[ltr]بسم الله الرحمن الرحيم[/ltr]
[ltr]ضعف مراقبة الله في الخلوات[/ltr]
[ltr]مكمن الداء والطريق إلى الدواء[/ltr]
[ltr]حازم ناصر (أبو عمر)[/ltr]
الحمد لله الحليم التواب غافر الذنب قابل التوب ذي الطول شديد العقاب ، وأصلي وأسلم على خير من صلى وصام وتاب وأناب، وعلى الآل والأصحاب، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم المآب..أما بعد:
* مقدمة :-
منّ الله عليه فألتزم وصار يتنقل بين الطاعات, من فروض وسنن وواجبات, وهجر حياة المعاصي والذنوب والموبقات, ولكن لا يزال الشيطان يراوده ويأتيه بين الأوقات, وأكثر ما يكون ذلك في الخلوات, فيوسوس له بمشاهدة أو سماع أو قول الحرام أو يزين له فعله.
ولأنه عنده من ضعف مراقبة الله في الخلوات ما عنده، يقع في الفخ الذي نصبه له إبليس ونفسه الأمارة بالسوء فيقع في الذنب ولأن الله وضع في قلبه خير يعود فيندم فيتوب ولكن لما يختلي بالله مرة أخرى يزين الشيطان له فعل الذنب فيعود ويتكرر منه الذنب.
وهكذا يختلي يذنب .. يندم يتوب .. يختلي يذنب .. يندم يتوب ..
هذه صورة واحدة وغيرها كثير من صور ذنوب الخلوات, فمنهم من إذا خلى بالله زنى أو سرق أو تعامل بالرشوة أو تعدى على حق لغيره, والصور كثيرة في هذا الباب منها ما هو من صغائر الذنوب ومنها الكبائر.
وليس كلامي هنا عن الذين لا يبالون بالمعاصي سراً وجهاراً ليلاً ونهاراً ، فهؤلاء المجاهرين حسابهم على الله ويكفيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين ...) إلى آخر الحديث، وإنما حديثي عن أصحاب الطاعات في العلن أصحاب المعصية في السر، أمام الناس هم المصلين التالين كتاب الله والمقبلين على أهل الدين وفي الخلوات تتغير الحالات.
قال محذراً بلال بن سعد رحمه الله: (لا تكن ولياً لله في العلانية وعدواً له في السر).
* ألا يعلم بأن الله يرى :-
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل خلــوت ولكن قل علي رقيب
ولا تـحسبـن الله يغـفــل ساعـة ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب
[ltr] [/ltr]
إن ذنوب الخلوات لا تدل إلا على ضعف إحساسنا بمراقبة الله عز وجل لنا في السر والعلانية ، فإن كنا نوقن فعلياً أنه يرانا فكيف نتجرأ على معصيته، وكيف نجعله أهون الناظرين إلينا،( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم). لا حول ولا قوة إلا بالله ، فأين نحن من درجة الإحسان التي عرّفها لنا نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).وذلك من الحديث المشهور الذي رواه البخاري وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأين نحن من نصيحته صلى الله عليه وسلم لأبن عباس: (أتق الله حيثما كنت), والمعنى بقوله: (حيثما كنت) السر والعلانية، مع الناس أو في خلوة.
* خطورة ذنوب الخلوات:-
لخـّص أحد علماء السلف رحمهم الله نتيجة ذنوب الخلوات في جملة وكأنها معادلة حسابية فقال رحمه الله: ( ذنوب الخلوات .. انتكاسات ، وطاعات الخلوات .. ثبات).
فلو رأيت أحداً ممن كان مشهوراً بالالتزام معروفاً عند أهل الخير والإقدام لو رأيته على حال أخرى، لو رأيته وقد تبدل حاله وانتكس فاعلم أن الأمر لم يكن صدفة ولم يأتي بغتة، فإنه بارز الله بالمعاصي في الخلوات حتى تكاثرت على قلبه فظهرت في العلن .
