www.just.ahlamontada.com
الزوار الكرام
نفيدكم بأن لدينا الكثير من المتميز
أنتسابكم دعم للمنتدى



: ثبات الأخلاق _2__84270772bz0

الادارة


www.just.ahlamontada.com
الزوار الكرام
نفيدكم بأن لدينا الكثير من المتميز
أنتسابكم دعم للمنتدى



: ثبات الأخلاق _2__84270772bz0

الادارة


www.just.ahlamontada.com
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

www.just.ahlamontada.com

شعر : خواطر : قصة : نقاشات جادة : حقوق مرأة : أكواد جافا نادرة : برامج صيانة :برامج مشروحة مع السريال : بروكسيات حقيقة لكسر الحجب بجدارة . والمزيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

الى زوار منتدى البرنامج المشروحة / الكرام . نفيدكم بأن برامجنا المطروحة كاملة ومشروحة ومع السريال وتعمل بأستمرار دون توقف أن شاءالله . ولكن روابطها مخفية تظهر بعد التسجيل . و تسجيلكم دعم للمنتدى


 

 : ثبات الأخلاق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 13163
تاريخ التسجيل : 12/10/2007

: ثبات الأخلاق Empty
مُساهمةموضوع: : ثبات الأخلاق   : ثبات الأخلاق Icon_minitimeالجمعة يونيو 28, 2013 10:03 pm







 

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

الكتاب : ثبات الأخلاق
ثبات الأخلاق
للشهيد مرتضى مطهري
[5]
بين الأخلاق والحقيقة
يجب الالتفات قبل البحث عن خلود الأخلاق إلى أن الفلاسفة يقولون بخلود الحقيقة والعلم والأخلاق.
ولن نعرض هنا لخلود الحقيقة، ولكن نثير سؤالا ماسا وهو: لماذا فتحوا للأخلاق والحقيقة حسابين؟
ما الفرق بين الأصول الأخلاقية وسائر الأصول التي نسميها حقيقة؟
وما يقال به خلود الأصول العلمية يجب أن يشمل الأصول الأخلاقية أيضا:
[6]
ولكن الحق أن يفصل بين الفئتين:
يجب أن نلتفت في البدء إلى مسألة صغيرة ليعلم أن بحث خلود الأخلاق يهمنا كثيرا، وأنه مرتبط بخلود الإسلام.
وتلك المسألة هي أن الأخلاق سلسلة تعليمات.
ومن يرى التعاليم الأخلاقية غير ثابتة يرى التعاليم الإسلامية كذلك.
وهذا ينسخ كثيرا من الإسلام.
ولتكامل الحقيقة صلة بالإسلام أيضا، لكن صلة نسبية الأخلاق به أقوى منها.
فلماذا فصلوا الأخلاق عن الحقيقة؟
الحقيقة أصل نظري، والأخلاق أصل عملي.
فالحقيقة حكمة نظرية، والأخلاق حكمة عملية.
ولا يمكن لأصول الحكمة العملية أن تدخل حظيرة الحقيقة، لأن الحكمة النظرية تبيّن الحقائق الموجودة في الماضي والحاضر، فهي صورة الواقع على ما هو.
أما الحكمة العملية فمرتبطة بالإنسان، والبحث فيها
[7]
مرتبطة بما يجب أن يفعله.
فهي إنشاء.
والحكمة النظرية خبر عن الواقع، والبحث فيها يتناول مطابقتها للواقع وعدمها، وثبات هذه المطابقة وتغيرها.
وليس في الأخلاق خبر عن الواقع ولا مطابقة.
وتناولت كُتُبنا العقلين العملي النظري بعنوان (عقلي الإنسان) أو (قُوَّتَيْةِ) لكنها لم تتناول التفاوت الأساسي بينهما تناولا كافيا، مع أنها دلت على بداية حسنة.
فقد بُحث العقلان بحثاً نفسِيَّ الطابع، فقيل: في الإنسان قوتان: إحداهما العقل النظري، والأخرى العقل العملي.
والعقل النظري قوة في النفس تكسف بها عما هو خارج عنها.
والعقل العملي سلسلة إدراكات تدبر بها البدن.
(1/1)
________________________________________
فهو مختص بطبيعة النفس، والعقل النظري مختص بما فوقها.
ولذا كانوا يقولون: للنفس كمالان: نظري، وعملي.
والفلاسفة يرون ماهية الإنسان وجوهره وكماله في
[8]
العلم خلافا للعرفاء الذين لا يرون الكمال في العلم، لاعتقادهم بأن الإنسان الكامل هو الذي يبلغ الحقيقة لا الذي يكشف عنها.
وكانوا يقولون بشأن العقل العملي: إنه يسعى لتدبير البدن أحسن تدبير بسلسلة أحكام تمكنه من بلوغ الكمال.
ويرجع القدماء توازن البدن إلى الحرية، لأن النفس محتاجة إلى البدن، ولا تستطيع أن تبلغ الكمال النظري من دونه.
ولهذا يجب أن تتعادل القوى.
والقوة التي تقييم هذا التعادل هي القوة العاملة.
وإذا تعادلت القوى لم يقهر البدن النفس، وإنما يكون مقهورا لها.
ويكونوا يرون التوازن في خضوع البدن للنفس وقهرها له.
هذا ما قاله قدماؤنا، وربما لم يبحث أحد الحكمتين النظرية والعملية أكثر من الشيخ أبي على (أراد الشيخ الرئيس الحسين بن عبدالله بن سينا الفيلسوف الطبيب الفقيه الأديب المولود في صفر سنة سبعين وثلاثة مئة للهجرة أي في آب سنة 980 للميلاد )
[9]
فقد قسم الحكمة في الإلهيات من الشفاء على نظرية وعملية.
وزادها تفصيلاً في المنطق من الشفاء (الشفاء من كتب الشيخ بالعربية وهو أربعة أقسام: المنطق، والرياضي، والطبيعي، والإلهيات)
وربما كان تفصيلها في المباحثات (كتاب له أيضا نشره الدكتور عبدالرحمن بدوي في كتابه أرسطو عند العرب ). سنة 1947) أوسع منه في غيره.
وهذه المباحث القديمة مجتمعة بسطت يد التحقيق في هذه المسألة، لكنها توفها حقها منه.
حتى العقل العملي ما زال يشوبه الإبهام.
ويظهر من كلام لهم أن العقل العملي هو قوة إدراك النفس، يعنون أن لعقلنا إدراكين هما: إدراك العلوم النظرية، وإدراك العلوم العملية.
(1/2)
________________________________________
ويستفاد من كلام آخر كلمة العقل مشتركة لفظا في العقلين العملية والنظري، وأن العقل مشتركة لفظا في العقلين العملي والنظري، وأن العقل العملي ليس من سنخ (سنخ: اصل)
الإدراك فهو قوة عاملة لا قوة عالمة.
[10]
هكذا ورد في كلمات الحاج ملاّ هادي السبزواري.
فالعقلان العملي والنظري ليسا واضحين في كلامهم.
ولا يعنينا كونهما قوتين أو قوة واحدة، ولا كون أحداهما قوة عالمة والآخر قوة عاملة، حتى إذا أطلق العقل في الصورة الأخيرة على العقل العملي كان من باب الاشتراك اللفظي، يعني أن العقل العملي ليس في الواقع من سنخ العقل العالم.
ويذكر هنا أن ما بحثه السيد الطباطبائي في المقالة السادسة من أصول الفلسفة التي لم يسنح لنا التعليق عليها كان إبتكاراً ثميناً جداً لا ريب فيه.
ونقصه الوحيد أنه تصدى له وفكر فيه وبلغ غايته منه، لكنه لم يربطه بكلمات قدمائنا ليعرف جذر هذه المطالب في كلمات الشيخ وأمثاله، ويعلم العقل العملي والعقل النظري.
ولو أنه بدأ من كلماتهم ووصلها بكلماته، لكان خيراً.
وعلة هذا القطع عن كلمات الفلاسفة القدماء هو أنه بلغ ذلك الابتكار عن أصول الفقه لا عن الفلسفة.
[11]
واستلهم القسم الأول من بحثه من آراء المرحوم الحاج الشيخ محمد حسين الإصفهاني في باب الإعتبارات، فقد أقتفاه ومضي، ولهذا لم يربطه بآراء الفلاسفة.
فقال: "كل ما نستنتجه مرتبط بالحكمة العملية، ومتعلق بعالم الأفكار الإعتبارية.
فالحكمة النظرية أو الحقيقة على وفق التعبير هنا معناها الأفكار الحقيقية التي هي الصورة الواقعية للأشياء.
والأفكار العملية معناها الأفكار الإعتبارية.
والأفكار الإعتبارية هي كل الأوامر والنواهي وكل ما يطرح في علم الأصول.
وقد طرحت في علم الأصول طرحا أحسن من طرحها في كل ماعداه".
وهو يرى الاعتبار فكرة حقيقية نطبقها ونعممها على أمر آخر، وليس للنفس أو العقل مثل هذه القدرة أن تبدع مفهوما مثل باب الحقيقة أو المجاز.
[12]
(1/3)
________________________________________
فكل مجازٍ عبارة عن حقيقةٍ مصداق واقعيتها ليس مجازاً.
وسواء قبلنا رأي السكاكي وقلنا: إن اللفظ يبقى على معناه، ونعتبر مصداقه شيئاً آخر، أم رددناه وقلنا: إن اللفظ يستعمل في غير معناه.
فالعقل ليس قادرا أن يخلق فكرة مثل مفهوم الملك دفعة، ولكنه يحفظ مفهوماً في صورة حقيقية يعتبره مجاز لشيء آخر.
الحسن والقبح
من ها هنا بدأ وتقدم، واتسع الباب اتساعاً كبيراً يستوعب كل المفاهيم التي تذكر في الأخلاق كالحسن والقبح، وتراها إعتبارية.
فهل انتزع الحسن من الوجوب، أو الوجوب من الحسن؟
هذا ما بحثه مفصلاً.
وكتب في النجف مقاله في العلوم الإعتبارية بالعربية تضمنها بحثه بالفارسية.
[13]
ووصل في مسألة الوجوب إلى أن كل وجوب ناشىء من أن الطبيعة لها أغراض في صميمها تسعى إليها، فالجماد والنبات والحيوان ينجز الأفعال غريزياً، والإنسان ينجزها فطرياً.
وتلك هي الطبيعة التي تتحرك صوب غايتها.
ويفعل الإنسان أفعالاً يريدها ويفكر فيها من أجل غاية لا ينالها إلا بإرادته.
وهذه الغاية هي في الواقع غاية الطبيعة التي لا تباشر الوصول إليها، وإنما تتذرع بالإدارة والفكر.
من هنا تمس الحاجة إلى الإعتبارات تلقائياً.
فطبع الإنسان كطبع النبات يحتاج إلى الغذاء، ولكنه يكسبه بالفكر والإدارة، بينما النبات يستمد غذاءه من التربة بجذوره الضاربة فيها.
والحيوان يندفع إلى غذائه من تلقاء نفسه بحكم غريزية التي لا تعرف ماهيتها.
ولا يفعل الإنسان هكذا، بل يفعله على وفق الإدارة التي لا يعلم أنها جهاز مسلط من جهاز الطبيعة.
فالإنسان يتحرك بجهازين: الطبيعة، والفكر والإرادة.
[14]
وجهاز الفكر والإرادة ينبغي تحقيق ما يصبو إليه جهاز الطبيعة.
فالغاية تظهر بصورة حاجة مثل اشتهائه الزاد.
(1/4)
________________________________________
وقدماؤنا بينوا مقدمات الإدارة، فقالوا: مقدمات الفعل الاختياري هي: تصوره، ثم التصديق بفائدته، والرغبة فيه التي اختلفوا فيها، ثم الجزم، والعزم، فتحصل الإرادة وبعدئذ يحدث الفعل الإختياري.
والسير الطباطبائي يقبل هذه المقدمات، لكن الشيء الأساسي عنده هو الحكم الذي تحكم به النفس، لا الحكم النظري الذي كان القدماء يصدقون بفائدته.
بل هو حكم إنشائي يجب أن تفعل هذا.
وما يتكىء عليه هو أن كل فعل اختياري يضم حكماً إنشائياً واعتبارياً دائماً، مثل جيب فعل كذا ويجب عدم فعل كذا.
وهذا الوجوب هو الذي يجبر الإنسان على ابتغاء القصد الطبيعي.
وربما رد السيد كل الإيرادات إلى العلم.
وهذا كان مثل أكثر أعماله الأخرى التي هي في البدء
[15]
فكرة تخطر له، فيتعقبها دون التفات إلى ما قاله الآخرون بشأنها.
وقد قلت له مرة: هل ما تقوله هنا موافق لما قاله القدماء في الفرق بين الحكمتين العملية والنظرية وتصريحهم بأن الحسن والقبح إعتباريان.
وإذ واجه قدماؤنا المتكلمين ذكروا للبرهان نوعاً من المبادئ.
وعندما ذكروا مبادئ للخطابة والجدل ذكروا الحسن والقبح، وصرحوا بأنهما لا يستفاد منهما في مبادئ البرهان، وعدوهما جزءاً من المشهورات، وضربوا قبح ذبح الحيوان عند الهنود لهما مثلاً.
ولو بحث أحد بآفاق الفلسفة لما واجه مسألة يستند إثباتها إلى الحسن والقبح خلافاً للمتكلمين الذين يستندون إليهما في كل مسألة مثل أن اللطف حسن، وهذا قبيح على الله، وذاك واجب عليه.
والفلاسفة يرون هذه أموراً اعتبارية، ويعدونها من المسائل النظرية غير القابلة للاستدلال.
وهذا يبين أنهم مثل العلامة الطباطبائي يرون الحسن
[16]
والقبح اعتباريين.
والموضوع الآخر الذي يعطي حديث الطباطبائي الأهمية الكبرى هو أن ناساً مثل راسل الذي جاء اليوم بفلسفة حديثه يعود كل ما جاء به إلى ما قاله الطباطبائي.
ولا ريب في أن الطباطبائي لم يطّلع على أفكار هؤلاء.
(1/5)
________________________________________
وما انتبهت إذ كتبتُ عنه أصول الفلسفة أنه جاء بفلسفة جديدة في العلوم العملية والأخلاقية هي أحدث ما قدمه العصر في الأخلاق.
وربما لاح له هذا النظر قبل حوالي أربعين سنة عندما كان في النجف، وهو مقارن لظهور نظر الأوربيين المشابه له لا متأخر عنه.
وهو لم يطلع على آرائهم قط.
ومن المحدثين راسل الذي فصّل هذا الموضوع تفصيلاً حسناً.
ومن يطالع تاريخ فلسفته، ولا سيما ما يخص نظرية أفلاطون يجد رأي راسل في هذه المسألة.
فأفلاطون تحدث في الأخلاق حديثاً رفيعاً، لكنه رأى
[17]
الحكمتين النظرية والعملية نوعاً واحداً، ونظر إليهما بعين واحدة، وتناول الخير في الأخلاق قائلاً: الأخلاق هي أنه يجب أن يطلب الإنسان الخير الذي هو حقيقة مستقلة عن النفس الإنسانية تجب معرفتها.
أي أن ما يطلبه الإنسان في باب الأخلاق وفي باب الحقيقة واحد.
فهو مثل الرياضيات التي تبحث في الأعداد المستقلة عن ذهننا، والطب الذي يتناول موضوعات خارج الذهن.
فيظهر من قول أفلاطون أن الخير الأخلاقي موجود مستقل عن الإنسان الذي يجب عليه أن يعرفه كما يعرف الحقائق الأخرى.
من هنا يتضح أن قدماءنا ألفوا بين أقوال الماضين، فاصطفوا الحسن، واطرحوا سواه من غير أن يدلوا على المصطفى منها والمطرح.
وقد استقوا كثيراً من قول أفلاطون في الأخلاق، لكنهم استبعدوا منه ما ذكرناه آنفا، وهو جدير بالاستبعاد.
وضمن نقل راسل لرأي أفلاطون يعرض رأيه هو قائلاً: يجب أن نفتح مسألة الأخلاق ونرى ما يتجلى لنا
[18]
منها، فكيف فكر أفلاطون الذي قال: للخير وجود فيما وراء وجودنا؟
وقدم هنا جواباً هو رأي السيد الطباطبائي نفسه قال: أصل الحسن القبح مفهوم نسبيّ يطرح في علاقة الإنسان بالأشياء، فعندما يكون لنا غاية نريد بلوغها نقول: هذه وسيلة حسنة؟
والآن ما معنى هذه وسيلة حسنة؟
معناه وجوب التوسل بها إلى غايتنا، وحسن هذه الوسيلة هو هذا الوجوب لا صفة واقعية لتلك الوسيلة.
(1/6)
________________________________________
فقد حسب أفلاطون الحسن والقبح موجودين في الأشياء وجود البياض والكروية وأمثالهما فيها، وهما ليسا كذلك.
وقولنا: الصدق حسن يعني أنه حسن بالنسبة لأمر معين.
أي: أنه حسن، لأنه يوصلنا إلى ذلك الأمر، لا لأنه حسن للجميع.
وبالتحليل المنطقي وصل رسل وآخرون إلى أن الحسن والقبح اعتباريان، وأن ما ابتلى به الفلاسفة حتى اليوم هو أنهم ظنوا المسائل الأخلاقية كالمسائل الرياضية
[19]
والطبيعية، وفكروا فيها كما يفكرون في هذا المسائل.
فعدوا البحث في الأخلاق عن حسن عمل وقبحه كالبحث في الطبيعة عن الجاذبية مثلا.
فالحسن والقبح عندهم مما يكتشف، وهما ليسا كذلك.
فلو صدق أحد أو كذب في قوله: الظلام حالك لما أتصف ظرف قوله، أعني الوجود العينيّ للظلام بصفةٍ عينيّة اسمها الحسن، بصفة غير عينيّة اسمها القبح.
وذلك لأن هاتين الصفتين ليستا من صفات الشيء نفسه.
وإنما هما من صفات توصيله وعدم توصيله إلى غاية معينة.
واعتبر الصدق حسناً، لأنه لا يوصل إلى هذه الغاية، فيجب أن يقال.
واعتبر الكذب قبيحاً، لأنه لا يوصل إليها، فيجب ألا يقال.
وهذا يعني أنه ليس لدينا هنا سوى وجوب القول وعدمه.
[20]
والحسن والقبح ينتزعان من هذا الوجوب وعدمه.
وليست نتيجة هذا الكلام أن الأخلاق لا حقيقة لها.
وما جاء به هؤلاء جديد للغاية ي نظرهم، وهو مورد اهتمام الفلسفة الأوربية الآن ومحط قبولها
وهو عندهم ناسخ للنظريات الأخلاقية كنظرية أفلاطون وارسطو وكانت وأمثالها.
وقلنا: إن ما جاءوا به قد ورد في كلام الحكماء الإسلاميين.
ونقص عمل السيد الطباطبائي هو أنه لم يربطه بآراء حكمائنا القدماء.
وكان الأستاذ الحائري يقول: إن الأوربيين سألوه في الامتحان عن هذه النظرية وهذا حاكٍ عن تعاطيهم لها.
ما الرابطة بين العلوم النظرية والعملية؟
والعلوم النظرية في اصطلاح هي النظرة إلى الكون.
والعلوم العملية هي المنطق والجدل والفلسفة المادية.
(1/7)
________________________________________
فكيف نحصل على نتيجة من مقدمات من أصل الحقيقة الذي هو من سنخ الإنشاء؟
[21]
ولا إشكال في كون المقدمات خبرية والنتيجة خبرية.
فتقول مثلاً: ألف مساوٍ لباءٍ، وباء مساوٍ لجيمٍ.
فألف إذن مساوٍ لجيم.
وهنا حصلت نتيجة خبرية من مقدّمتين خبريتين.
لكن كيف نحصل على نتيجةٍ إنشائية من مقدمتين خبريتين؟
هل هناك قياس مقدمتاهُ خبريتان ونتيجته إنشائية؟
لا نريد أن نقول لا.
فما تحليله إذا كان موجوداً؟
وهذا محل نقاشٍ حاد في أوروبا استنتج منه رسل وأمثاله أنه ليس هناك أصول أخلاقية دائمة.
إلى هنا استنتجنا ما نريد من أن الحسن والقبح ليسا صفتين عينيتين للأشياء يجب اكتشافهما على نحو ما يجري. في العلوم العصرية.
أي أن من يسلك هذا السبيل إلى الأصول الأخلاقية لا يدرك غايته، لتشابه الأمر الاعتباري عليه بالأمر الحقيقي.
[22]
هل الاعتباريات ثابتة أو متغيرة؟
أو هل هي نوعان: ثابت ومتغير؟
فهذه مسألة متصلة، ولنا مناقشة للغربيين فيها.
والسيد الطباطبائي يرى الاعتباريات نوعين: ثابتا ومتغيرا.
ولم يبحث كثيرا عن الاعتبارات الثابتة على نحو ما فعل بالمسألة برمتها، لكن أساس نظريته هو أن لدينا اعتبارين.
وضرب العدل والظلم ونظائرهما أمثلة للاعتباريات الثابتة، وقال: حسن العدل وقبح الظلم أمران اعتباريان ثابتان لا يتغيران، ولدينا الكثير من الاعتبارات المتغيرة أيضا.
من هنا يجب أن ندخل بحث الواجبات.
ولا ريب في أن بعض الواجبات فردي وجزئي، فالمحتاج إلى درس معين يقول: يجب أن أتلقى هذا الدرس وغير المحتاج إليه يقول: يجب ألا أتلقى هذا الدرس.
وكل من المتحاربين يحارب لوجوب معيّن.
فالوجوبات الفردية الجزئية لا ريب في نسبيتها، أي
[23]
أنها تتغير من امرئ لآخر.
فعندما أقول: هذا الغذاء لذيذ لي، فإن فيه جانباً نظرياً هو علمي بلذته.
كما أنه في جانباً عملياً هو وجوب تناوله.
(1/Cool
________________________________________
والمسألة في الأخلاق هي: هل هناك سلسلة وجوبات يعمل الناس على أساسها عملا واحدا؟
هل لدينا من قبيل {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(الشمسCool. و {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ الخيرات}(الأنبياء73).
والطباطبائي يفرق بين (أوحينا إليهم فعل الخيرات) و (أوصينا إليهم أن افعلوا الخيرات)
[25]
الوجوبات الكلية
إذا كان لدينا مثل هذه الوجوبات، فكيف توجه مع المقاصد الجزئية؟
ومن هنا نصل إلى نتيجة عالية هي أن لا يكفي لفرق الحكمة النظرية من العملية أن نقول: هذه مجموعة وجودات، وتلك مجموعة وجوبات.
وهذا لا يكفي لتفسير الحكمة العملية، لارتباطها بالوجوبات الكلية.
فالصناعة مرتبطة بعدة وجوبات، لكنها لا تستطيع أن تكون حكمة عملية، لأن وجوباتها جزئية.
والوجوبات الكلية هي تكون في جميع الأذهان.ولا تكون لمقاصد جزئية.
وأصل هذه الوجوبات القبول بأن الروح مجردة، وأن
[26]
الإنسان غير محدود بالطبيعة المادية، وهذا نفسه من أدلة تجرد النفس.
وقد وصل كانت أيضا إلى تجرد النفس بالمسائل الأخلاقية.
والإنسان محتاج بدنياً إلى أشياء محدودة متفرقة نسبية، فاحتياج زيد يخالف احتياج عبيد.
وموجبات هذه الاحتياجات الفردية متناقضة جدا، ولذا كانت غير أخلاقية.
ومثلما تجر الطبيعة المادية الإنسان تجره الروح إلى مكانة عالية، ولذا سخر لها إرادته وفكرة.
وتريد الطبيعة المادية للإنسان أن تبلغ الكمال بسد الحاجة إلى الغذاء.
فنحن على ما يقول شوبنهاور: نلقي في أفواهنا اللذيذ والحلو، وننطلق وراء اللذة في عالم الفكر، ولا نعلم أن الطبيعة تريد أن تبلغ غايتها فينا، ولهذا أتاحت لنا اللذة، فإذا نبحث عن اللذة في عالم الفكر نتحرك في الوقت نفسه صوب مقاصد الطبيعة.
فالطفل مثلا يبكي، لأن الطبيعة تريد أن تهبه النضج فهو لا يبكي من إحساسه بالألم فقط، بل الطبيعة تعلن
[27]
حاجته بهذه الوسيلة، وتتيح له الإحساس والإدراك.
(1/9)
________________________________________
وللإنسان سموّ روحي لعل أصله هذا الشرف والكرامة المستقران فيه
وبعض الوجوبات مسخرة لبلوغ هذا الكمال.
فعندما يقول: يجب أن أفعل كذا، فإنه يعني أن يبلغ ذلك السمو، وإن لم يظهر هذا القصد في شعوره.
وهذا لمعالي مشتركة بين الناس، ولذا يحسون بها إحساسا واحدا.
والتوجيه الثاني للوجوبات الكلية هو مسألة الطبع الاجتماعي، إذا يقال: إنه فُطِر على الاجتماع، وإنه منح سلسلة من البواعث لسدّ حاجاته الاجتماعية لا الفردية فحسب.
فهو مفطور على سد الحاجات الفردية والاجتماعية.
ولولا هذا الميل الاجتماعي لديه لما نشأ هذا الوجوب لذلك، فأنا أعمل كذا ليشبع فلان مثلا، ولو لم يكن له صلة بي لما نشأ هذا الحكم.
وهذا الحكم مرتبط بالأنا الأعلى فرديا كان أم
[28]
اجتماعيا، وهذا الأنا الأعلى يريد الوصول إلى مقصده، وهو الذي يرغمني على الأفعال الأخلاقية التي هي أصول ثابتة، أي: وجوبات لا تتغير.
وهي كلية، ولدى الناس جميعاً، ودائمة لا مؤقتة.
والمسألة الأخرى التي قالها هي فلسفة الوجود، وفلسفة الصيرورة.
وفلسفة الوجود مرتبطة بثبات الأخلاق، فهي ترى أن الأخلاق خالدة، وأن هذا الأصل الأخلاقي صحيح إلى الأبد.
فيما تراه فلسفة الصيرورة نسبياً موقتاً معتبراً في زمان، وغير معتبر في آخر.
وهذه المسألة مهمة جداً، لأنها لا تختص بالأخلاق وحدها، بل تشمل الأحكام أيضا.
فهؤلاء يعتقدون بأن الحقائق متبدلة لا تستقر على حال أبدا، حتى الدستور كذلك، لأن الفرق بين الحقيقة والأخلاق أن الأولى خبر، والثانية إنشاء.
ولا بد أن تشمل الأخلاق بهذا التبدل الدائم.
[29]
الحقيقة ثابتة أم متغيرة؟
لا ملازمة بين فلسفة التحول وكون الحقيقة مؤقتة على نحو ما قيل، لأن فلسفة التحول ليست مرتبطة بالواقع الخارجي.
وعلى فرض أنه ليس في الواقع إلاّ الصيرورة، فإنها لا تستلزم تغير الحقيقة في الفكر.
(1/10)
________________________________________
وإذا كانت الوقائع ومنها فكر الإنسان متغيرة، فإن الحقيقة ستتغير، ولكن أولئك لا يقولون هذا.
وعلى وفق نظرنا لا يتجرد محتوى الفكر عن الموجود الذهني والعيني حتى بالاعتبار.
فقولنا: "زيد قائم يوم الجمعة" صادق أبدا.
فهذه الجملة بغض النظر عن وجودها العينيّ والذهنيّ ليست شيئا يقال عنه: إنه ليس في الذهن ولا في الخارج.
فزيد قائم قضية تصدق على محتواها دائما.
وهذا غير ممكن، لأن هذه القضية إما أن يكون لها وجود ذهني أو عيني، لكن الإنسان حين يفكر فيها يجردها
[30]
من وجودها الذهني، ثم يقول عن المفهوم أو المعنى المجرد في مقام الاعتبار: صادق أبدا.
وبناء عليه نقول: إذا كان الفكر متغيرا، فالمعتبر متغير أيضا، ولا يبقى (زيد قائم يوم الجمعة) في ذهننا على ما تصورناه أمس، لأنه متبدل في الأساس وصائر غيره.
ولكن هؤلاء لا يقولون هكذا.
وما ورد في بحث ثبات الحقيقة وارد في الأخلاق فيقال لهم: لو أخذنا بفلسفة الصيرورة، لامنا بتغير الحقائق، والأخلاق مجموعة من الأوامر والنواهي، فهي مجموعة من الاعتبارات.
وتغير الوقائع لا يستوجب تغير الاعتبارات.
وفي حديثنا عن ختم النبوة قلنا: إذا قال أحد إن كل شيء متغير، فلا معنى لخاتمة الرسالات، قلنا: إن تغير الوقائع لا يستلزم تغير هذه الرسالة، لأنها عهد، وتغير الوقائع لا يشمل العهود
فالقول بأن فلسفة الصيرورة تقتضي تغير الأخلاق ليس صحيحا.
ويمكن رد ذلك بهذا البيان:
[31]
يقولون: كل دستور سواء أكان أخلاقيا أم غير أخلاقي قائم على مصالح.
وهذا ما قاله المتكلمون واتبعهم الأصوليون، فقالوا: "الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية".
أو بتعبير المرحوم النائيني: المصالح والمفاسد هي في علل الأحكام، والأحكام هي ما يجب وما لا يجب في الوصول إلى تلك المصالح، فهي تابعة لتلك المصالح والمفاسد كما يتبع المعلول علته.
المصالح أمور واقعية، والأوامر والنواهي عهود واعتبارات.
(1/11)
________________________________________
بيد أن المصالح والمفاسد التي تنشأ عنها هذه الأوامر والنواهي بحكم واقع متغير يؤدي إلى تغير الأوامر والنواهي الناشئة عنه.
وهذا الإشكال يجد صورة أخرى في ضوء هذا البيان الذي هو أحسن بيان.
ونريد الآن أن نعرض الموضوع على وفق المعايير الأخلاقية، ونخص بحث الأخلاق باصطلاحنا الخاص، فبحث الأخلاق واسع متعدد الفروع كالمعاملات والعبادات، لكن بحثنا فعلاً مختص بالأخلاق بمعناها الخاص.
[32]
ثبات الأخلاق
يمكن بيان الخلود في الأخلاق التي نسميها اصطلاحا الحقيقة بأن قولنا: (هذه معاملة حسنة). يعني أنها حسنة في عينها، وهكذا لو وصفت بالقبح.
أي أن كل فعل حسن في عينه أو قبيح في عينه.
ويمكن القول بأن بعض الأفعال لا حسن في عينه ولا قبيح في عينه.
ومعنى ذلك هو أن الحسن والقبح عينيان، والصفة العينية لا تتخلّف ولا تختلف.
وسيبقى الحسن حسنا والقبيح قبيحاً ما دام العالم.
والعقل أيضا يحكم بإنجاز الحسن واجتناب القبيح، ولا نقاش في البديهة العقلية.
ويستند عادة إلى ذاتية الحُسن والقبح في الأشياء.
ولئن لم يبحث حكماؤنا هذه المسألة، فإنهم لم يعتقدوا بالحسن والقبح العينييين.
وترون الاستناد في المنطق إلى الحسن والقبح كالاستناد إلى المشهورات المناسبة للجدل والخطابة.
وقد سبق التذكر بأن الحسن والقبح مختلفان عند
[33]
الأمم والأقوام، ولذا يمثلون بقبح ذبح الحيوان لدى الهنود، ولكنهم لم يبحثوا أكثر من ذلك، ولم يبينوا سبب جعلنا الحسن والقبح من مبادئ البرهان، ولم يذكروا علة الافتراق من القضايا الرياضية.
كل ما قالوه هو أن الحسن والقبح من أحكام العقل العملية.
ومن الحسن معرفة أن العقل العملي يتيح للإنسان التوصل إلى ...
وما ذكروا ولا أوضحوا أكثر من هذا.
(1/12)
________________________________________
وأكثر الحكماء بحثا في هذا المجال السيد الطباطبائي، وذلك في المقالة السادسة عن أصول الفلسفة، وقد كتبنا حاشية على القسم الأول من هذه المقالة، ولم نكتب حاشية على القسم الثاني لضيق الوقت.
وأغلب أقسام هذا البحث غير مقبولة لدينا على الرغم من أنه بحث أساسي وعميق جدا جدير بالفلسفة وبناء الذهن بناء فكريا، فضلا عن ملاءمته لعلم الأصول.
لقد تناول في هذه المقالة الأفكار الاعتبارية وكيفية حصولها، وهي جديرة بالبحث والمناقشة. إلا أننا هنا نقدم خلاصة ما يرتبط منها ببحثنا.
[34]
يبدأ حديثه من أن قدرة الذهن وعمله هو أن يلتقط أفكار عن الأشياء الخارجية العينية، وهو أفكار حقيقية ولا قدرة للذهن على اختراعها، ويطبقها على واقع ما، أي يطبق شيئا على شيء، وبالتعبير الاصطلاحي والأدبي يصنع مجازا.
وليس المجاز - بنظر السكاكي - استعمال اللفظ لمعنى آخر، فنننزع كلمة أسد مثلا مما وضعت له ونستعملها في غيره كإطلاقها على رجل شجاع لمشابهته الأسد.
لا ليس المجاز تصرفاً للأسد واقعاً، ثم نطلق اللفظ عليه.
وهذا إنشاء يقوم به الذهن.
وللمرحوم السيد البروجردي تعبير لطيف في هذا الصدد، إذ كان يقول: عندما نقول: رأيت أسدا يرمي، فإننا نستعمل جملة بدلاً من أثنتين.
فكأننا قلنا: رأيت زيدا يرمي، وزيد مثل الأسد.
وكان يقبل كلام السكاكي في المجاز.
هذا الحديث قاله الطباطبائي في باب قدرة الذهن على الانتزاع والإنشاء وما شابه، يعني أنه يجعل الشيء مصداقا
[35]
لشيء آخر على وفق حساب.
وله كلام آخر وهو حسن الغاية -لكن تعميمه غير مقبول لدينا- وهو قوله: فرق الموجود ذي الروح من الموجود بلا روح أن الأخير ليس له سوى سبيل واحد وحركة واحدة إلى غايته، وأنه يتجه إليها مجبرا.
فالطبيعة في هذه المرحلة تتجهز بوسائل تعينها على التحرك إلى مقصدها.
(1/13)
________________________________________
وذو الروح من الناحية البدنية هكذا يتحرك إلى غايته، ولكن تجهز الطبيعة ليس بكاف لبلوغ ما تريد، فيستعين الحيوان بجهازه الشعوري والإدراكي.
فيحصل في الواقع تنسيق بين الطبيعة العينية والتكوينية، الطبيعة الفاقدة للإحساس فينشأ جهاز الشعور الذي يعمل على إيصال الطبيعة إلى ما تريد، والإنسان يحسب أن هذين إتحدا إتفاقا.
فالطبيعة الإدراكية للإنسان والحيوان هي أنه تصور أو أدرك شيئا مال إليه ورغب فيه، فإذا ناله سر به، وإلا اغتم.
فهو يسعى إلى الإلتذاذ بنيل شيء أو النجاة من خطر، فإذا لذعه الجوع انتفض يبحث عن طعام لما عرف من لذته.
والطبيعة تواجه حاجات لا تنتهي تدعوها إلى بلوغ
[36]
غاياتها.
فالحيوان يلتذ بالطعام والطبيعة تحقق مبتغاها، هذان العملان غير مرتبط أحدهما بالآخر؟
هل اجتمعا مصادفة؟
هل يمكن أن يحصل هذا بنحو أخر، فيلتذ الأكل بتناول الحجر مثلا والمعدة تحتاج إلى مواد أخرى؟
هل تنفع الأطعمة اللذيذة آكلها وتسد حاجة الجسم والطبيعة إتفاقاً؟
ليس في الأمر اتفاق، وإنما هناك صلة بين الأثنين، سوى أن أحدهما أصل والآخر فرع.
وإذا كان الأمر كذلك، فهل الأصل هو القوة الإدراكية التي تريد الإلتذاذ والإنفلات من أذى الجوع، وتحتاج إلى جهاز يمكِّنها من بلوغ اللذة المنشودة ويعدها للذائذ أخرى؟
أو أن الطبيعة هي الأصل الذي يسخِّر المرء لخدمته؟
ولا شك في تناسب العمل وتناسقه، ولهذا يلتذ كل حيوان بما تحتاج إليه الطبيعة، وهي لا تحتاج لغير ما تلتذ به.
فالمرأة مجهزة بالترائب والحليب وجهاز الإنجاب،
[37]
وتلتذ بذلك في حين أن الرجل يتقزز حتى من تصور الولادة.
وهذا يكشف عن أن ذلك على وفق حساب حكيم، فالحيوان البيوض يلتذ بالبيض، والولود يتلذ بالولادة.
إنه لتنسيق رائع في العمل.
ومن الخطأ التصور أن المطامح مختصة بذي الشعور، وهذا ما قاله الشيخ وآخرون.
وإذ يقال: للطبيعة غاية، يُشكل عليه بأنها ليست ذات شعور، فتكون لها غاية.
(1/14)
________________________________________
ومن الاتفاق تعلق الغاية بهذه الطبيعة التي لا شعور لها، فامتلاك جهاز الشعور تبع لغاية الطبيعة التي هي التحرك صوب كمالها.
وامتلاك الشعور بقول الشيخ لا يجعل عديم الغاية ذا غاية.
وامتلاك الغاية مربوط بالطبيعة نفسها، بيد أنها تشعر بهذه الغاية حينا، ولا تشعر بها حينا.
ولا انسجام بين اللذة وحاجة الطبيعة دائما، فكثير من اللذات ضرر على الطبيعة وإبعاد لها عن كمالها.
[38]
ويرد هذا الإشكال بأنه لا يعبأ بالموارد الشاذة في شأن الإنسان الذي يعمل بحكم العقل.
أعني أن الانسجام متحقق حتى إنه لا يمكن حمله على الاتفاق (المصادفة ).
وهناك استثناءات من قبيل المريض المحتاج إلى دواء لا تستطيبه النفس، فيحصل نوع من التغايير بين مقتضيين، وله تفصيل خاص به، فالحيوان يلتذ بتناول دوائه بحكم الغريزة، فيما لا يلتذ به الإنسان بحكم العقل.
لندع هذا.
قال السيد الطباطبائي: من هنا يشرع عالم الاعتبار، عبر تعبيرا يظهر منه أن الأفكار الاعتبارية موجودة في الإنسان وغيره.
وليس هذا التصميم بمقبول لدينا.
وقال: بين الطبيعة والغايات -على ما تعبر عنه الآثار- رابطة وجوب وضرورة من النوع العيني والتكوينى والفلسفي الذي بين كل علةٍ ومعلولها، ولكن الإنسان في عالم الإعتبار يقيم هذا الوجوب العيني المقابل للإمكان والإمتناع في الطبيعة بين شيئين ليس بينهما هذه الرابطة
[39]
الإدراكات الاعتبارية
من هنا تنشأ هذه الوجوبات التي يخلقها الذهن.
وهذا الوجوب قائم في الأفعال الاختيارية لمدى كل ذي شعور.
وبهذا الوجوب قال القدماء، وما كان هذا أمراً، فقد قالوا: في البدء يتصور الإنسان الشيء أو يحس به، ثم يميل إليه ويرغب فيه.
وبيّنوا مراتبه المختلفة.
وبعد الرغبة في الشيء ينشأ العزم على بلوغه، ثم التصديق بفائدته بعد تصورها.
وهذا التصديق في نظرهم تصديق بأمر عيني، يعني التصديق بأن الشيء الفلاني فيه الفائدة الفلانية.
[40]
(1/15)
________________________________________
وتأتي بعد ذاك المراتب الأخرى التي آخرها الإرادة.
ولكن هؤلاء لم يقولوا بهذا الحكم الإنشائي.
أما السيد الطباطبائي، فقد قال: من هنا ينشأ اعتبارا الحُسن.
فعندما أقول "يجب أن أنجز هذا العمل" ينتزع منه الحسن.
وهذه أيضا مسألة، وهي أيُّما ينتزع من صاحبه، الحسن من الوجوب أم الوجوب من الحسن؟
ولاعتقاد السيد الطباطبائي بأن الوجوب هو الاعتبار الأول يعتقد بانتزاع الحسن منه.
والحُسن في الواقع مبين لنوع من الملاءمة، مثلما يرى الإنسان المحاسن الواقعية في الأفعال.
وهو يصدع بقول يكرره في مواضع مختلفة كتفسير الميزان، وهو أ، أحد الاعتبارات هو الاستخدام.
وهو أن للإنسان صلة بقواه وأعضائه، وهي صلة عينية وتكوينية وواقعية.
فقوة أيدينا في خدمتنا إنما هو أمر تكويني، يعني أن يدي واقعا وتكوينا في خدمتي.
[41]
وجميع أعضاء الإنسان مملوك واقعي له.
ورأي السيد أن كل مادة خارجية هي وسيلة للإنسان ينتفع بها انتفاعه بيده، فمثلما أن يده هي ملكه، فإن هذه المادة وذاك الشيء ملكه أيضا.
وهذا توسعة لهذا الاعتبار.
والإنسان يوسع واقعة المحدود بوجوده هو إلى الأشياء الأخرى.
وهذا النوع من الاعتبار أمرٌ غريزي عند الإنسان في نظر السيد الطباطبائي الذي قال: إن الاعتبار غير مختص بالمواد الخارجية والجمادات والنباتات، فالإنسان ينظر حتى إلى الإنسان الآخر بعين الاستخدام.
ورأيه أن هذا الاعتبار عام وفطري، فالإنسان خلق بطبعه مستغلا.
وذهب إلى أن المسائل الاجتماعية والأخلاقية أصل ثانوي لم يتناوله في هذه المقالة، لكنه بحثه في الميزان تفسير الآية الثالثة عشرة والمائتين من سورة البقرة {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}(البقرة/213).
[42]
وربما بحثه في مواضع أخرى من أقواله بما يخالف هذا ولو بحسب الظاهر.
فقد قال هنا: الاستخدام أمر فطري، والعدل الاجتماعي أمر فطري أيضاً إلاّ أنه يستند إلى فطرة معدلة.
(1/16)
________________________________________
وصرح في التفسير بأن الإنسان مدني بالتطبع لا بالطبع.
هنا -في المقالة السادسة من أصول الفلسفة- قال: الإنسان مدني بالطبع، لكن الطبع المقول به هنا غيره في أماكن أخرى من كلامه.
فهو لا يقبل أن الإنسان مجبول على الاجتماع. وإنما يرى اجتماعه نتيجة لتعادل وتزاحم غريزتين.
فكلامه يشبه قول الداروينية الحديثة المعتقدة بأن الأصل في الإنسان والحيوان هو تنازع البقاء، الذي عبر عنه هو بالاستخدام.
وذلك لأن الأصل في الإنسان التنازع الذي جاء التعاون بعده، فالإنسان يتنازع ليبقى.
وليس العدو نوعاً واحداً دائماً، فقد يصطف ناس على عدو مشترك، لإحساسهم انهم غير قادرين على مواجهته.
[43]
متفرقين، وأن بقاءهم رهن بتآزرهم، فنشأ التعاون كما تنشأ المعاهدات التي تبرمها الدول فيما بينها دفعاً لخطر مشترك.
فهو في الحقيقة تعاون منبعث من التنازع، ولهذا تحدث الحرب بين الأصدقاء في الظاهر عندما يزول العدو المشترك.
وبعد مدة يسيرة ينشأ الخلاف بين الفئة الغالبة، وتحصل الحرب ثانية، وهكذا، حتى إذا بقي اثنان، احتربا أيضاً، وكان البقاء للأصلح.
وإذا بحثنا عن جذور المبادئ الأخلاقية للتعاون والتآلف والإتحاد وأمثالها، وجدناها ناشئة عن التنازع.
ومعنى هذا أنك إذا أردت أن تبقى إزاء العدو من طبيعة وغيرها، فسبيلك الصدق والاستقامة وأمثالهما.
هذا هو قول التكامليين الذي يمكن استنباط مثله من أقوال السيد الطباطبائي على الرغم من أنه لم يصدع بذلك، لكنه لازم قوله.
فهل يميل الإنسان إلى الشر أخلاقياً؟
هذا هو شأن الإنسان على كل حال، ولكن بنحو نسبيّ.
[44]
فقد خلق الإنسان باحثا عن مصلحته هو ناظراً إلى كل شيء بعين الاستخدام، ولا يستطيع ألاّ ينظر هذه النظرة، هذا هو قول السيد الطباطبائي.
هل التنازع من أجل البقاء والاستخدام أمرٌ واحدٌ؟
لم نرد أن نقول: إن المفهومين مفهوم واحد، وإنما أردنا القول: إن المفهومين ينتهيان إلى نقطة واحدة.
(1/17)
________________________________________
فقولنا: كل امرئ غايته الأولى استخدام غيره، وهذا إحساس عام للناس جميعا، نتيجته الحتمية هي الحرب وتنازع البقاء.
واستدام بحثه عن الإدراكات الاعتبارية، وهو أقرب إلى علم الأصول منه إلى الفلسفة.
لقد قال: ما يجب وما لا يجب هما وسيلة لبلوغ مقاصد متغيرة، وتغيرها يستدعي تغير الأحكام، فما يجب باقٍ ما دام المقصد، فإذا تغير المقصد، تغير الوجوب قهرا.
ولهذا قال: الإدراكات الاعتبارية على خلاف الإدراكات الحقيقية، فهي مؤقتة.
وبهذا يكاد يقول بأن الأخلاق لا يمكن أن تدوم.
[45]
نعم، لقد قال: أصول الاعتبارات باقية، وهي في حدود خمسة أو ستة.
ولا ينهض بحثنا هذا (ثبات الأخلاق) بمعالجتها، فتناولها الآن غير مثمر.
والجدير بالإيضاح هنا هو أن أصل الاستخدام الذي رآه السيد عاما للأحياء ليس مقبولا لدينا.
وقد كتبنا حاشية على كتابه طرحنا فيها المطلب طرحاً ليس في مثل هذا التعميم.
الإنسان ليس صادقا في أفعاله الاختيارية كلها، وإنما في جزء منها وهو ما ينجزه بفكر.
هنا ترد مسألة ما يجب وما لا يجب والحُسن والقبح العقليين.
وأما الإنسان الذي يبلغ الرشد كالطفل الذي يرضع، فإن أعماله طبيعيّة وشبيهة بالإعمال الغريزية، بل إنها غريزية حقا.
وفي حديث آخر فرقنا بين الرغبة والإدارة.
فالحيوان على الرغم من التساهل في التعبير عنه أنه متحرك بالإدارة، فإنه متحرك بالميل.
[46]
من هنا يجب التعبير عن الإنسان الراشد بأنه متحرك بالإرادة.
وبين العقل والإرادة ارتباط من جهة.
الميل حالة انفعالية لا مجال للفكر والعقل معها عندما ينجز إنسان أو حيوان عملاً على وفقها، إذ يخرج ذلك العمل عن دائرة الاختيار.
فإذا رأي الإنسان الغذاء مثلاً، اشتهاه، ومد يده إليه كأن قوة خارجية اجتذبته إليها.
على خلاف الإنسان الذي ينجز عملاً بإرادته، فإنه طليق من الجواذب الخارجية يتخذ قراره من صميم نفسه.
(1/18)
________________________________________
فإذا اشتهى غذاء ما مثلاً، حدث نفسه بشأنه: ما نفعه؟ ما ضرره؟ ما قيمته؟
وإذا وجد ما هو أطيب منه مد يده لذاك الأطيب بإرادة.
وإذا مال إلى طعام لا ينفعه ردته إرادته جامعة انتشار ميله من الخارج لتكفه في أعماق نف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://just.ahlamontada.com
 
: ثبات الأخلاق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
www.just.ahlamontada.com :: just_f _ المنتديـــــــــات :: just_f تطــــــويــــــــر الـــــــذات-
انتقل الى: