟:
ج- لا يجوز مباشرة الوظيفة بالرشوة ما دام يجد ما يكفُّ به وجهه عن المسألة، وذلك بأن يعمل أي عمل شريف يكفيه قوته وأهله، ثمّ إنّ دفع الرّشوة ليكون مكان شخص آخر فلعلّه يكون أحوج إلى العمل من الدّافع فيظلم ويأثم.
س7- يقول سائل: عندما قمت بشراء المستلزمات الخاصة بالشركة، وحين ذهبت أشتري أغراضًا من أحد المحلات، وجدت البائع - بعد احتساب قيمة الفاتورة - أخذ النقود وأعطاني مبلغًا بسيطًا من المال، وقال لي: هذه عمولتك، على أن تشتري من المحل دائمًا: فهل هذا المبلغ حرام ، ويعتبر رشوة أم هو فعلاً عمولة وحلال آخذه؟ علمًا بأني وجدت أن السعر هو السعر المحدّد بكلّ السوق، وفي حالة ما إذا كان هذا المال حراما كيف أتخلّص منه، وما العمل الذي يجب علي فعله وجزاكم الله خيرًا.؟
ج7- يقول الدكتور يوسف بن أحمد القاسم: هذا من الرشوة المحرمة وإن سمي عمولة، فإن الأسماء المستعارة لا تغير من الحقيقة شيئًا، ووجه كونه من الرشوة: أنه أعطاك هذا المال ليستميلك بالشراء من ذلك المحل الراشي، وفي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ الأزدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَي الصَّدَقَةِ.
وأيضًا فإنّ العامل في الشركة إذا قبل هذه الرشوة (أو العمولة أو الهدية!)، فإنها ربما تؤثر سلبًا على صدقه ونزاهته في مجال عمله، ولو على المدى البعيد، بحيث إنّه سيقدم على الشّراء من ذلك المحلّ أو السّوق طمعًا في تلك العمولة، دون مبالاة بجودة البضاعة، ولا بنقص السّعر، فحرم الشّارع هذه الهديّة أو العمولة، سدًّا لهذه الذريعة، وقطعًا لمظنّة الوقوع في شراك ذلك المال.
وأيضًا فكيف يستأثر العامل بمال أخذه لا بسببه، وإنما بسبب عمله، وهذا ما يشير إليه قول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: « أفلا قعَد في بيتِ أبيه أو في بيتِ أمِّه حتى ينظُرَ أيُهْدَي إليه أم لا ».وعلى هذا فإنه يجب إعادة المال إلى صاحبه، كما صرح به النووي في شرح صحيح مسلم، وابن قدامة في المغني، حيث قال: (فإن ارتشي الحاكم، أو قبل هدية ليس له قبولها، فعليه ردّها إلى أربابها، لأنه أخذها بغير حق، فأشبه المأخوذ بعقد فاسد). ثم زاد رحمه الله: (ويحتمل أن يجعلها في بيت المال، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر ابن اللّتبية بردّها على أربابها، وقد قال أحمد: (إذا أهدي البطريق لصاحب الجيش عينًا أو فضة، لم تكن له دون سائر الجيش). قال أبو بكر الأثرم: يكونون فيه سواء) اهـ. وعلى هذا، فيحتمل أن يقال له أن يسلمه إلى الشركة، باعتبار أنّها السّبب المقصود من دفع ذلك المال، وهذا ما يشير إليه الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عدي بن عميرة الكندي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « مَن اسْتَعْمَلْناهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بقليلِهِ وكثيرِهِ، فمَا أُوتي مِنْه أخَذ، ومَا نُهِي عنه انْتهَي » فلو قيل بهذا الاحتمال لكان له وجه، والله تعالى أعلم[62].
س 8- أمتلك محلاًّ، ويأتي إلي أحيانًا بعض الموظفين الحكوميين لمراجعة عملي، ويقومون بابتزازي لأخذ أموال مني رغم أن اوراقي سليمة. ويمكنهم أن يعطلوا عملي فأضطر لإعطائهم رشوة كي أتقي شرهم، فما حكم ذلك؟
ج8- إذا كان الأمر كما وصفته من غير مبالغة فيه، فما تدفعه لهم مباح في حقّك لدفع شرّهم الّذي لا يندفع إلاّ بذلك، وهو حرام عليهم لأنّه رشوة بغير حقّ في حقهم. والله تعالى أعلم.
س10- ما حكم الرّشوة في شراء أصوات الناخبين؟
ج10- يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب: يرى العلماء أنَّ الاختيار عن طريقِ الانتخاب المباشر أمرٌ له خطورته في بناءِ الأمة وعلى كيانها، ويجب أن يُوضع في مكانه الصحيح فوق المساومات، والبيع والشراء، ولا يجوز شرعًا أن يأخذ المسلم أجرًا على هذه الشهادة. يقول الحق سبحانه: ? وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ? ولذلك فإنَّ الرشوةَ حرامٌ وسُحتٌ إلى يوم القيامة.
وعملية شراء الأصوات، حرام شرعًا، بل خِسّة وانحطاط، وتدمير للأخلاق، وإهدار لرأي الناخب، بل واستهتار بالإنسان، يقول الحقّ سبحانه: ? وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? ، وأجمع العلماء والفقهاء على تحريمِ هذه الأعمال ولعْن مَن يتصف بها، لأنه يقدّم مَن يستحقّ التّأخير، ويؤخّر مَن يستحقّ التّقديم، وتتحول المجتمعات إلى مجتمعاتٍ نفعية بلا خلق وبلا ضمير، ولا تؤدي الواجب، بل تعيش على الحرامِ والسُّحت، وأكل أموال الناس بالباطل، وكل هذا حرام. ولقد انتشرت ظاهرة الرشوة - المحرمة إلي يوم القيامة - خاصةً في فترات ومواسم الانتخابات، وبدلاً من القيام بخدمة المواطنين والوطن، والعمل على راحتهم، وتوفير فرص العمل المناسب والعمل الشّريف لهم، أصبح السعي إلى شراء الأصوات هو الأصل وموضع الاهتمام، وهناك إجماع من علماء الإسلام على تحريم هذه الأشياء. إذ يضيع الأعلم والأنفع لأمّته الّذي يستطيع أن يقوم بهذا الواجب في الدّفاع عن حقوقه، لأنّ الأصوات امتلكها مَن يملك الدّرهم والدّينار، بصرف النّظر عن أيّ اعتبار آخر! اهـ [63].
س11- ما حكم دفع بعض الهدايا أو الأموال من أجل الحصول علي مناقصة أو مشروع؟
ج(11) - لا يجوز هذا العمل، أي الإهداء عند المناقصات والمشاريع، لا من المعطي ولا من الآخذ، لأنّ هذا يؤدي إلى الغش، وإلى تقديم المهدي على غيره مع أنّ غيره أحقّ بالمشروع[64].
س12- هل يجوز الأكل عند الذين يأكلون أموال الناس بالباطل كالرشا؟.
ج12- قال الشيخ بن جبرين رحمه الله تعالى : إذا كانت معاملاته محرمة؛ يأخذ الرشا،
| |
|