وكان السلف رحمهم الله يعرفون صاحب معصية الخلوة، فإن لها شؤماً يظهر في الوجه ويظهر في ضعف إقباله على الطاعات، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن, ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق).
وقال أبو الدرداء لسالم بن أبي الجعد: ليحذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر! قال: أتدري ما هذا؟! قلت: لا، قال: العبد يخلو بمعاصي الله عزوجل, فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر!!
وإن لم يكن من خطورة ذنوب الخلوات إلا هذا الحديث لكفى, فقد جاء في سنن ابن ماجه بسند جيد من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً), قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: (أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).
يا رب سلم سلم.
* مكمن الـــداء :-
إن الخطوة الأولى لعلاج هذا الداء هي الوقوف على مكمنه، ووصفه وصفاً صحيحاً ولكي يحدث ذلك لنتدبر سوياً قوله تعالى: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد قراءة هذه الآية الكريمة بتدبر هو: هل نستشعر معية الله عند وقوعنا في المعصية التي لا يرانا فيها غيره ؟
هل نعلم يقيناً وفعلياً أنه مطـّلع علينا ؟
إن قال قائل لا أعتقد أن الله يراني حال وقوعي في المعصية لذلك تجرأت، فإنه قد كفر فإن من الإيمان بالله أن تؤمن بأسمائه وصفاته فهو سميع بصير: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
فهو يعلم سرنا وجهرنا, ويسمع كلامنا ويرى مكاننا ولا يخفى عليه شيئاً من أمرنا ... سبحانك اللهم ربنا.
إذن نعلم أنه يرانا ونعلم أنه يغضب إن عصيناه, وبالرغم من ذلك نقع في الذنب .. لما ؟ الجواب عند بن الجوزي رحمه الله حين قال : ( تأملت وقوع المعاصي من العصاة، فوجدتهم لا يقصدون العصيان وإنما يقصدون موافقة هواهم، فوقع العصيان تبعاً . فنظرت في سبب ذلك الإقدام مع العلم بوقوع المخالفة؛ فإذا به ملاحظتهم لكرم الخالق، وفضله الزاخر . ولو أنهم تأملوا عظمته وهيبته ، ما انبسطت كفٌ بمخالفته).
هذه مشكلة الكثير منا أنا نتعلق برحمة الله وكرمه وجوده ومغفرته وحبه لتوبة التائبين وليس في ذلك عيب إلا أننا جعلناه باب للوقوع في المعاصي وما تأملنا عظمة الله وهيبته وغضبه وعذابه.
* الطريق إلى الــــدواء:-
[ltr](( قاعدة أساسية سليمة وأعمدة قوية يتم البناء ))[/ltr]
إن القاعـدة الأساسية لعـلاج ذنـوب الخـلوات, وأول الطريـق إلى الدواء هـو أن نرفـع جانـب الخوف عندنا على جانب الرجاء، نعم نتلو قوله تعـالى: ( و َرَحْمَتِي وَسِعَـتْ كُلَّ شَيْءٍ ), ولكن نتـم الآية ( فسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، نتلـو قـوله تعـالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيـمُ), ونتبعـهـا بما يلـيها: (وَ أَنَّ عَـذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ)، فلا يكفـي أن نتفـكـر في كرم الله ومغـفـرته ورحمته, وننسى عـذابه، فهـذه القاعـدة هي عـمل قلبي عظيم كي نستشعرعظمة الله سبحانه, فتـزيد هـيبته في قـلوبنا فنمتنع عن فعل المعصية, فتعمل بقول القائل: (لا تنظرإلى صغر المعصية, ولكن انظر إلى عظمة من عصيت).
[ltr]وإذا خلـوت بريبـة في ظلمـة والنفـس داعيـة إلى طغـيان [/ltr]
[ltr] فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني[/ltr]
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك)، فالخوف من الله في هذا الباب أمر محمود ومأمور لأنه يدفع العبد لاجتناب ما نهى عنه الله، وقد أثنى الله عزوجل على عباده المؤمنين فقال: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ), وقال أيضاً سبحانه: ( وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ).
وبعد رسوخ هذه القاعدة العظيمة فلا يمنع أن يكون هناك أسباب أخرى معينة وهي بمثابة الأعمدة القوية ليتم البناء نذكر منها ما يلي:-
1. تجديد التوبة :
(وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ آثاما * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ). ليس معنى وقوع العبد في الذنب أن يترك التوبة أو أن الله لا يتوب عليه، بل الواجب على من ابتلي بهذا الابتلاء أن يجدد التوبة دائماً وليحسن الظن بربه وإن تكرر الذنب, فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وكل توبة صادقة تجبُّ ما قبلها.
2. التضرع إلى الله :
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ), ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ), ندعو الله ونسأله أن يعيننا سبحانه وتعالى على التخلص من هذا الداء، ونتحرى في ذلك أوقات الإجابة, كالوقت بين الأذان والإقامة ودبر كل صلاة مكتوبة والساعة الأخيرة من يوم الجمعة والثلث الأخير من الليل، وكذلك نأتي بأسباب القبول كاليقين في الإجابة والإلحاح على الله في الدعاء والذل والانكسار بين يدي العزيز الجبار وحضور القلب واستشعار عظمة الله وغيرها.
3. الإكثار من ذكر الله :
لا شك أن محافظة العبد على أذكار الصباح والمساء ودبر الصلوات، وأن يشغل لسانه دائماً بذكر الله, كل ذلك يجعله في معية الله دائماً وحفظه ورعايته: (احفظ الله يحفظك), فيحفظك سبحانه من الوقوع في مثل هذه المعصية ويشغلك بطاعته.
4. الصلاة في المسجد وخاصة صلاة الفجر:
(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ), إن الحفاظ على صلاة الجماعة مع استحضار القلب ومجاهدة النفس للوصول للخشوع, تعين العبد على ترك المعاصي وعلى سرعة العودة والتوبة إن وقع فيها, وعلى العكس من ذلك للذي يتهاون عن صلاة الجماعة أو يؤخرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة كان في ذمة الله حتى يمسي). تضييع صلاة الفجر عند الكثير ممن يتسمون بالالتزام ظاهرياً أمر خطير، والمحافظة عليها تجعلك في ذمة الله ومن كان في ذمة الله وقاه وكفاه.
5. الإقبال على طلب العلم :
) إ ِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء), فإن طلب العلم يزكي النفس ويرفع من خشية العبد لربه في السر والعلن، كما أن شغل وقتك بالمفيد من قراءة أو تدبر قرءان أو حضور مجالس العلم أو استماع للمحاضرات كل ذلك يشغلك عن المعصية, فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
6. العمل بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم :
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه فقال: ( أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك), والحديث صححه الألباني.
وكم هي نصيحة عظيمة ووصية غالية، فكل من يقبل على ذنوب الخلوات لو كان أمام الناس لاستحى منهم وما فعل ما يفعل, ولو علم أن أحداً منهم يراه لتوقف عن المعصية، فماذا لو كان الذي يراه هو رجل صالح ممن يعرفه ويحبه ويجله وله عنده مكانة, فمن باب أولى كان سيترك فعل المعصية استحياءً من هذا الرجل الصالح، لذا لو صعب على أحدنا أن يستشعر أن الله يراه في اللحظة التي يكون فيها بعيد عن عيون الناس فليتخيل أمامه الرجل الصالح من قومه لعل ذلك يردعه، ويكون سبباً له في الكف عن المعصية والله أعظم وأجل.
هذا والله أعلم!!
وما كان في قولي من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان وما كان في قولي من توفيق فمن الله الكريم الرحمن, وأصلي وأسلم على خير الأنام، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الكرام، والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك